إستقالة النواب من مجلس النواب العراقي ـ دراسة قانونية، تحليلة، موضوعية ـ (الكتلة الصدرية نموذجا)

Kurd24

إلى: تحالف إنقاذ وطن:

ـ  دولة الرئيس السيد مسعود بارزاني الموقر.

ـ دولة الرئيس السيد محمد الحلبوسي الموقر.

ـ الزعيم سماحة السيد مقتدى الصدر الموقر.

تمهيد:

فور إعلان نواب التيار الصدري عن تقديم إستقالاتهم في 12/6/2022 الى رئيس مجلس النواب عن طريق رئيس الكتلة الصدرية، بناء على طلب من سماحة السيد مقتدى الصدر : ((على رئيس الكتلة الصدرية حسن العذاري ان يقدم استقالات الأخوات والإخوة في الكتلة الصدرية الى رئيس مجلس النواب))، وبين سماحة السيد مقتدى الصدر، أن الغاية من هذه الخطوة: هي بمثابة التضحية منه ومن التيار من أجل الشعب والوطن لتخليصهم من المصير المجهول، كما ضحينا سابقا من أجل تحرير العراق وسيادته وأمنه ووحدته وإستقراره، كما وشكر السيد الصدر حلفائه في تحالف إنقاذ وطن، وقائلا لهم: أنتم في حلِ مني.

علما جاءت هذه الخطوة من زعيم التيار الصدري نتيجة الانسداد الحاصل في العملية السياسية بعد إنتخابات 10/10/2021، بسبب تمسك الأطراف والكتل السياسية وخاصة الإنقاذ والإطار بمواقفهما الثابتة تجاه موضوع تشكيل الحكومة القادمة وشكلها ـ بين التوافقية والأغلبية الوطنية ـ وأولويات برامجها.

في هذه الدراسة الدستورية ـ القانونية، المعنونة : إستقالة النواب من مجلس النواب العراقي ـ دراسة قانونية، تحليلة ـ (الكتلة الصدرية نموذجا) سنتطرق فيها الى موضوع مفهوم الإستقالة، وإستقالة الأعضاء من مجلس النواب في كل من: الدستور العراقي النافذ لسنة 2005، والنظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2007، وقانون إستبدال أعضاء مجلس النواب لسنة 2007، وقانون مجلس النواب وتشكيلاته، لسنة 2018، وقانون إنتخابات مجلس النواب، لسنة 2020، وسنختمها بأهم النتائج والتوصيات.

أولا: مفهوم الإستقالة:

الإستقالة في الفقه القانوني: هي إفصاح الموظف عن نيته في ترك خدمة المرفق العام، بمبادرته أختياره وإرادته التامة دون إكراه، وبطلب مكتوب الى الجهات المعنية في الإدارة [مبادىء وأحكام القانون الإداري: ص372، القانون الإداري: ص134]، وقد يتم تقديم الإستقالة من خلال إتخاذ موقف من قبل الموظف، كعدم الإلتحاق والمباشرة بوظيفته أو الإنقطاع عن الدوام ـ غيابات بدون عذر مشروع ـ لمدة زمنية حددها القانون، وفي حالة تجاوز هذه المدة أعتبرها المشرع في حكم الإستقالة [القانون الإداري، د.ماجد راغب الحلو: ص363].

علما: المشرع العراقي: أعطى الحق للموظف ـ والعمال ـ في تقديم إستقالته من وظيفته بطلب تحريري يقدمه الى مرجعه المختصة [المادة (35) من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل].

أما الإستقالة الجماعية : هي إتفاق بين عدد من الموظفين في تقديم إستقالاتهم ورغبتهم في ترك وظائفهم دفعة واحدة بقصد التأثير على الحكومة ـ أو الجهة المعنية ـ [القانون الإداري المصري والمقارن من الوجهة التطبيقة والجزائية: ص196].

ومن الجدير بالذكر: التشريعات الوطنية الخاصة بالموظفين والعمال والمكلفين بالخدمات العامة، لم تتطرق الى مثل هذه الإستقالات، بل نظرة إليها نظرة شك وإتهام وعرقلة سير العمل، ومنهم المشرع العراقي، حيث أشار في المادة (364) من قانون العقوبات العراقي، رقم (111) لسنة 1969 المعدل:

1.يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتین وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار أو باحدى هاتين العقوبتین كل موظف أو مكلف بخدمة عامة ترك عمله ولو بصورة الاستقالة أو امتنع عمدا عن واجب من واجبات وظیفته أو عمله متى كان من شأن الترك أو الامتناع ان يجعل حیاة الناس أو صحتهم أو امنهم في خطر أو كان من شأن ذلك ان يحدث اضطرابا أو فتنة بین الناس أو اذا عطل مرفقا عاما.

