إقليم كوردستان... إقليم إتحادي دستوري

Kurd24

يعد اقليم كوردستان كيانا دستوريا ضمن دولة العراق الاتحادية، حيث تذكر المادة ١١٧ أولا (يقر هذا الدستور عند نفاذه اقليم كوردستان و سلطاته القائمة اقليما اتحادياً).

هذا الكيان ثمرة نضال الشعب الكوردي وتضحياته عبر مسيرة مقاومة طويلة وعسيرة ضد أنظمة الحكم الاستبدادية التي حكمت العراق لغاية سنة 2003 حيث أسقط النظام الديكتاتوري، هذا الكيان تولد بعد ثورتين عتيدتين هما ثورة ايلول الكبرى(1961-1975) وثورة أيار التقدمية (1976-1991) وتوجت هاتان الثورتان بانتفاضة آذار الشعبية ومن ثم الهجرة المليونية(1991) والتي أدت بالنهاية الى تحرير كردستان و إقامة المنطقة الآمنة بقرار أممي،  بعد ذلك و بنية زيادة الضغط على سلطة امر الواقع في الاقليم، قرر النظام الدكتاتوري انسحاب مؤسسات الحكومية و ترك المنطقة في فراغ اداري و حصار اقتصادي مزدوج، وعلى اثرها و لمعالجة الوضع ، وباقتراح من الرئيس مسعود بارزاني اقرت الجبهة الكوردستانية اجراء انتخابات ديمقراطية لانتخاب مجلس وطني كوردستاني، و شكلت القيادة السياسية للجبهة الكوردستانية لجنة خاصة في 23/12/1991 كانت مكونة من حقوقيين وممثلين عن الاحزاب السياسية الكوردستانية من اجل وضع مشروع قانون الانتخابات العامة وفعلا اعدت هذه اللجنة مشروع القانون في 28/4/1992 واقرت الجبهة الكوردستانية كقانون رقم(1) وقد ورد في القانون تخصيص خمسة مقاعد للمكون المسيحي، وجرت الانتخابات العامة النيابية في 19/5/1992 وعلى اثرها تم انتخاب اول برلمان لكوردستان العراق ومن ثم تشكل أول مجلس للوزراء في اقليم كوردستان وبذلك تم التدشين لتشكيل المؤسسات الرسمية وملء الفراغ الذي تولد عن انسحاب مؤسسات السلطة البعثية التابعة لبغداد انذاك.

في 4/10/1992 ومرة اخرى باقتراح من الرئيس مسعود بارزاني اعلن البرلمان الكوردستاني صيغة الفيدرالية  لهذا الاقليم وبذلك غدت جميع القوانين في اقليم كوردستان تشرع على أسس ومباديء الفيدرالية و مارست الحكومة سلطاتها و مهامها تبعا للنظام الفيدرالي، وتمت ادارة اقليم كوردستان على أساس كيان قومي فيدرالي ونجحت الى حد ما في توفير الواردات المالية لموظفي الاقليم وتقديم الخدمات.

بعد إسقاط النظام البعثي الديكتاتوري عام (2003) والشروع في بناء عراق جديد ديمقراطي اتحادي دستوري تم الاعتراف الرسمي باقليم كوردستان كواقع حال وتم تشريع الكثير من القوانين لذلك، وتهيأت الأرضية المناسبة لاقليم كوردستان للتنمية مع ضمان مشاركة المكونات الأخرى وعلى اثر ذلك تم تخصيص خمسة مقاعد للمكون التركماني ومعقد واحد للمكون الأرمني في برلمان الاقليم، وهكذا سارت العملية السياسية بحرية دون أية معوفات.

لقد نجح الاقليم في ادارة العملية الديمقراطية لنظام الحكم المدني فيه وتحقيق احتياجات مواطنيه وبخاصة ضمان الأمن والاستقرار.

لكن من المؤسف – بعد أن اصبح الاقليم واقعا تنمويا ومثالاً ناجحا في العراق- فان بعض القوى السياسية الكوردستانية قد ارتبطت ببعض القوى الطائفية والاقليمية و تسببت في خلق المزيد من المشاكل الداخلية  و فسحت المجال للسلطات الفدرالية و بعض الدول الاقليمية ان تمارس الضغوطات بانواعها من أجل تقويض سلطة الاقليم الفيدرالي، مما أدى إلى زيادة معاناة شعب الاقليم السياسية والاقتصادية والقانونية والامنية.

لقد مرت سنوات والحكومة الاتحادية في بغداد قطعت المستحقات المالية  عن الاقليم ، الدولة العراقية التي لم تزل بلا( قانون النفط و الغاز)  تضع العراقيل في هذا الخصوص للإقليم الذي اصدر القانون منذ ٢٠٠٧، والفصائل المسلحة و الدول الاقليمية تقوم بين الحين والآخر بتنفيذ هجمات ضد الاقليم، والان تقدم المحكمة الاتحادية العليا على اصدار قرار تلو القرار ضد اقليم كوردستان، علماً بأن هذا الشيء ليس من اختصاصات هذه المحكمة..!

