الخالد ملا مصطفى بارزاني.. فارس القلم والقضية وصاحب الكاريزما القيادية

Kurd24

يسجل التاريخ الحديث بأحرف مضيئة وعلى صدر صفحاته اسم الزعيم الكوردستاني الراحل الملا مصطفى بارزاني، بوصفه قائداً حظي باحترام وتقدير خصومه قبل أصدقائه، فهو يمتاز بصفات النبل والشجاعة والوضوح والثبات وقيم وخصال كثيرة من بينها عدم قتل الأسرى والمدنيين، وفي ملامحه كاريزما القائد الصلب الذي نال محبة الأشقاء الأكراد في مختلف أرجاء الدنيا.

وفي الذكرى الــ (45) لرحيل الأب الروحي للشعب الكوردي، تحضرني القمم الشاهقة من جبال إقليم كردستان الباسقة وهي تعانق السماوات، وأستذكر في سفوحها معاني الجلد والصبر لزعيم آمن بقضية شعبه، فقد زرت تلك الجبال قبل أعوام ورأيت فيها مجدا وعنفواناً واستذكرت معها قصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش حين قال: قلبي جمرة الكردي فوق جباله الزرقاء، ليس للكردي إلا الريح تسكنه ويسكنها، وتدمنه ويدمنها لينجو من صفات الأرض والأشياء.

ل

وأنا العربي الذي له أصدقاء في كردستان، ومنهم الدكتور هاوزين عمر والذي ارتبط معه بذات التخصص الأكاديمي في حقل الإعلام والسياسية، وكذلك الصديق الوفي والأصيل (هةوراز جنكياني) ، فأتذكر حين كنتُ أغني له: (لي صديق من كردستان، صوته في البال، كإشتعال النار في نيروز، فوق هامات الجبال)، وقد رأيت في جولتي بكردستان شعباً يحب الورد والقمح والسنابل لكنه يحب الجبال أكثر، ويتذكر كلما حلت ذكر المجد، سيرة الراحل الملا مصطفى البارزاني، وهو الزعيم الذي شكل حالة يصعب تكرارها لرجل أتقن الحرب كما أتقن السلام، فكان يحمل بندقية بيده، وفي الأخرى قلماً، واشتبك بالآراء والنقاشات والمفاوضات مع عشرات السياسين والمفكرين والزعماء في المنطقة والعالم طيلة حياته المليئة بالمنعطفات الخطيرة ومحاولات الاغتيال، إلا أن ذكائه وبصيرته ومشيئة الله بالأساس حالت دون ذلك، فبقي الملا مصطفى البارزاني صورة الزعيم الذي لا يعرف المستحيل.

لقد ارتبط الراحل بعلاقات احترام وثقة مع عدد من زعماء المنطقة العربية، وكان منهم مليكنا الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه، والذي نستذكر في إحدى رسائله مشاعر المودة للملا مصطفى البارزاني في آذار من العام 1972، وحملها مندوب الملك السيد مريود التل، ونقل أمنيات الملك بأن يأخذ الله بيد الزعيم في مساعيه النبيلة لخدمة أمتنا وديننا.

ء

واليوم يرتبط الأردن بعلاقات وطيدة مع إقليم كوردستان، وهناك رغبة مشتركة بتطوير العلاقة مع العراق الشقيق وإقليم كوردستان العزيز في كافة المجالات، وقد بدأت أولى بواكير هذا التعاون بالفعل عبر توقيع الأردن والعراق ومصر مشاريع استراتيجية مشتركة قبل عامين، كما وقعت جمعية رجال الأعمال الأردنيين مذكرة تفاهم نهاية العام 2022، لتأسيس مجلس أعمال مشترك مع اتحاد مستثمري كردستان العراق لتطوير التعاون التجاري والاستثماري بين الطرفين، بهدف تدعيم علاقات التعاون بين مجتمعي الأعمال من الطرفين وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري وتطوير العمل المشترك وبما يخدم ويوسع آفاق العلاقات الاقتصادية بينهما.