2.ويعتبر ظرفا مشددا اذا وقع الفعل من ثلاثة اشخاص أو اكثر وكانوا متفقین على ذلك أو مبتغین منه تحقیق غرض مشترك.

ملاحظة هامة: من هذه المادة الجزائية يتبين بإن ترك العمل ـ خدمة المرفق العام ـ من قبل جماعة من الموظفين متفقين على ذلك، يعتبر ظرفا مشددا في إيقاع العقوبة عليهم، وفي هذا المقام، نقول: ألا يدخل إستقالات نواب الكتلة الصدرية الجماعية تحت هذا البند، ويدخل ضمن الأمور التي تجعل حیاة الناس وأمنهم للخطر، أو تصبح سببا في إحداث اضطرابات وفتن بین الناس، وعلى مستوى الوطن والدولة أجمع!!!.

ثانيا: إستقالة النواب في الدستور العراقي:

يتناول الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 "السلطة التشريعية" بين مواده: (48 ـ 64)، وبعد قراءة هذه المواد، يتبين بأن الدستور: لم يشير الى موضوع إستقالات النواب وكيفية الموافقة عليها، وترك هذا الأمر الى قانون يَسنٌه مجلس النواب يعالج حالات إستبدال أعضائه عند الإستقالة أو الإقالة أو الوفاة [المادة: 49/خامسا]، وفي المادة (51) منه، نص: ((يضع مجلس النواب نظاما داخليا له لتنظيم سير العمل فيه)).

كما وأعطى الدستور صلاحية البت في صحة عضوية أعضائه في مجلس النواب بشرط أغلبية ثلثي أعضائه، مع الإحتفاظ بالطعن في قرار المجلس أمام المحكمة الإتحادية العليا [المادة: 52/أولا وثانيا].

وأشار المادة (61) من الدستور الى إختصاصات مجلس النواب العراقي، ولم يأتي من بينها موافقته على أستقالة نوابه، وفي المادة (63/ثانيا) أشار الى الحصانة التي يتمتع بها عضو مجلس النواب أمام القضاء، بسبب أقواله وآراءه أثناء دورة أنعقاد المجلس، ولا يجوز القبض عليه خلال الفصل التشريعي إلا في حالة التلبس بالجرم المشهود في جناية، وفي حالة كونه متهما بجناية غير مشهودة يجب أخذ موافقة المجلس بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه، أما في حالة إتهام النائب بجناية غير مشهودة خارج الفصل التشريعي، فهنا يجب أخذ موافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه.

والباحث يشير الى هذه المواد الدستورية، ليقول: (قياسا على موضوع رفع الحصانة مع الفارق): في حالة تقديم النواب إستقالاتهم الى رئيس مجلس النواب أثناء الفصل التشريعي، فيجب هنا أخذ موافقة المجلس بالأغلبية المطلقة، أما في حالة تقديمها خارج الفصل التشريعي، فيحتاج ـ فقط ـ الى موافقة رئيس مجلس النواب.

علما الدستور أشار الى إستقالة رئيس الجمهورية في المادة (75) منه، حيث قال: ((لرئيس الجمهورية تقديم إستقالته تحريريا الى رئيس مجلس النواب، وتعد نافذة بعد مضي سبعة أيام من تأريخ إيداعها لدى مجلس النواب)).

 

ثالثا: الإستقالات في الأنظمة والقوانين النافذة :

تخضع إستقالات نواب مجلس النواب العراقي الى كل من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2007، ومجموعة من القوانين، منها: قانون إستبدال إعضاء مجلس النواب، لسنة 2007، وقانون مجلس النواب وتشكيلاته، لسنة 2018، وقانون إنتخابات مجلس النواب، لسنة 2020.