تبعاً للمادة (93) من الدستور العراقي فان واجب المحكمة الاتحادية العليا هو مراقبة دستورية القوانين والنظم المعمولة بها وتفسير وتأويل النصوص الدستورية وحسم الخلافات على القضايا المتعلقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كوردستان والحكومات المحلية في المحافظات، و تنحصر علاقة المحكمة الاتحادية باقليم كوردستان ضمن الامور الانفة الذكر اما القرارات التي اصدرتها بخصوص القضايا الأخرى المتعلقة بالاقليم لا تصب ضمن اختصاصاتها وذلك لأنه لم تحدث أية خروقات للدستور من قبل حكومة اقليم كوردستان كذلك ان الحكومة الاتحادية لم ترفع أية دعوى قضائية ضد حكومة اقليم كوردستان للمحكمة الاتحادية العليا، أما الدعاوى التي اصدرت هذه المحكمة قراراتها بها فهي دعاوى الاطراف السياسية وكذلك بعض الاشخاص، وهذه الدعاوى اصلاً يتم حسمها على مستوى المحاكم في الاقليم والمحافظات .

المواد الدستورية (116-117-118-119-120-121) تقر بالاقليم وبمؤسساته الدستورية و يمنحه الحق في أن يكون له دستوره الخاص به و ممارسة صلاحياته التشريعية و التنفيذية و القضائية – وتبعاً لهذه المواد في الدستور العراقي فان قانون انتخابات برلمان اقليم كوردستان تندرج ضمن صلاحيات سلطات اقليم كوردستان وليس من حق أية محكمة التدخل في هذا الخصوص وتصدر القرارات بشأنه، كما أنه ليس من حق أية سلطة تصدر  قرارات نيابة عن الشعب.

ان حرمان المكونات الاجتماعية (المسيحي والتركماني والأرمني) في اقليم كوردستان من استحقاقاتهم في برلمان الاقليم يعد تجاوزاً على القانون والمباديء الدستورية التي تأسس عليها الدستور العراقي وكذلك خرق واضح لحقوق الانسان وهي بالضد من قانون اقليم كوردستان، ويعد تدخلا غير دستوري وتعدٍ صارخ وظلم واضح بحق كوردستان وشعبها، والأنكى من ذلك هي محاولات تلك الاطراف التي تلجأ الى مؤسسة غير منصفة و مشكوك في ولاءها وخارج الاقليم لحسم القضايا التي هي متعلقة حصراً بسلطات الاقليم، وهذا ما يؤدي الى خلخلة الأمن الداخلي ويصب في خدمة أعداء العراق بمكوناته.

ان قرارات انهاء شرعية برلمان كوردستان ومجالس المحافظات ومفوضية الانتخابات والغاء(الكوتا) للمكونات الاجتماعية هي قضايا قانونية وهي من صلاحيات برلمان كوردستان، ولا يجوز بأي حال من الأحوال وصول هذه القضايا الى المكحمة الاتحادية العليا في بغداد، كما أنه ليس لهم الحق الاستخفاف بالمؤسسات الشرعية في اقليم كوردستان. 

ان المشاكل المالية المفتعلة تحل بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان وضمن اطار الدستور بعد مباحثات وتفاهمات تؤدي الى سير الأعمال ولا يجوز أن تصل الى مستوى تقوم فيه الحكومة الاتحادية بفرض حصار اقتصادي و مالي على اقليم كوردستان و تؤدي الى الحاق الأذى والضرر بالمواطنين، ويتم تسجيل دعاوى ثانوية لدى المحكمة الاتحادية فتقوم الأخيرة باصدار قرارات بخصوصها، والأغرب من ذلك انه لم تسجل الحكومة الاتحادية في بغداد ولا حكومة اقليم كوردستان اية دعاوى في هذه المحكمة ضد بعضهما البعض حول هذه القضايا التي اصدرت المحكمة قراراتها بخصوصها!.

يفترض بالمحكمة الاتحادية العليا عدم تجاوز اختصاصاته المدونة في المادة ٩٣ من الدستور.

    فهذه القضايا لها أبعادها الوطنية والقومية والاجتماعية والسياسية، بل يحتاج الأمر الى جلوس الاطراف السياسية الكوردستانية لتتباحث وتتعامل معها وتتفاهم حولها من خلال موقف وطني وأن تسعى هذه الأطراف للحيلولة دون وصول القضايا الممكنة الحل للوصول الى أروقة أخرى، كما يقول المثل الكوردي ( العقدة التي يمكن أن تفك بالأيدي ليست في حاجة لفكها بالأسنان).

يجب أن يستوعب الجميع و خاصة الأطراف السياسية بأن اقليم كوردستان هو اقليم اتحادي دستوري ومعترف به دستوريا، وهذا الإقليم اليوم واقع تحت الضغوط والتهديدات المختلفة وانه من الواجب الوطني والقومي والاخلاقي والانساني أن يأخذ الجميع دوره في مواجهة هذه الضغوطات و التهديدات للحفاظ عليه وتطويره وتنميته.

إنَّ اقليم كوردستان الآمن المستقر ضمانة قصوى لعراقٍ آمن ومستقر وكذلك للمنطقة برمتها.