طريق التنمية .. انتبهوا إنها فرصة تاريخية..!!

Kurd24

تعتبر مشاريع مثل مشروع طريق التنمية من المشاريع الإستراتيجية، التي تقدم فرص تاريخية للمجتمعات لتغيير واقعهم ومستقبلهم نحو التقدم والإزدهار. ولكن بما أن الحديث هنا يدور حول العراق وواقعه السياسي المعقد، فإذاً لابد من الإنتباه الدقيق. حيث تشهد الساحة السياسية العراقية تنامي مستمر لنفوذ التيارات التي لاتؤمن أصلاً ببناء الدولة، ناهيك عن بناء دولة المواطنة، بل وهم يسعون بإستمرار، وبآليات مختلفة، للحد من تقدم العراقيين وتطورهم، سواءً لمصالح فئوية أو لتطبيق أجندات خارجية. فقد أوضح التصميم المعلن لإنشاء طريق التنمية عن عدم مرور المسار الرئيسي عبر أراضي محافظات الإقليم، مع أنه من الناحية الإستثمارية والإستراتيجية سيكون أكثر نفعاً وتعزيزاً للوحدة الوطنية. ولذا، ثمة سؤال مهم من شقين يطرح نفسه، وهو: إلى أي مدى سيتأثر مستقبل إقليم كوردستان والعراق بهذا المشروع، وفيما إذا كانت تداعياته ستُستَغَل لتصب في مصلحة المواطن وتقود إلى تعزيز الوحدة الوطنية أو ستصبح أداةً تُقَوَضْ به تقدم وإزدهار الدولة العراقية الموحدة. والجواب على هذا السؤال سيكون بلا شك مرهوناً بالتصميم الذي سيُعتَمد للمسار الرئيسي، وفيما إذا كان ذلك سيتم إستناداً على الأسس الإستثمارية والإستراتيجية المبنية على المصلحة الوطنية، أو بناءً على تهميش مناطق معينة لمصالح سياسية فئوية أو تطبيقاً لأجندات خارجية.

وقد أعلن العراق عن مشروع طريق التنمية (القناة الجافة) بشكل رسمي في 27 أيار 2023 في بغداد، في مؤتمر سمي بمؤتمر طريق التنمية الإستراتيجي، وهو مشروع يتألف من طريق بري وآخر من سكك حديدية يصل طول كل منهما إلى حوالي 1200 كيلومتر. حيث من المفترض أن يمتد من أقصى جنوب العراق إلى أقصى شماله مروراً بعشر محافظات من ضمنها العاصمة العراقية بغداد. والهدف منه هو جعل العراق مركزاً إستراتيجياً للنقل في الشرق الأوسط، يربط دول المنطقة ببعضها ومن ثم إيصالهم بالقارة الأوربية مروراً بتركيا. وكما هو معروف، فإن للموقع الجغرافي، من حيثية جيوبوليتيكية، تأثير مباشر على الإقتصاد والسياسة، ويعتبر أحد المصادر الرئيسية التي تحدد به مستوى قوة الدولة، فإما يكون مصدر قوة للفاعل السياسي للتعبير عن الاتجاهات والمواقف السياسية الإقليمية والدولية أو العكس. وتحديد أهمية أي موقع جغرافي دولياً لا يتم فقط من خلال طبيعته ومناخه، وإنما أيضاً عن طريق مشاريع مختلفة تكون بمثابة حلقات وصل وممرات تربط مصالح إستراتيجية وإقتصادية لقوى سياسية إقليمية ودولية. ويُشَبِهْ الخبراء هذه الممرات بالأوردة والشرايين للمواقع الجغرافية التي تستمد منها قوتها، فهي تكون منافذ إلزامية ترتبط بها مصالح إستراتيجية دولية، ومنها قناة السويس وبنما، على سبيل المثال. ولذلك تسعى الدول المستفيدة، بشكل مباشر أو غير مباشر، وبكل قوة إلى الحفاظ على استقرار تلك المناطق وإن كان بهدف الحفاظ على مصالحها. ومن المتوقع أن يكون مشروع طريق التنمية في العراق إحدى هذه المشاريع، والذي سيربط الشرق بالغرب عند تحقيقه، وسيؤدي بذلك إلى خلق واقع جديد ليس فقط في الإقليم والعراق وإنما في المنطقة ككل؛ كما ومن المتوقع أن يقود الى تغيير الواقع السياسي والإقتصادي وموازين القوة فيها.

