البارزاني الخالد.. قدر الامة الكوردية

Kurd24

البارزاني الخالد قدر الأمة الكوردية، هكذا يصف المفكر مسعود محمد وجود البارزاني في تاريخ الأمة الكوردية، فبعد مرور أكثر من قرن على ميلاد الزعيم وأكثر من أربعة عقود على رحيله، ما زال حاضرا بيننا بنهجه وإنجازاته والأحداث التاريخية في حركة التحرر القومي الكوردي التي ارتبطت بشخصه، وهنا أذكر مقولة للبارزاني الذي قاد الحركة التحررية الكوردية لعقود حيث قال إن الثورة والحرب ضد الحكومات لا يعني الحرب ضد شعوبها لأن الحكومات تذهب والشعوب باقية.

كان البارزاني مرتبطا بتأريخ شعبه وعائلته وورث عنهم ميراثا قوميا مميزا، رجُل رسّخَ حياتَهُ في سبيلِ حقوقِ شعبه، رجل ثار ضد الظُلم، رجل قادَ ثورة شعب مغلوب على أمره، لكن هذا الشعب لا يستسلم ولا يفقد الأمل، شعب جَعل من الجبل صديقاً وجرى مع مياه وديان تلك الجبال، تلك المياهُ التي لطالما جَرَت معها الحياة ولم ترفض الهاربين إليها، ذلك الرجلُ هو الجنرال ملا مصطفى البارزاني، وذلك الشعبُ المغلوبُ على أمره هو الشعبُ الكوردي.

مُلا مصطفى البارزاني ذلك الزعيم المحارب في سبيل حقوق شعبه وُلدَ في 14 مارس سنة 1903 ومرَّ بعدة مراحل مختلفة في حياته، فبعدما خرج من المشيخة يحمل اسمه المُلا تحول إلى ثائر ومن ثم إلى عسكري يحمل لقب الجنرال، أعتُقل والده وهو رضيع، ثم سجن سنةً كاملةً مع والدته وهو في الثالثة من عُمره في الموصل من قبل السلطات العثمانية آنذاك، نشأ في بيئة دينية ووطنية، ثم تربى على يَديّ أخيه الشيخ أحمد بارزاني، شارك أخاه الأكبر الشيخ أحمد بارزاني في قيادة الحركة الثورية الكوردية للمطالبة بالحقوق القومية للكورد، ولكن تم إخماد هذه الحركة من قبل السلطة الملكية في العراق والقوات البريطانية المحتلة، وتم قصف بارزان من قبَل الطائرات البريطانية و قُتِلَ أكثر من (1000) كوردي بين عسكري ومدني، وبعد ذلك هاجر البارزانيون وبينهم الشيخ أحمد بارزاني و ملا مصطفى بارزاني إلى تركيا ومن ثم أعادتهم تركيا إلى العراق ليتِم نفيهم من قبل الحكومة العراقية إلى جنوب العراق وبعد إلى مدينة السليمانية سنة (1935) لمدة عشر سنوات، وبعد هذه السنوات العَشر تسلّم الملا مصطفى القيادة من أخيه الشيخ أحمد ليُكمِل ما بدأ به أجداده من ثورات في سبيل القضية الكوردية، وخلال هذه الفترة نسّق البارزاني مع حزب هيوا الكوردي ليَهرُب من منفاه إلى كوردستان إيران سنة (1942) وبعدها عاد إلى قريته بارزان ليبدأ بالنضالِ من جديد.

بدأ النضالَ من جديد وعمل على تهيئة مرحلة جديدة في العلاقة بين الكورد والحكومة العراقية، تجمّعَ حولهُ ما يُقاربُ (5000) مقاتل والدعم الجماهيري والشعبي أيضا كان له دورٌ بارز في هذه المرحلة، سيطر الملا مصطفى البارزاني على منطقة بارزان وأطرافها واضطرت القوات العراقية إلى الانسحاب من هذه المناطق وأرسل إليهم البارزاني شروطه، تلك الشروطُ التي كانت بدايةً جديدة بين الكورد بقيادة الملا مصطفى بارزاني والحكومات العراقية المتعاقبة، وتحولت القضية الكورديةُ إلى مشروع قضية فيها شروط ومطالب للشعب الكوردي.

