الفيدرالية التي يخشاها بعض السوريين

Kurd24

الفيدرالية التي يخشاها بعض السوريين تعتبر من أهم وأفضل الأنظمة التي يمكن أن تُخرج السوريين من الصراع المستمر منذ أكثر من تسع سنوات.

الفيدرالية في المفهوم القانوني اتحاد طوعي بين أقاليم يجمعها المصير المشترك، أي التعايش المشترك بين شعوب وطوائف وأقليات أو بين الشعب الواحد في أقاليم متعددة كما الحال هو في المانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهو اتحاد اختياري بين هذه الشعوب في الحق في تقرير مصيرها، كما هو منصوص عليه في العهود والمواثيق الدولية وميثاق الأمم المتحدة.

الفيدرالية فكرة قديمة وحدت أمريكا الدولة العظمى اليوم وهي نظام قائم فيها منذ 1787.

الدولة الفيدرالية أو الاتحادية هي دولة تتضمن كيانات دستورية متعددة لكن نظامها القانوني يتمتع بالخصوصية والاستقلال الذاتي وتخضع هذه الكيانات للدستور الفيدرالي الاتحادي باعتباره الناظم للعلاقة بين الكيانات المتحدة (السياسية والقانونية).

ونلاحظ أن أمريكا تستمد قوتها من نظامها الفيدرالي ودستور قوي بقواعده الناظمة للعلاقة بين الكيانات المكونة لها ومن احترامها لدستورها، كما أن الفيدرالية نظام ديمقراطي تعددي برلماني، فهو التعايش الاختياري القائم على أسس واضحة من المساواة في الحقوق والواجبات، وهو نظام ضامن إذ يجمع بين المساواة في الحقوق بين الأفراد في الدولة من جهة ومن جهة أخرى يضمن الاستقلال الذاتي بين الأقاليم بما يخدم المكونات التي تسكنها مع الحفاظ على الخصوصية لكل شعب في كل إقليم.

قبل طرح الفيدرالية لسوريا المستقبل نتذكر أن سوريا هي احدى مخلفات انهيار الإمبراطورية العثمانية، والتي انتجت الخريطة السياسية الحالية للشرق الأوسط التي كانت نتيجة لاتفاقية سرية بين البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو في شهر مايو لعام 1916 والتي كانت سوريا الحالية بخريطتها الحالية جزء منها.

نتيجة اتحاد بين الولايات العثمانية [حلب ـ دمشق ـ العلوية ـ الدروز] إضافة الى لبنان، أنتجت الاتفاقية خللاً و مشكلات أيديولوجية عميقة، ضاربة بعرض الحائط التركيبة الحقيقة لسكان المنطقة [الطائفية والعشائرية والثقافية المتشابكة بين الدول الأربع الوليدة [ تركيا وسوريا والعراق وايران] مغفلين حق تقرير المصير لشعوب المنطقة فكان الخلل الذي سبب مشاكل مستدامة وأنتجت كوارث ومجازر طالت أجيالا كاملة ودمرت البنية الاجتماعية في المنطقة نتيجة غصب الشعوب على العيش المشترك ضمن حدود جغرافية مرسومة لا تكترث لحقيقة الاختلاف في الثقافات واللغات بين شعوب المنطقة.

عند إقرار الانتداب الفرنسي في عام 1919 على سوريا الكبرى، أحس الفرنسيون بان المنطقة لن تستقر ولن تكون في وحدة إجبارية في ظل هذه الاختلافات، فأعلنوا تقسيم سوريا على أسس طائفية الى ست دويلات مستقلة لكل منها علم ونظام خاص بها وبحدود خاصة بها وهي [دولة دمشق ودولة حلب والدولة العلوية ودولة لبنان الكبير ولحقهم دولة جبل الدروز ولواء الإسكندرونة المستقل بعد ذلك بعام] تم إغفال الكرد مرة أخرى لأسباب عديدة ولكن كان للكرد شأن عظيم في سوريا فقد حكموا سوريا الى جانب المكونات الأخرى في دولة سوريا آن ذاك.

لا يختلف السوريون اليوم أن سوريا هي مجموعة ناتجة عن اتحاد عدة شعوب، ولكن السؤال العريض الذي يُطرح هو: هل من الممكن إعادة إنتاج دولة بنيت على خطأ وتكرار نفس الخطأ في إجبار هذه المكونات على العيش مع بعضها ضمن حدود واحدة وبدولة مركزية ودستور لا يقبل تعدد اللغات والثقافات ورئيس غير مسلم، وبالتالي إعادة الحال الى ما قبل عام ٢٠١١ وبالتالي العودة الى عدم الاستقرار وإنشاء أجيال مشوهة ثقافياً وسياسياً؟

إننا أمام تحديد مستقبل خطير للأجيال القادمة في ظل اللجنة الدستورية التي تحاول كتابة دستور لسوريا المستقبل بعد سيل من دماء السوريين.