وكما هو معروف أيضاً، فإن إحدى المعضلات التي يعاني منها العراق وإقليم كوردستان خصوصاً، هي الجغرافيا السياسية وعدم إمتلاكهم منافذ بحرية كافية تربطهم بالعالم الخارجي، وتفتح لهم الآفاق نحو التكامل الإقتصادي وتخلق لهم أساساً ثابتاً للحفاظ على وجودهم واستقرارهم وتنميتهم. وسيكون هذا المشروع، الذي يسمى بطريق التنمية، عند إنجازه ممراً إلزامياً يربط العالم الشرقي بالغربي، ليرتبط به مصالح الكثير من الدول الإقليمية والعالمية ومنها الدول الأوروبية. ويشكل بذلك فرصة تاريخية للإقليم والعراق لربطهم بالعالم الخارجي وتمكنهم من تحقيق التنمية والنهضة المنشودة. حيث يرى الأخصائيون أنه سيكون بمثابة مشروع إصلاحي شامل للإقتصاد سيقود، ليس فقط، إلى بناء وإزدهار قطاع النقل بل إلى نمو وتقدم كل القطاعات، مثل الزراعة والسياحة والصناعة، مما سيؤدي بلا شك الى الإنتعاش في القطاع التجاري بشكل كبير وتوفير فرص العمل بأعداد كبيرة. وسيأخذ بذلك دور الحجر الأساس لإقتصاد مستدام يُغني العراق والإقليم عن الإعتماد فقط على النفط، ويقود إلى إقتصاد متكامل وتعزيز الوحدة الوطنية إذا ما بني على أسس صحيحة وشمل جميع المناطق بدون إستثناء وتهميش. غير أن التصميم المقترح لا يضم محافظات الإقليم. إذ برر مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون النقل، ناصر الأسدي، أن مرور المسار الرئيسي عبر محافظة دهوك سيكلف المشروع ملياري دولار إضافية، وستؤخره لمدة سنتين بسبب وعورة المنطقة. ولكن، ما لم يأخذه الأسدي والقائمون على بلورة التصميم بنظر الإعتبار هو أن المسار الرئيسي، إذا تم إنشائه حسب التصميم المعلن، سيكلف الخزينة العراقية خسارة مئاة الملايين من الدولارات سنوياً. بينما إذا مر المسار الرئيسي عبر محافظة دهوك سيكون أقصر من حيث المسافة وسيختصر بذلك الوقت ويوفر الجهد والموارد ويكون أقل تكلفة على المستوى اليومي لكل رحلة نقل، وأكثر ربحاً على المدى البعيد. بالإضافة إلى الخسارة، على الأقل، في القطاع الزراعي والسياحي، حيث تعتبر محافظة دهوك إحدى السلات الغذائية الرئيسية للدولة العراقية الإتحادية وعاصمتها السياحية.

وعليه، فإن مرور المسار الرئيسي لهذا الطريق عبر أراضي محافظة دهوك هي خطوة مصيرية وفرصة تاريخية للإقليم والعراق الاتحادي للحفاظ على وجودهم واستقرارهم وتحقيق التنمية المستدامة فيهم. لذلك ينبغي على كل الجهات المهتمة بالشأن العام والحكومية في الإقليم والعراق، وبصورة خاصة الحكومة المحلية في محافظة دهوك، أن يتحركوا بسرعة قصوى وجدية، وأن لا يأخذوا دور المتفرج. وعليهم أن يقوموا بالمبادرة في بلورة تصميم جديد مبني على دراسات إستراتيجية صحيحة، تأخذ بنظر الإعتبار مصلحة جميع العراقيين. ولإزالة المبرر المعلن لمن يقف وراء بلورة التصميم الحالي، الذي يُهَمش محافظات الإقليم ويريد زعزعة الوحدة الوطنية، لا بد أن يتضمن التصميم الجديد نقطة محورية تكمن في إيجاد البدائل لإختصار الوقت وتخفيض تكاليف الإنشاء في إنجاز المشروع، حتى وإن أخذ الإقليم ذلك على عاتقه في جلب شركات الإنشاء والمستثمرين من داخل وخارج الإقليم. ويمكن هنا الإستفادة من طريقة الإستثمار المعلنة كمحفز، وهي الإستثمار بالمشاركة. حيث سيشارك المستثمر في الأرباح ويحصل على نسبة منها.

هذا، ويبقى التساؤل فيما إذا سيكون هنالك حقاً سعي جدي لبلورة تصميم جديد، مبني على دراسات إستثمارية وإستراتيجية صحيحة، يصب في مصلحة جميع المواطنين ويقود إلى بناء دولة المواطنة، أو سَيُأخذ بدور المتفرج في تهميش محافظات الإقليم وزعزعة الوحدة الوطنية وعدم تحرك أي ساكن.