من كوريا إلى سورية

Kurd24

عرضت إحدى المحطات التلفزيونية تقريرا عن الحرب الكورية التي جرت أواسط القرن المنصرم، لا أعلم لماذا استفز ذاكرتي هذا التقرير ودفعني إلى المقارنة بين ماجرى في شبه الجزيرة الكورية أواسط القرن المنصرم ومايجري حاليا في سورية.

كوريا الشمالية: الجمهورية الاشتراكية الوحدوية الديمقراطية الساعية لأمة قوية مزدهرة متخذة من هذا الهدف شعارا وطنيا يسعى لتحقيقه النظام الحاكم من بوابة حزب العمال الكوري والذي هو جزء من مظلة سياسية تحكم البلاد تدعى الجبهة الموحدة.

سورية: الجمهورية العربية السورية التي يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي (وشعاره أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) والذي هو جزء من مظلة سياسية تحكم البلاد تدعى الجبهة الوطنية التقدمية.

ولو انتقلنا للمقارنة بين الحرب الكورية والحرب السورية سنجد :

- تعددت أسماء الحرب الكورية في شبه الجزيرة الكورية 1950 فكل طرف اختار تسمية تناسب توجهه فكوريا الشمالية سمتها حرب تحرير الأرض بينما سمتها جارتها الجنوبية حرب 6/25 أما الصين فاختارت اسم حرب مقاومة أمريكا، الولايات المتحدة الأمريكية سمتها النزاع الكوري .

في سورية شهدنا حالة مشابهة من تعدد التسميات: ثورة- مؤامرة- حرب أهلية- حرب سنية شيعية- أزمة - حرب عالمية ثالثة...

- شهدت بداية الحرب التي انطلقت في 25 حزيران 1950 انتصارات ساحقة حققها الجيش الكوري الشمالي مدعوما بالخبراء والأسلحة السوفياتية ووصل الزعيم الكوري الشمالي كيم إيل سونغ إلى عاصمة الجنوب سول وهذه الانتصارات عرضت سياسة الإدارة الأمريكية والرئيس الأمريكي الديمقراطي هاري ترومان لانتقادات كثيرة كانت أشدها من النائب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي جوزف ريموند مكارثي الذي وصف ترومان بالرئيس الضعيف لتعامله بمرونة زائدة مع الزعيم السوفياتي ستالين وخصوصا في الملف الكوري مما اضطر ترومان نتيجة لكثرة الضغوط الداخلية والخارجية التي تعرض لها للتدخل في الحرب الكورية من بوابة فيما بات يعرف بمبدأ ترومان الجديد لمحاربة الشيوعية.

فشكل ترومان حلفا عسكريا للتدخل في الحرب الكورية لدعم حليفته الجنوبية مستعينا بقرار أممي ضم عدة دول كفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وتركيا واليونان في مواجهة حلف الاتحاد السوفياتي والصين الداعمتين الأساسيتين لكوريا الشمالية مما أعاد التوازن قليلا لميزان الحرب التي امتدت سجالا لسنوات ثلاث وبعد انتهائها باحت بواحد من أهم أسرارها إن استمرار الحرب كانت إرادة دولية مشتركة لضبط إيقاع الحرب الباردة بين السوفييت والأمريكان التي انطلقت فعليا مع بداية الحرب الكورية فكانت السنوات الثلاث من حرب طاحنة ومدمرة وكارثية على الشعب الكوري ثمنا لتنظيم قواعد الاشتباك في الحرب الباردة وهذا مايفسر حالة السجال التي شهدتها الحرب .

في سورية حقق الجيش السوري مدعوما بحلفائه (حزب الله والخبراء الإيرانيين والروس) انتصارات في باباعمرو والقصير انهالت الانتقادات على سياسة الرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما وأشدها كانت من السيناتور الجمهوري جون ماكين الذي وصف سياسة أوباما بالضعف مما دفع الرئيس الأمريكي بالتدخل بشكل غير مباشر عبر حلفائه تركيا- قطر- السعودية .

فسيطرت قوات المعارضة على محافظة ادلب بالكامل (ماعدا كفريا والفوعة) وحققت انتصارات على جبهة الغاب التي تعد بوابة الساحل في محاولة لتغيير موازين القوى، وبدأت محاولات لتعميم نموذج جيش الفتح (ادلب) في حوران وحلب وهنا استشعرت روسيا والصين خطورة استمرارية الوضع فقررت روسيا التدخل العسكري المباشر وانضمت لها الصين وكوريا الشمالية بشكل غير مباشر في مواجهة الحلف الأمريكي الفرنسي الخليجي التركي.

حيدت الاتفاقات أو المصالحات جبهة حوران وهوجمت درعا مهد الثورة من المعارضة وبعد خمس سنوات تحولت أغنية  "وهذا لي صاير ياحيف وبدرعا ويا يمه ويا حيف.. واسألوا التاريخ احنا مين احنا" إلى "معليش درعا معليش خنتي الخبز وخنتي العيش خنتي الشعب لأجلك ثار صلح عملتي ويا الجيش"  وتحولت حلب من مدينة يتعرض أبناؤها للضرب والاعتداء والسخرية والشتم والتخوين بتهمة التخاذل وعدم المشاركة في الثورة إلى قبلة الثوار ولأجلها أطلقت حملة الغضب لحلب.