وبخصوص المواقف السياسية، فإن الأردن الذي يحترم ويقدر كافة مكونات الشعب العراقي الشقيق، بقي يرتبط بعلاقة وثيقة مع إقليم كردستان، وقد كانت المملكة الأردنية الهاشمية أول من افتتح قنصلية لها في كردستان العراق كما أن شركة طيران الملكية الأردنية كانت الأولى التي تُسير رحلات إلى مطار أربيل الدولي، كما كان الأردن شريكا في إسناد الإقليم ودعمه في الحرب على تنظيم داعش ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وكذلك كان هناك دور كبير للمستشفى الأردني في علاج الجرحى والمصابين في الإقليم، وهو موقف يمثل مبادئ الأردن الإنسانية الرافضة للإرهاب بكل أشكاله.

ؤ

إن الأردن الذي يؤمن بالتعددية نهجاً ومساراً، كان يعبر على لسان جلالة الملك عبد الله الثاني وفي أكثر من موقف أننا نقف على مسافة واحدة من جميع المكونات العراقية، ويؤكد حرصه على مستقبل العراق من منطلق العلاقات الأخوية والاستراتيجية التي تجمع البلدين، وأن يحقق العراقيون بكافة مكوناتهم تطلعاتهم نحو غد أفضل، ولهذا كله فقد كنا في الأردن نشعر بحجم المحبة الكبيرة التي يكنها الكرد لجلالة الملك وللشعب الأردني، وهذه المشاعر تبعث في نفوسنا على مواصلة مزيد من التعاون خدمة للأردن وللعراق الشقيق وإقليم كوردستان العزيز.

وتأخذ العلاقة اليوم تطوراً متزايداً إذ استقبل جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من مرة الرئيس مسعود بارزاني، وقبل أيام وتحديداً في مؤتمر ميونخ للأمن الذي عقد في ألمانيا في السابع عشر من شباط/فبراير الماضي، اجتمع جلالة الملك عبد الله الثاني مع رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني، وتباحثا بشأن علاقات الأردن مع العراق وإقليم كوردستان وآخر التطورات التي تشهدها المنطقة، وعبرا عن رغبتهما في تطوير العلاقات وتوسيع مجالات التعاون المشترك، كما نوقشت أوضاع العراق والأوضاع الداخلية لإقليم كوردستان وخطر الإرهاب في المنطقة، وقبلها في العام 2020، استقبل جلالة الملك عبدالله الثاني، رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني، حيث جرى بحث آفاق التعاون بين الأردن وإقليم كردستان، وسبل توسيعها في المجالات كافة، لا سيما الاقتصادية منها.

ؤ

في الختام وبالعودة إلى سيرة الراحل الكبير الملا مصطفى البارزاني، فإن الكرد لم يتعبوا كثيراً في إيجاد كاريزما مماثلة للملا مصطفى البارزاني، فكان الرئيس مسعود بارزاني يحمل إرث والده، ويحظى باحترام وتقدير كبيرين في المنطقة، وقد كان له دور بارز في الحرب على داعش وفي السعي لإيجاد من مساحات التوافق الوطني، وقد كان لي الشرف اللقاء به أثناء زيارة رسمية إلى أربيل العام 2021، وقد لمستُ مثل غيري من أعضاء الوفد الأردني كيف تنساب الحكمة على لسان الرئيس، محباً ومقدراً لمواقف جلالة الملك عبد الله الداعمة للعراق وللإقليم.

رحم الله الزعيم مصطفى البارزاني وحفظ أرض الإقليم وسائر أرض العراق الشقيق في أمن واستقرار ونعيم، مصانة مهابة، تحرسها عين الرحمن، وألف تحية من المحبة أهديها لكم من بلادي وأهلي في الأردن، أرض القيادة الهاشمية التي بقيت عنوان الحكمة في زمن الفوضى.