لهذه الأسباب وغيرها لا يمكن إنتاج دولة بنظام مركزي في سوريا تتحكم بها فئة معينة، وفي ظل هذه الاختلافات بين الشعوب التي تسكن في الحدود السياسية الحالية لسوريا، لا يمكن الجمع بينها في دولة مركزية دون نظام فيدرالي يناسب الجميع.

 من المهم أن نذكر أن الخارطة الدولية في تغير مستمر وتُظهر الحالة اليوغسلافية ولادة دولة جديدة باسم كوسوفو على الخريطة الدولية الحالية فقد كانت كوسوفو منطقة حكم ذاتي ضمن صربيا حتى 17 فبراير 2008 ووصل عدد الدول المعترفة باستقلالها الى 100 دولة، ومؤخراً ولادة دولة جنوب السودان، وبعد غزو العراق للكويت تغير نظام دولة العراق الى العراق الفيدرالي وحصل الكرد على خصوصية وحكومة معترفة دولياً بعد نضال استمر لعقود ودفع الكرد فاتورة باهظة الثمن.

 يتطلع الكرد في سوريا الى حقوقهم القومية منذ عام 1957 في سوريا السياسية واليوم يطالبون بنظام فيدرالي في سوريا يحقق لهم الخصوصية القومية ضمن الحدود السياسية الحالية لسوريا وُفق العهود والمواثيق الدولية وميثاق الأمم المتحدة بما لا يخالف الأمن والسلم الدولي في المنطقة والتي تتعرض مُسبقاً لهزات من الحروب الأهلية، ويعتقد الكرد أن المشروع الفيدرالي لسوريا سيخدم جميع المكونات والشعوب السورية ويدفع الى الاستقرار للجميع في ظل دستور مُحكم ورصين.

يختلف الكرد عن باقي المكونات السورية التي تتطلع الى كرسي الحكم في سوريا وإدارة البلاد، فالكرد في سوريا لا يحملون أي أحلام في رئاسة سوريا بعكس الطائفة العلوية والسنية التي تحارب بعضها أيديولوجيا بأسلحة فتاكة سببت شرخاً كبيراً لا يمكن معالجته مع بقاء نظام مركزي في سوريا.

أدت التدخلات العسكرية من تركيا مؤخراً ومن إيران وروسيا قبلها والتواجد الأمريكي والفرنسي والبريطاني على الأراضي السورية واقتطاع قاعدة التنف بشكل نهائي من الأراضي السورية الى التأكيد أن سوريا مقسمة فعلياً بإعادة الحدود على أسس طائفية وعرقية بشكل لا يدع مجال للشك أن المشاكل المستدامة مستمرة ولا يمكن استقرار المنطقة بدون تغير وجه المنطقة كما حصل في أوروبا الشرقية في بداية التسعينات من القرن الماضي. ولكن من الواضح أن عدم تقبل المجتمع الدولي المتمثل بالدول العظمى لفكرة تقسيم سوريا والاعتراف بالكيانات الناتجةـ دفع قادة سوريا بجميع مكوناتها الى عدم الطلب رسمياً بالاستقلال عن سوريا أو حتى تقبل فكرة الطرح على المجتمع الدولي، مما سبب باستدامة الصراع.

فلن تقبل هذه الطوائف بالعودة خطوة واحدة الى الوراء أو العيش تحت حكم عائلة الأسد من جهة ومن جهة أخرى تدرك هذه القوة أن المجتمع الدولي غير مستعدة للاعتراف بها ولكن لا تدرك هذه الفصائل والسلطة في دمشق أن القوات العسكرية التي تواجدت على الأراضي السورية لأسباب عديدة لن تقبل بمغادرة الأراضي السورية باي شكل من الأشكال وتسعى الى إيجاد مبررات قانونية لتواجدها لأسباب تتعلق بعدم مخالفتها للقانون الدولي بما يضمن مصالحها الجيوسياسية في منطقة تُعتبر ملتقى طرق هامة بين القارات الثلاث.

