فائدة العراق الكبرى من استقلال كردستان

Kurd24

قبل عدة سنوات وضمن عدد كبير من مقالات غيري من الكُتّاب، كتبت مقالا عن فيدرالية الأقاليم التي رفضها سياسيو حكومة العراق الجديد. وتطرقنا حينها الى وجوب الرضا بالتقسيم الفيدرالي وبينّا عدداً من الدول في جميع القارات التي تُطبّق هذا النوع من الحكم وكيف أن تلك الدول وشعوبها ينعمون (ديمقراطياً) بخيرات بلادهم وأن دخل افرادها يغنيهم عن الحال الذي أفقر الفرد العراقي (حينها والآن أيضاً).

لكن ومع شديد الأسف لم تلق نداءاتنا ولا مقالاتنا آذان صاغية لا من الشعب العراقي ولا من حكومته، وإلاّ كان الحال غير الحال الان سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ولكان العمران والبنى في وسط وجنوب العراق والأمن والاستقرار الاقتصادي بل وحتى الوضع الصحي والاجتماعي قد وصل الى وضع أكثر تطوراً من الذي في الإقليم وخصوصاً أن الميزانية المخصصة لهم أكثر بكثير من ميزانية الإقليم المقطوعة.

وظن أغلبنا حين خرجت المظاهرات الشعبية الغاضبة في (2016) واخترقت حاجز الخوف حين اقتحمت المنطقة الخضراء وقاعة البرلمان العراقي، أن ثمة صحوة عراقية فعلية قد حصلت وسيؤدي ذلك الى استرجاع حقوق الشعب العراقي المسحوق من جميع النواحي، وأنه ثمة تغييرات جذرية سياسية ستحصل تعيد مجرى كل شيء أعوج الى وضعه الصحيح وبطريقة مدروسة ووفق مبدأ وضع ( السياسي المناسب في المكان المناسب ) وأن نتيجة ذلك ستنعكس على العلاقات المتوترة مع الإقليم ( بسبب المادة 140 وقانون النفط والغاز ورواتب البيشمركة وغيرها من الملفات التي كانت ولازالت شائكة بين الطرفين ) .. وأنه سيكون هناك حلول منصفة لنا نحن الكرد وللعراقيين أيضاً، ولكان أدى ذلك بالنتيجة الى القناعة بوجوب البقاء كردياً ضمن دولة العراق الاتحادي وبحسب قوانين الفيدرالية وتبعيتها للمركزية.

لكن وكما رأينا فيما بعد أن تلك المظاهرات النارية لم تكن تلك سوى ورقة من تحركات الأحزاب العراقية (ذات الطابع المذهبي) ضد بعضها البعض ، وأنه ليس للمطالبة بالحقوق وأبسط متطلبات الحياة العادية دخل فيها ، بل كان ذلك الفلم العراقي الساخن أحد أكبر الألعاب النارية ضياعاً لتلك الحقوق الجماهيرية وأصبحت المطالبة بتلك الحقوق في خبر كان ، وزاد الطين بلة ظهور حركات دينية متطورة شوفينياً وتطرفياً أكثر من ذي قبل بحيث انقسم أصحاب المذاهب الفردية الى مذاهب زوجية داخل المذهب الواحد ، وتبعها ظهور ميليشيات مسلحة تخطف وتقتل وتهدد. وأدى ذلك الوضع ايضاً الى انحراف الصراع العراقي سياسياً الى صراعات مضاعفة ومتداخلة فيما بينها، وانغمس شعب المظاهرات في بحر التناحر والتنافس الديني وانجرّ خلفه ونسي ما كان قد خرج لأجله واعتصم في جمعاته طيلة شهور. والدليل على استنتاجنا لكل ذلك هو انه وبعد انطفاء كل شيئ ، عادت الحياة الطبيعية لقاعة البرلمان وأعيد بناؤه أجمل مما كان وعاد أبناء الشعب العراقي الى بيوتهم خائبين غير محققين ولا ربع حق واحد من حقوقهم (المائية والكهربائية والرواتبية والمعيشية كافة) وتوقفت جمعات الاحتراق الشعبي عن المطالبة بأي شيئ آخر ولغاية يومنا هذا.

كل ذلك (من ضمن عشرات الأسباب الأخرى المماثلة والمغايرة لهذا السبب) حدا بحكومة الإقليم بالتفكير جدياً بقرار الانفصال عراقياً والاستقلال كردياً عن حكومة دولة العراق التي رفضت حلول الفيدراليات ورفضت إعطاء الحقوق للشعب ورفضت الاعتراف بحق تقرير المصير لشعبها ككل وللشعب الكردستاني كجزء ، بل ورفضت صبر الإقليم على كل ذلك الغبن.