1.     إستقالة النائب وفق النظام الداخلي:

يتألف النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي لسنة 2007 من (152) مادة، ويرجع سند تشريعه الى المادة (51) من الدستور النافذ، وعند دراسته والإطلاع على مواده، نجد بأنه تتطرق في المادة (12) منه، الى موضوع: إستقالة أو إقالة أو خلو في منصب رئيس المجلس أو أحد أعضاء هيأة الرئاسة، لكنه لم يذكر ولم يشير الى موضوع إستقالة أعضاء مجلس النواب في هذه المادة، وإليكم التفصيل:

أ‌.في موضوع الإستقالة، نصت: ((عند تقديم أحد أعضاء هيأة الرئاسة الاستقالة من منصبه تقبل بعد موافقة المجلس بأغلبية عدد أعضائه الحاضرين))[الفقرة أولا من المادة 12].

من هذه الفقرة يتبين بأن إستقالة أعضاء هيأة رئاسة مجلس النواب مشروطة بموافقة الأغلبية البسيطة من أعضاء المجلس، بعبارة أخرى: الإستقالة لا تدخل حيز التنفيذ إلا بعد عقد جلسة خاصة لمجلس النواب لمناقشة هذا الأمر، وطرحه للتصويت، بعد إكمال النصاب وحضور (165 نائب) وفق المادة (59/أولا) من الدستور.

وفي هذا المقام، هناك سؤال يطرح نفسه: هل من المنطقي أن يحتاج إستقالة إحد أعضاء هيأة رئاسة مجلس النواب من منصبه ـ وليس من المجلس ـ الى جلسة ونصاب وتصويت، وإستقالة (73) نائب من نواب مجلس النواب فقط تحتاج الى توقيع وموافقة رئيس مجلس النواب، وإن كان التوقيع والموافقة خارج حرم مجلس النواب، مالكم كبف تحكمون؟!!!.

ومن الجدير بالذكر، يحق: ((لعضو هيئة الرئاسة المقبولة استقالته الإحتفاظ بعضويته بمجلس النواب في حالة عدم رغبته في التقاعد)) [المادة 1/رابعا، من قانون إستبدال الأعضاء، رقم (49) لسنة 2007].

بعبارة أخرى: بعد الموافقة على إستقالة عضو هيئة الرئاسة من قبل المجلس يستطيع عضو العضو المستقيل الذهاب الى التقاعد بإمتيازات رئاسية، أو البقاء داخل المجلس والإحتفاظ بعضويته.

ب‌.في موضوع الإقالة: ((لمجلس النواب إقالة إي عضو من هيأة رئاسته وفق القانون))، وتم معالجة هذا الأمر في المادة (1/ثانيا) من قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب العراقي، رقم (49) لسنة 2007[المنشور في الوقائع العراقية، العدد، 4049]، حيث نصت: ((لمجلس النواب إقالة اعضاء هيئة الرئاسة من منصبه بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس بطلب مسبب من ثلث اعضاء المجلس)).

ملاحظة: أشترطت هذه المادة شرطين لإقالة أحد أعضاء هيئة رئاسة مجلس النواب، وهما: موافقة المجلس بالأغلبية المطلقة، وأن يكون بطلب من ثلث أعضائه (أي: 110 نائب) وفيه الأسباب المقنعة لمثل هذا الطلب.

علما: قانون إستبدال الأعضاء رقم (49) لسنة 2007، هو في الأصل تعديل لقانون إستبدال الأعضاء رقم (6) لسنة 2006 [المنشور في الوقائع العراقية، العدد، 4024].

ومن الجدير بالإشارة: أن قانون مجلس النواب وتشكلاته رقم (13) لسنة 2018، لم يتطرق من بين مواده الى موضوع إقالة رئيس مجلس النواب أو أحد نوابه، إلا أنه تطرق الى كيفية إقالة أعضاء المجلس وربطها بموافقة المجلس، حيث نصت المادة (12/ثامنا):

أ‌.تجاوز غياباته بدون عذر مشروع لاكثر من ثلث جلسات المجلس من مجموع جلسات الفصل التشريعي الواحد

ب‌.الإخلال الجسيم بقواعد السلوك النيابي للمجلس ويعدُّ تحقير المجلس أو الاعتداء على الرئيس او احد نائبيه او احد النواب اخلالاً جسيما لاغراض تنفيذ هذا البند.