أرسلت الحكومة العراقية التي كان يترأسها نوري السعيد أحد وزرائها للتفاوض مع الكورد بقيادة البارزاني وتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين وصادقَ نوري السعيد على الاتفاق، لكن سرعان ما استقال نوري السعيد من منصبه كرئيس للحكومة العراقية وتراجع عن الاتفاق واعتبره الجانب الكورديُ مؤامرةً على ذلك الاتفاق المبرم بينهم وبدأت الحربُ من جديد بين الطرفين، خمسة آلاف مقاتل كان يقودهم الملا مصطفى البارزاني في وجه ثلاثين ألف جندي عراقي وعشرة آلاف من الشرطة العراقية مدعومين بسلاح الجو البريطاني بقيادة الميجور الجنرال رونتينغ.

توجه الكورد إلى مدينة مهاباد في كوردستان إيران حيث قام رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني القاضي محمد بإعلان جمهورية كوردستان في مهاباد في 22 يناير 1946، أصبح الملا مصطفى البارزاني رئيساً لأركان الجيش في جمهورية كوردستان، وبعد 11 شهراً من قيام جمهورية كوردستان انهارت الدولة وذلك بسبب انسحاب قوات الاتحاد السوفييتي من شمال إيران وتم إعدام الرئيس القاضي محمد في 31 مارس 1947، بعدها توجه البارزاني مع (500) من جنوده إلى الاتحاد السوفيتي مشياً على الأقدام وبقوا هناك قرابة 12 سنة.

في عام 1958 ومع إعلان الجمهورية العراقية دعى الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم البارزاني للعودة إلى العراق وبدأت مناقشات حول إعطاء الكورد بعض مطالبهم القومية، ولكن مطالب البارزاني والشعب الكوردي لم تتطابق مع ما كان في نية الرئيس عبد الكريم قاسم إعطاءه للكورد، فأدى ذلك إلى تجدد الصراع مرة أخرى حيث قام عبد الكريم قاسم بحملة عسكرية ضد الكورد سنة 1961، وبعد تولي الرئيس العراقي عبد السلام عارف الحكم اتفق مع عدد من القادة الكورد (سياسيين وعسكريين) وبضمنهم البارزاني على حل شامل للقضية الكوردية حيث أعلن اتفاق نيسان/أبريل عام 1964، إلا أن التيار القومي العربي تمكن من التسلل إلى السلطة ونسف كل ما أتفق عليه فاستمرت الدولة بإجراءاتها القمعية للشعب الكوردي، فتجدد النزاع المسلح بين الطرفين.

بعد 9 سنوات من الحرب بين الكُرد بقيادة البارزاني اضطرت الحكومة العراقية إلى الاتفاق مع البارزاني في اتفاقية الحكم الذاتي للكورد سنة 1970 والتي لم تدم طويلاً بسبب انقلاب قيادة حزب البعث على اتفاقية الحكم الذاتي سنة 1974 وتوقيعهم لاتفاقية مع شاه إيران تنازل بموجبها العراق عن شط العرب وعن المطالبة بالأحواز مقابل توقف إيران عن تقديم الدعم العسكري واللوجستي للثوار الكورد، اتفاقية الجزائر التي أبرمت بين إيران والعراق بمبادرة أمريكية جزائرية كان عرابها وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، كانت اتفاقية غدر وخيانة للكورد من قبل وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسينغر، غادر بعدها البارزاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث توفي هناك في 1 مارس سنة 1979، في مستشفى جورج واشنطن إثر مرض عضال.

استمر مسير القضية الكوردية ولم يتوقف بوفاة الملا مصطفى بارزاني، استلم نجله الرئيس مسعود بارزاني قيادة الثورات والحزب من بعده، فالكورد خُلقت اكتافهم لحمل البنادق فإما أحراراً فوق الأرض أو عظماء تحتها، سيبقون بلغتهم و أمتهم إلى الأبد، شبابُ الكورد على استعداد دائم للتضحية بأرواحهم في سبيل قضيتهم، الكورد وكما قال الرئيس مسعود بارزاني يختارون الموت ولن يركعوا لأحد، الكورد باقون، باقون، باقون، كرايتهم الخفاقة إلى الأبد.