وكان يجب على الحكومة العراقية أن تمتلك بعد نظر مستقبلي وترضى بالحكم الفدرالي وتريح الشعب المنكوب الذي ما ان يخرج من كارثة (أمنية واقتصادية وسياسية) حتى يدخل في دوامة كارثة أخرى أكبر منها منذ ذلك الحين ولحد اليوم. وبدلاً من ذلك فعلت حكومة العراق ما هو أفضع من رفض الحكم الفيدرالي (مع أنه حق مكفول دستورياً). ويمكن تحديد ذلك خلال فترات ولاية المالكي. بدأ التدهور بين علاقات الإقليم وحكومة العراق يطفو للسطح السياسي وانعكس ذلك على الوضع الاقتصادي والاجتماعي ايضاً . حين أطلق المالكي حملات إعلامية مغرضة وعلنية ضد شعب الإقليم المسالم الآمن وضد حكومته وضد شخص رئيس الإقليم بالذات ، وفيما بعد أكمل إعلام المالكي مسيرته الترويجية للضلال العراقي بعمليات تشويه واقع ضد الإقليم الكردستاني برمته . حيث ربط دولة الامة الكردية بدولة إسرائيل شكلياً ككيانات ، ناسياً أو متناسياً انه إقليم كردستان كان آخر من تواصل مع دولة إسرائيل من بعد دول عربية ودول إسلامية عديدة ومن ضمنها دولة فلسطين نفسها التي أعادت النظر في مستوى وطريقة التعامل مع الاعتراف بهذا الواقع السياسي الجديد لضمان وقف سفك الدم الإنساني وبدء مرحلة بناء سلام دولي على الأرض.

ولا أدري بعد كل ما جرى ويجري ما الذي ننتظره نحن الكرد من البقاء ضمن اطار الدولة الواحدة مع العراق؟

هل ان حكومة العراق وفرت أبسط متطلبات الحياة لشعبها العراقي كي توزع ما تبقى منه على الكرد ؟

هل أن حكومة العراق شهدتْ منذ تنصيبها ولغاية اليوم تغييرات سنوية تدريجية في مستوى التعامل مع قضايا العراق المستديمة وأوجدت لها الحلول النهائية وأغلقت الملفات المستعصية بين الطرف الكردي والعربي والسني والشيعي ( باعتبارها هي المركز ونحن الفرع والجزء)؟

هل أن حكومة العراق مارست دورها كحكومة ديمقراطية تحارب الفساد الداخلي فيها ادارياً ويحيد فيها القضاء وينفصل كلياً تنفيذياً وتشريعياً؟

هناك عشرات التساؤلات غير هذه تدعونا للمضي قدماً في الاستفتاء الكردي على الانفصال، وتدعو الشعب العراقي للتفكير جدياً وبصورة نهائية بوجوب دفع الكفاءات العراقية المظلومة والمستبعدة عن الساحة السياسية لتمارس دورها الإيجابي في خلق حكومة جديدة يمكنها أن تنقذ الوضع السياسي مستقبلاً من كوارث وحروب الله يعلم الى أين ستقود والى ماذا ستنتهي . وأنه على شعب العراق أن يحدد مصيره ويقرر فعله كما فعل شعب كردستان إزاء هذا الظلم المستديم الواقع عليه منذ عقود الحكومة العراقية الجديدة وقبلها عقود طغيان البعث الفاسد، وأن يعيدوا النظر بطريقة التعامل مع إهمال حكومة العراق لأهم ملف وهو ملف (التعامل الديمقراطي) الذي أهمله الشعب أكثر مما أهملته حكومة العراق ، والاّ لشهدنا عودة أكبر الكفاءات العراقية ريادة وعلماً من دول المهجر للممارسة دورها المنوط بها والذي ينتظرها داخل العراق ، وأوصلت أوضاع العراق عامة الى مستوى عالمي ينافس أكبر الدول الغربية تطوراً..

إن أكبر فائدة سوف يحصل عليها العراقيون من استقلال إقليم كردستان هو الإفادة من تجربته كشعب يعشق السلم ويعشق الحرب أيضاً لتحقيق ذلك السلم (دفاعاً عنه) لا تهجماً على غيره.

 والتعّلم من واقع الاقليم المرئي بأن لا حق شعبي جماهيري يضيع لو كان وراءه مطالب جدّي لا تغرّه الكرسي ولا المناصب، وأن نتيجة الإصرار الفعلي على نيل ذلك الحق هي ما سنراه في المستقبل القريب بعد نجاح الاستفتاء بإذن الله تعال.

بعد شهرين من الآن، سنرفع لافتات كبيرة للإخوة العراقيين والعرب امام كل نقطة تفتيش تقول : أهلا وسهلا بكم في دولة كردستان الآمنة.

 

ملاحظة: هذه المقالة لم تخضع للتدقيق اللغوي وهي تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.