وكذلك أشار في الفقرة (11) من المادة (27) الى كيفية إقالة المحافظ من منصبه، بناءً على إقتراح رئيس مجلس الوزراء، إستنادا على تهم وأسباب مبينة ثابتة (كعدم النزاهة أو إستغلال المنصب الوظيفي أو هدر المال العام أو فقدان شروط العضوية الواردة في قانون مجلس المحافظات رقم (21) لسنة 2008 أو الإهمال والتقصير المتعمدين في أداء الواجب والمسؤولية)، وبموافقة المجلس بالأغلبية المطلقة، كما وتتطرق الى موضوع طرح الثقة من الوزراء وسحبها وإعتباره مستقيلا، وإعفاء ومساءلة رئيس الجمهورية من منصبه.

وفي هذا المقام هناك سؤال يطرح نفسه: وهل منصب المحافظ أعلى شأنا من منصب العضوية في مجلس النواب العراقي، علما النائب بدرجة الوزير، أما المحافظ بدرجة وكيل وزير.

علما: أن قانون مجلس النواب العراقي رقم (50) لسنة 2007 ـ الملغاة بقانون رقم (13) لسنة 2018 ـ، والمعدل بقانون رقم (23) لسنة 2010[الوقائع العراقية، العدد، 4141]، لم يتطرقا الى موضوع إقالة النواب أو هيأة رئاسة المجلس.

ت‌.خلو المنصب: (( إذا خلا منصب رئيس المجلس أو أي من نائبيه لأي سبب كان ينتخب المجلس بالأغلبية المطلقة خلفاً له في أول جلسة يعقدها لسد الشاغر وفقاً لضوابط التوازنات السياسية بين الكتل)).

يتبين في هذه الفقرة من المادة (12) من النظام الداخلي لمجلس النواب، أن خلو منصب رئيس مجلس النواب أو أحد أعضاء هيأة الرئاسة، ولإي سبب ـ وفاة أو إستقالة أو إدانة قضائية أو عجز صحي أو إقالة ـ  يقوم المجلس بإنتخاب خلف له ـ بالأغلبية المطلقة ـ لسد هذا الشاغر، في أول جلسة له، بشرط المحافظة على مبدأ التوازن بين الكتل، بمعنى: إذا كان المقعد الخالي من الطائفة السنية، فيمتلىء مقعده بنائب سني، وهكذا بالنسبة للكورد والشيعة.

ومن الجدير بالإضافة: أن المادة (34) بفقراتها التسعة، من النظام الداخلي لمجلس النواب، تتحدث عن مهام رئيس مجلس النواب، ولم يشير الى أن من مهامه الموافقة على إستقالة النواب من مجلس النواب.

2.إستقالة النائب في قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب:

المادة (49/خامسا) من الدستور النافذ لسنة 2005، والمادة (31/ثانيا) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي لسنة 2007، توجبان على مجلس النواب، تشريع قانون: يعالج استبدال أعضائه في حالة الإستقالة أو الإقالة أو الوفاة أو فقدان العضوية لأي سبب آخر، وبناءً عليهما، تم تشريع قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب، رقم (49) لسنة 2007، الذي يتألف من مادتين قانونين فقط، المادة (1/أولا) تحدث عن الأسباب التي تؤدي الى إنتهاء  العضوية في مجلس النواب، وكالآتي:

1.تبؤ عضو المجلس منصبا في رئاسة الدولة او في مجلس الوزراء او اي منصب رسمي اخر.

2.فقدان احد شروط العضوية المنصوص عليها في الدستور وقانون الانتخابات.

3.استقالة العضو من المجلس في غير الحالة المنصوص عليها في الفقرة ثالثا من هذه المادة.

4.الوفاة.

5.صدور حكم قضائي بات بحقه بجناية وفقا لاحكام الدستور.

6. الاصابة بمرض عضال او عوق او عجز يمنعه من اداء مهامه في المجلس مشفوعا ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة على ان لا تتجاوز مجموع اجازته المرضية ( ثلاثة اشهر) خلال فصلين تشريعين متتاليين وفي حالة تجاوزه يحال على التقاعد وللمجلس الحق في استئناف قرارات اللجنة الطبية.

7.اقالة العضو لتجاوز غياباته بدون عذر مشروع لاكثر من ثلث جلسات المجلس من مجموع الفصل التشريعي الواحد.

