الإنسانية والقيادة السياسية

Kurd24

يبدأ النجاح الذاتي من الفكر السليم، من الثقافة النابعة من الأخلاق والثبات على المبادئ في التضحية من أجل الوصول إلى بر الأمان، وتتحول بعدها من الذات إلى المجتمع الواحد تلو الآخر لتصل إلى محطة النهاية والبداية، النهاية لأنها القمة، والبداية لأنها مرحلة البناء والاستمرارية في التغيير للأفضل على الدوام وعلى أسس سليمة، من هذا المنطلق يتميز القادة السياسيون الناجحون في مسيرتهم.

يتوضح الفرق بين العلم والثقافة بأنه شاسع جداً وغير مُرتبطان ببعضهما البعض، ارتبط العلم منذ القدم بالدراسة والبحث والاستكشاف وتطورَ تدريجياً وما زال في إطار البحث والتطور يوماً بعد يوم وسن القوانين لبناء هيكل الدول، بينما الثقافة ارتبطت منذ القدم وحتى الآن بالأخلاق والتعامل والوعي والمجتمع والتربية والفكر السليم الهادف للخير والبناء والإصلاح، عَبر التاريخ والحاضر ظهرَ الكثيرون من المثقفين الذين لم يسيروا في طريق العلم ولكل إنسان منهم ظروف خاصة، ومع ذلك وصلوا للقمة وأصبحوا منارة للبشرية، وبالجهة الأخرى هناك الكثيرون من البشر الذين حصلوا على العلم والمعرفة لكنهم فاقدون للأساس وهي الثقافة، ذاك العلم في أيديهم لم يمنحهم العطاء والبناء للغَير سوى لذاتهم وأجنداتهم الحزبية أو السياسية الضيقة، نستذكر من هذا الملا مصطفى البارزاني الخالد، لم يكن عالِماً ذا شهادة، بل كان عالَماً في الثقافة والفكر والتضحية والأخلاق، لم تكن له كُتب يدرسها الأجيال للتعلم، بل كانت له حياة أصبحت هي بحد ذاتها شهادة قيمة يحاول الكثيرون الحصول عليها من خلال التمسك بمبادئه وصفاته في العطاء والإخلاص والوفاء، ليس فقط للقضية الكوردية، وإنما للحياة بمجملها، كان ولا يزال منارة وخير مثال يقتدي به جيل الحاضر ويسير عليه جيل الغد، وربما استذكار مقولة للرئيس مسعود البارزاني في أعوام مضت تدل بأنه خير خلف لخير سلف وأن المسيرة هي ذاتها، حين منحته إحدى الجامعات شهادة الدكتوراه واعتذر عن قبولها.

لقد كان واضحاً أن الفرق بين العلم والثقافة شاسع جداً ، وأعطى باعتذاره ذاك درساً آخر للحياة، وإذا ما نظرنا إلى تاريخه السياسي ونضاله القومي ووظيفته فيما بعد كرئيس لإقليم كوردستان العراق سنجد بأنها حافلة بالعطاء والثقافة والأخلاق التي لم يصل إليها كبار العلماء في عصرنا الحديث من علم ومعرفة، ليس نقصاً في شهادة العلماء أو علمهم، وإنما للتأكيد بأن الأخلاق هي الشهادة الحقيقية للإنسان.

صَاحب العلم يمنح ما تعلمهُ وهو اختصاص ثابت لا يستطيع منح شيء غير الذي حَصل عليه، بينما المثقف قد يمنح كل شيء لأنه يعلم أن الحياة عطاء وقيمة الإنسان بما يمنح وليس بما يأخذ، ومن يملك الصفتان يمنح الآخرين الحياة، من وضع القوانين مستخرجاً بنودها من العلم كان إنساناً، والأمر واضح لا بد أن تكون الإنسانية، فوق العلم والقانون.