كما لا يمكن معالجة مشكلة الإرهاب والكراهية في ظل الحفاظ على الأنظمة التي نشرت التطرف والإرهاب، فتركيا التي تراجع فيها حقوق الإنسان وتحاول تقسم المنطقة وتحتلها عن طريق الفصائل الإسلامية المتشددة بتوافق روسي وأمريكي وترفع علمها وتستعمل عملتها ومناهجها التركية للدراسة اقل تأثيرا ودموية من الصراع الجيوسياسي الديني بين السنة من جهة والإيراني [الشيعي ـ العلوي] من جهة أخرى، فهذه المشاكل تتعدى الفيدرالية كحل لإيجاد الاستقرار في سوريا والمنطقة وتتعدى الحدود، و لا يمكن لاي سوري عاش في سوريا أن ينسى أن النظام الحاكم في سوريا حافظ على التقسيم بين الشعوب في سوريا في ظل حكمه إذ ظهر التقسيم جلياً بعد الصراع السوري، فالسوري لا يعرف عمق القضية الكردية في السورية ولا يدرك خصوصية الطائفة الدرزية و لا خصوصية الطائفة الإسماعلية وظهر مؤخراً من خلال مؤتمر خاص بالإخوة المسيحيين في باريس ليؤكد أن الطوائف تحاول إظهار خصوصيتها وتطالب بالحفاظ على هذه الخصوصية.

 من خلال هذا الضعف في الروح السورية الجامعة للجميع سُهلت عملية دخول القوات الأجنبية واحتماء كل طائفة بقوة عسكرية أجنبية للحفاظ على وجودها والتي بدأت بخطوة من النظام المتمثل بالطائفة العلوية الذي استعان بالقوات الإيرانية والروسية وغيرها في سبيل الحفاظ على كرسي الحكم وثروته التي جمعها خلال أكثر من 45 سنة من حكم سوريا.

الفيدرالية لنظام حكم لسوريا:

 تحتاج المكونات السورية الى نظام حكم فيدرالي يفصل بين هذه الشعوب ويحافظ على خصوصية كل شعب وطائفة ولكن هل سيكون التقسيم لأقاليم على أسس جغرافية أم على أسس طائفية؟! ومن ناحية أخرى كيف سيتم تناول توزيع الاختصاصات في النظام الفيدرالي لسوريا وفق منهاج و دستور ينظم ويوزع الاختصاصات التشريعية و يحدد العلاقة التشريعية في الدولة السورية ويُظهر بشكل جلي مهام و حدود السلطة التنفيذية ولا يتجزأ من ذلك تشريع خاص بالموارد المالية وتوزيعها ونسبتها لكل الأقاليم هذه هي مهمة اللجنة الدستورية التي تحمل على عاتقها إيجاد حياة مستقرة بسلام للأجيال القادمة بوضع دستور بقواعد واضحة و متينة تجمع السوريين بالتراضي ضمن الحدود الحالية و هذا يتطلب تعديل قانون الإدارة المحلية لسوريا، فسوريا التي تتألف من 14 محافظة تحتاج الى تقسيم إداري جديد. لاعتقادي أن الأرجح هو تقسيم جغرافي لسوريا بتحديد خمسة أقاليم ولكل إقليم خصوصية ومنها إقليم كردستان سوريا الذي يضم الى جانب الكرد طوائف أخرى من الإخوة الذين يعيشون بدون أي مشاكل، فالكرد قومية متجذرة على أرضها و لا تتبع أيديولوجية سنية أو شيعية أو مسيحية و الكل يعرف أن الكرد يتجنبون أيديولوجية دينية ويعتبرون أن الأولوية هي للقومية الكردية وحل القضية الكردية ضمن حدود إقليمهم ولا يحملون أي أطماع خارج حدود كردستان سوريا، و لكن يقع على عاتق الكرد طرح مشروع الفيدرالية لكل سوريا وهذا يتطلب [استحداث "المجلس الاتحادي" ليكون السلطة التشريعية العليا في البلاد] التي تشرع المرحلة المؤقتة التي تمهد لانتخابات حرة و بتشريع قانون انتخابات جديد يناسب الأقاليم ومن ناحية أخرى يتطلب من الأقاليم أن تلتف حول دمشق كعاصمة لسوريا وان يتمتع إقليم دمشق الذي يعتبر المحور لإدارة النظام الفيدرالي و يتمتع بخصوصية يضم جميع ممثلين عن الأقاليم باستقلالية عن أي طائفة أو شعب في سوريا ويكون مركز لحماية النظام الفيدرالي وملجأ لحل الخلافات ومركز لتحقيق العدالة في حال حدوث نزاع بين الأقاليم ومكان للمحكمة العليا التي تفصل في الخلافات والنزاعات التي تنشأ عن اختلاف في تفسير الدستور أو الفهم الخاطئ لتفسير التشريعات الصادرة عن البرلمان بمجلسيه وممثلي الأقاليم.

تحتاج سوريا الى المزيد من التجديد وإعادة تأهيل قواعدها القانونية بما يتناسب مع علاقتها مع دول الجوار وعلاقة الأقاليم فيما بينها.

 

ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.