أهم الملاحظات على هذه الفقرات القانونية:

ملاحظة (1): الذي يخص مساحة هذه الدراسة من هذه المادة، هي: الفقرة (3) منها، القائلة: ((استقالة العضو من المجلس في غير الحالة المنصوص عليها في الفقرة ثالثا من هذه المادة))، ولو راجعنا الى المادة (1/ثالثا)، سنجد بأنها، نصت: ((تسري الفقرة اولا من الأمر رقم ( 9 ) لسنة 2005 على عضو مجلس النواب واعضاء هيئة الرئاسة في حالة تقديم استقالته وقبولها من قبل المجلس بالاغلبية المطلقة على أن لا تقل فترة عضويته في مجلس النواب عن سنة واحدة)).

ولو راجعنا الأمر رقم (9) لسنة 2005، الذي تم إقراره من قبل مجلس الوزراء ـ حكومة السيد أياد علاوي ـ [المنشور في الوقائع العراقية، العدد، 3993]، إستنادا الى قانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية، لسنة 2004، نجد بأنه يتعلق بموضوع (رواتب وأجور العاملين في الدولة)، علما تم إلغاء الفقرة (أولا) من هذا الأمر، بموجب المادة (38) من قانون التقاعد الموحد، رقم (9) لسنة 2014.

ملاحظة (2): المادة (1/ثالثا)، من قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب لسنة 2007، نصت: ((تسري الفقرة اولا من الأمر رقم ( 9 ) لسنة 2005 على عضو مجلس النواب واعضاء هيئة الرئاسة في حالة تقديم استقالته وقبولها من قبل المجلس بالاغلبية المطلقة على أن لا تقل فترة عضويته في مجلس النواب عن سنة واحدة)).

من هذه المادة القانونية، نستنتج ونستنبط جملة من النقاط، كالآتي:

أ‌.إستقالة أعضاء مجلس النواب وأعضاء هيئة رئاسة المجلس، تحتاج الى موافقة المجلس وبالأغلبية المطلقة، بعبارة أخرى: ليس من صلاحية رئيس مجلس النواب الموافقة والتوقيع على إستقالة النواب، إلا بعد موافقة مجلس النواب عليها.

ب‌.لا يجوز تقديم الإستقالة من أحد النواب، إلا بعد مرور (سنة) على عضويته في مجلس النواب.

ت‌.في حالة تقديم أحد النواب إستقالته الى رئيس مجلس النواب، ولم تمضي بعد (سنة) على عضويته في المجلس، وتم الموافقة عليها من قبل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة، هنا النائب المستقيل لا يستحق الراتب التقاعدي، أما الإستقالة بعد مضي (سنة) على العضوية، فالنائب المستقيل يستحق الراتب التقاعدي.

بعبارة أخرى: في كلتا الحالتين يجب أخذ موافقة مجلس النواب على إستقالة النائب المستقيل، وخارج موافقة مجلس النواب، يعتبر كل أمر نيابي رئاسي باطلا ولا أثر له قانونا، لكونها خارج صلاحيات رئيس مجلس النواب.

وفي حالة قبول إستقالة النائب المستقيل وفق السياقات القانونية، يتم أستبدال إسمه، بإسم الخاسر الأعلى أصواتا في دائرته الإنتخابية، بعد أن يتم رفع اسم البديل من قبل المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات الى المحكمة الإتحادية العليا ـ لغرض المصادقة عليه ـ وبعد المصادقة، وأداء القسم في المجلس، يصبح نائبا في مجلس النواب.

ملاحظة (3): بما أن أعضاء مجلس النواب العراقي يخضعون لقانون التقاعد الموحد، رقم (9) لسنة 2014 المعدل، عليه يجب أن يخضعوا في موضوع الإستقالة الى قانون الخدمة المدنية، رقم (24) لسنة 1960 المعدل، الذي ينص في المادة (35) منه:

أ‌.للموظف أن يستقيل من وظيفته بطلب تحريري يقدمه الى مرجعه المختص.

ب‌.على المرجع أن يبت في الاستقالة خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً ويعتبر الموظف منفكاً بانتهائها الاّ إذا صدر أمر القبول قبل ذلك.

ت‌.إذا قدم الموظف استقالته وعين فيها موعداً للقبول فيجوز قبولها من تاريخ ذلك الموعد أو قبله .

إذن ووفق محتوى الفقرة (2) من هذه المادة، كان على رئيس مجلس النواب ـ على الأقل ـ التريث في قبول إستقالات نواب الكتلة الصدرية، وعدم الموافقة والتوقيع عليها بتلك السرعةـ قبل أن يرتد عليه بصره ـ وخاصة كان لديه زيارة رسمية الى المملكة الأردنية الهاشمية، وخاصة تم تقديم الطلبات بشكل جماعي وإتفاقي.

ومن الجدير بالذكر: وإستنادا على القوانين النافذة يحق للنائب المستقيل ـ كحال الموظف المستقيل ـ أن يتراجع عن إستقالته عن طريق طلب تحريري الى رئاسة المجلس ـ قبل البت فيها ـ ولا يمكن لرئاسة المجلس في هذه الحالة رفض طلبه في سحب إستقالته [وفق قرارات مجلس شورى الدولة المتعلقة بالموظفين].

3.إستقالة النائب في قانون مجلس النواب وتشكلاته:

المادة (12) بفقراتها الثمانية، من قانون مجلس النواب وتشكيلاته، رقم (13) لسنة 2018، تتحدث عن الأحوال التي تنتهي فيها العضوية في مجلس النواب، وكالآتي: ((الوفاة، والاستقالة، وثبوت فقدان احد شروط النيابة، وتبوء النائب منصبا في رئاسة الجمهورية او في مجلس الوزراء او اي منصب رسمي اخر، وصدور حكم قضائي بات بحقه عن جناية او جنحة، والاصابة بمرض عضال او عوق او عجز يمنعه من اداء مهامه في المجلس، والاعتراض المقدم على صحة النيابة، وموافقة المجلس على اقالة النائب .... )).

 ملاحظة حول هذه المادة:

الذي يخص مساحة هذه الدراسة، هي الفقرة (ثانيا : الإستقالة) من المادة (12) من القانون المذكور، التي تتحدث عن إنهاء العضوية من مجلس النواب عن طريق تقديم الإستقالة، لكن الملاحظة البارزة على هذه الفقرة، هي عدم ذكر كيفية قبول الإستقالة، أي: هل ستكون الموافقة من قبل رئيس المجلس فقط، أو من خلال موافقة المجلس بالأغلبية المطلقة، ولكون هذه الفقرة لم تحسم هذا الأمر، إذن علينا ـ هنا ـ أن نبحث عن ملء هذا الفراغ في القوانين النافذة الأخرى المتعلقة بهذا الشأن وفق مدرسة الإتجاه الموضوعي لتفسير النصوص، عليه فالقانون الذي يملء هذا الفراغ هو ما ورد في المادة (1/ثالثا) من قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب رقم (49) لسنة 2007، بعبارة أخرى: يجب موافقة مجلس النواب على إستقالة نواب الكتلة الصدرية أو أي نائب مستقيل، وبالأغلبية المطلقة.

4. إستقالة النائب في قانون إنتخابات مجلس النواب:

تتألف قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي، رقم (9) لسنة 2020، من (50) مادة قانوني، عدا الجداول الملحقة به، وبعد الإطلاع عليه وقراءته، سنجد عدم تطرقه الى موضوع (إستقالة النواب)، فقط أشار في المادة (46) على إستبدال النائب الفائز الذي لا يؤدي اليمين الدستورية، خلال مدة (30) يوما من تأريخ أول جلسة للمجلس، حيث نصت المادة (46): ((يلتزم المرشح الفائز بالانتخابات البرلمانية بتأدية اليمين الدستوري خلال مدة أقصاها شهر من تأريخ الجلسة الأولى ، وبخلافه يكون البديل عنه الحاصل على أعلى الأصوات من المرشحين الخاسرين من قائمته في دائرته الانتخابية ، وفي حالة عدم تأدية اليمين من الفائز المرشح فردياً يكون البديل عنه أعلى الخاسرين في دائرته الانتخابية)).

علما المحكمة الاتحادية العليا في قرارها المرقم (144/ اتحادية / 2021) في 14/11/2021، قررت بعدم دستورية بعض العبارات من المادة (46)، منها: عبارة: ((وبخلافه يكون البديل عنه الحاصل على أعلى الاصوات من المرشحين الخاسرين من قائمته في دائرته الانتخابية))، وعبارة : ((المرشح فردياً))، وذلك لمخالفتهما أحكام المواد (5و14و16و20) من الدستور النافذ لسنة 2005، وتبقى المادة بالشكل الآتي: ((يلتزم المرشح الفائز بالانتخابات البرلمانية بتأدية اليمين الدستوري خلال مدة اقصاها شهر من تاريخ الجلسة الاولى وفي حالة عدم تأدية اليمين من الفائز يكون البديل عنه أعلى الخاسرين في دائرته الانتخابية)).

رابعا: النتائج والتوصيات:

1.النتائج:

بعد الإنتهاء من كتابة هذه الدراسة، المعنونة، بــ: إستقالة النواب من مجلس النواب العراقي ـ دراسة قانونية، تحليلة ـ (الكتلة الصدرية نموذجا)، توصلنا الى مجموعة من النتائج، ومن أهمها:

1.الفقرة (ثانيا/الإستقالة) من المادة (12) من القانون مجلس النواب وتشكلاته، رقم (13) لسنة 2018: تتحدث عن إنهاء العضوية من مجلس النواب عن طريق تقديم الإستقالة، لكنها لا تبين كيفية قبول الإستقالة، أي: هل ستكون الموافقة من قبل رئيس المجلس فقط، أو من قبل هيئة الرئاسة، أو من خلال موافقة المجلس بالأغلبية المطلقة، ولكون هذه الفقرة لم تحسم هذا الأمر.

لذا علينا ـ هنا ـ أن نبحث عن ملء هذا الفراغ في القوانين النافذة الأخرى المتعلقة بهذا الشأن، وفق مدرسة الإتجاه الموضوعي لتفسير النصوص، عليه فالقانون الذي يملء هذا الفراغ هو ما ورد في المادة (1/ثالثا) من قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب رقم (49) لسنة 2007، بعبارة أخرى: يجب موافقة مجلس النواب على إستقالة نواب الكتلة الصدرية أو أي نائب مستقيل، وبالأغلبية المطلقة، وفي حالة قبول إستقالة النائب المستقيل وفق السياقات القانونية، يتم أستبدال إسمه، بإسم الخاسر الأعلى أصواتا في دائرته الإنتخابية.

2. وفق  المادة (1/ثالثا) ـ المذكور آنفا ـ من قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب، رقم (49) لسنة 2007، يجب:

أ‌.تقديم إستقالة أعضاء مجلس النواب وأعضاء هيئة رئاسة المجلس، تحتاج الى موافقة المجلس وبالأغلبية المطلقة، بعبارة أخرى: ليس من صلاحية رئيس مجلس النواب الموافقة والتوقيع على إستقالة النواب، إلا بعد موافقة مجلس النواب عليها.

ب‌.لا يجوز تقديم الإستقالة من أحد النواب، إلا بعد مرور (سنة) على عضويته في مجلس النواب.

ت‌.في حالة تقديم أحد النواب إستقالته الى رئيس مجلس النواب، ولم تمضي بعد (سنة) على عضويته في المجلس، وتم الموافقة عليها من قبل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة، هنا النائب المستقيل لا يستحق الراتب التقاعدي، أما الإستقالة بعد مضي (سنة) على العضوية، فالنائب المستقيل يستحق الراتب التقاعدي.

بعبارة أخرى: في كلتا الحالتين يجب أخذ موافقة مجلس النواب على إستقالة النائب المستقيل، وخارج موافقة مجلس النواب، يعتبر كل أمر نيابي رئاسي باطلا ولا أثر له قانونا، لكونها خارج صلاحيات رئيس مجلس النواب.

3. الإستقالات الجماعية غير جائزة قانونا، بل ينظر إليها نظرة : الشك والريبة والإتهام، لكونها تضر المرفق العام، وتجعل حياة الناس وأمنهم في خطر، وخاصة في حالة مثل إستقالات الكتلة الصدرية[ومجلس النواب من أهم المرافق العامة في الدولة].

4. الإستقالة يجب أن تكون برغبة وإرادة المستقيل، دون الإكراه عليه ـ ماديا ومعنويا ـ وبطلب مكتوب منه شخصيا، وحسب الحيثيات والشواهد يتبين بأن إستقالات نواب الكتلة الصدرية لم تأتي من إرادتهم المستقلة، بل جاء بناءً على طلب من السيد مقتدى الصدر، بعبارة أخرى: جاءت نتيجة إكراه معنوي ـ الذي لا يقل عن الإكراه المادي ـ من قبل زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، الذي بدوره قد يكون مكرها على هذه الخطوة سواء من الداخل أو من الخارج.

5.والدليل على عدم رغبة نواب الكتلة الصدرية بتقديم إستقالاتهم، هو عدم معرفتهم أصلا بموضوعها، فمثلا: النائب الأول لرئيس مجلس النواب السيد حاكم الزاملي ـ من الكتلة الصدرية ـ كان يهدد الدول الجوار تركيا وإيران في موضوع المياه، بإصدار قانون من مجلس النواب يجرم التجارة مع الدولتين في حالة إستمرارهم بقطع المياه عن العراق، وهذا التصريح دليل صريح بأن السيد الزاملي لم يكن يملك أية معلومات عن ملف الإستقالات، وإلا كيف لنائب رئيس المجلس يصرح بهذا التصريح الخطير وفي اليوم الثاني يقدم إستقالته!!!!.

6.النائب يمثل الشعب كله، إذن يجب تقديم إستقالته الى الشعب، والذي يمثل الشعب العراقي هو مجلس النواب، وليس رئيس مجلس النواب، وحتى تمرر الإستقالة وتصبح نافذة، يجب موافقة نصف الشعب عليها، بعبارة أخرى: يجب أن تحصل الإستقالة على الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب.

مما سبق نرجح ونقول:

أن موضوع إستقالة النواب من عضوية مجلس النواب العراقي، وخاصة الجماعية، يجب أن تعرض على مجلس النواب، لأخذ موافقته، وبالأغلبية المطلقة، وخاصة إذا كانت تقديمها جاءت نتيجة الإكراه، وعليه الأوامر النيابية التي صدرت من قبل مكتب رئيس مجلس النواب بغية الموافقة عليها تعتبر في حكم المعدوم.

2.التوصيات:

يجب رفع دعوى أمام المحكمة الإتحادية العليا ـ من جهات ذات علاقة ـ ومطالبتها بإلغاء الأوامر النيابية التي صدرت من مكتب رئيس مجلس النواب المتعلقة بالموافقة على إستقالات نواب الكتلة الصدرية، وذلك لسببين:

أ‌.عدم صلاحية رئيس مجلس النواب الموافقة على إستقالات النواب، إلا بعد عرضها على مجلس النواب وأخذ موافقته ويالأغلبية المطلقة.

ب‌.الإستقالات جاءت نتيجة إكراه وضغط معنوي، بعبارة أخرى: لم تأتي من قناعة النواب وإرادتهم الحقيقية، بل جاءت بطلب ـ أمر ـ من زعيم التياري الصدري، وهذا الشيء يخالف الدستور والقوانين النافذة، لأن النائب بعد أداء اليمين في مجلس النواب، يصبح ممثلا لكافة الشعب العراقي وليس لكتلة معينة، لكون النائب في الأصل وكيل منتخب ومخول من الشعب مباشرة، وليس من الأحزاب والطوائف والمكونات.

المصادر والمراجع:

1.      الدستور العراقي النافذ لسنة 2005.

2.      النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2007.

3.      قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب لسنة 2007.

4.      قانون مجلس النواب وتشكيلاته، لسنة 2018.

5.      قانون إنتخابات مجلس النواب، لسنة 2020.

6.      قانون مجلس النواب العراقي رقم (50) لسنة 2007 ـ الملغاة.

7.      قانون العقوبات العراقي، رقم (111) لسنة 1969 المعدل.

8.      الأمر رقم ( 9 ) لسنة 2005 ـ الملغاة.

9.      لقانون التقاعد الموحد، رقم (9) لسنة 2014 المعدل.

10.  قانون الخدمة المدنية، رقم (24) لسنة 1960 المعدل.

11.  قرار المحكمة الاتحادية العليا، المرقم (144/ اتحادية / 2021) الصادر في 14/11/2021.

12.  مبادىء وأحكام القانون الإداري، د.علي محمد بدير، ود.عصام عبدالوهاب البرزنجي، ود.مهدي ياسين السلامي، مجلة القانون، جامعة بغداد، 1993.

13.  القانون الإداري، د.ماهر صالح الجبوري، مطبعة التعليم العالي، الموصل، 1989.

14.  القانون الإداري، د.ماجد راغب الحلو، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1987.

15.  القانون الإداري المصري والمقارن من الوجهة التطبيقة والجزائية، د.أحمد عبدالقادر جمال، القاهرة، النهضة الحديثة، 1955.

ملاحظة: الآراء التي ترد ضمن قسم المقالات تمثل آراء الكتّاب ولا تعبر بالضرورة عن رأي كوردستان 24.