هدأت إلى حد ما جبهة الغوطة تارة بحكم اتفاقيات تهدئة غير معلنة برعاية روسية وتارة أخرى لانشغال جيش الاسلام وفيلق الرحمن في معارك صراع على زعامة وقيادة الغوطة أودت بحياة ما لايقل عن 700 قتيل والأهم غياب الثقة وتكريس حالة الانقسام بين رفاق السلاح .

فتحت جبهة الساحل سيطر جيش الفتح على بلدة بسنادا الاستراتيجية، هدأت جبهة الساحل .

انقلاب فاشل في تركيا، عبد الباسط الساروت أيقونة عاصمة الثورة حمص كما يوصف ينتقل من بلبل للثورة إلى مبايعة داعش وأخيرا عودة إلى الغناء وقيادة المظاهرات ولكن مع اختلاف بسيط في المكان والهدف فهو حاليا يقود المظاهرات في اسطنبول دعما للرئيس التركي أردوغان، الجيش السوري يتمكن من فرض حصار على أحياء حلب الشرقية وقطع طريق الكاستيلو الذي يصل حلب الشرقية بريف حلب الشمالي وصولا لمدينة اعزاز على الحدود السورية التركية.

واشنطن اعترضت واعتبرت ماجرى محاولة روسية لنسف الحل السياسي، بينما موسكو وعلى لسان لافروف نفت نيتها في اقتحام أحياء حلب وأعلنت عن فتح معابر إنسانية، وتابع لافروف محذرا من استهداف المسيحيين في سورية، وبعد تصريحات لافروف بساعات شن بعض المعارضين السوريين حملة تحريضية طائفية على الأرمن خاصة وعلى المسيحيين عامة القاطنين في حيي السليمانية والميدان في حلب بسبب خروجهم في مسيرات فرحا بسيطرة الجيش على الكاستيلو وحي بني زيد والذي كان على مدار أكثر من ثلاثة أعوام مصدرا لقذائف مدفع جهنم والتي أودت بحياة المئات .

بزي وبطريقة كلام ذكّرت الجميع بزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، أطل علينا أبومحمد الجولاني كاشفا عن وجهه معلنا فك ارتباط الجبهة بتنظيم القاعدة، تنظيم القاعدة يرحب بخطوة فك الارتباط، وداعا جبهة النصرة أهلا بجبهة فتح الشام.

أعلن جيش الفتح عن معركة الغضب لحلب، ووصل إلى مشارف مساكن 1707 والحمدانية بحلب، سقطت أو أسقطت مروحية روسية فوق ريف ادلب الشرقي، الجيش السوري وحلفاؤه يحشدون مع تواتر أنباء عن نية بشن هجوم معاكس هدفه ليس امتصاص الهجوم واستعادة النقاط التي خسرها بل الاتجاه نحو حسم الأمور في حلب المدينة، وجيش الفتح يشدد على أن هدفه ليس فك الحصار فقط بل السيطرة على كامل مدينة حلب وهكذا دواليك تمضي الأيام على السوريين ولعل الأيام أو الشهور أوالسنوات المقبلة كفيلة بكشف أسرار الحرب السورية والأسباب الحقيقية لاستمرارها.

- في الحرب الكورية تبادل الحلفان السوفياتي والأمريكي الاتهامات باستخدام أسلحة كيميائية وبارتكاب جرائم حرب ومجازر وبمسؤولية كل طرف عن الدمار الهائل الذي خلفته حرب السنوات الثلاث وفي النهاية تم توقيع اتفاق وقف اطلاق النار الذي مازال ساريا حتى الآن وانتهت الحرب دون أن يحاكم أحد .

كوريا الجنوبية أعادت بناء نفسها وأصبحت قوة اقتصادية عالمية .

كيم إيل سونغ وضع الأسس الأولى لبناء كوريا الشمالية الجمهورية العسكرية النووية المرهوبة الجانب وسار على منواله ابنه كيم جونغ إيل ومن بعده حفيده كيم جونغ أون .

وبعد انتهاء الحرب الكورية تتالت الصدامات بين القوتين في كوبا والكونغو وفيتنام ونيكارغوا والسلفادور وكان آخر صدام في حرب الخليج الثانية وبعدها انهارت الامبراطورية السوفياتية، وبعد ستين عاما تعود القوتان لتصطدما على أرض سورية كإطلاق لصافرة البداية لعودة الحرب الباردة .

وهنا نسأل في الحرب الباردة كانت الصدامات الآنية تحسم غالبا لصالح السوفييت ولكن مع كثرة الصدامات نجح الأمريكان في استنزاف السوفييت مما أدى لانهيار الامبراطورية السوفيتية.

هل سيقع الروس بنفس الفخ أم أنهم تعلموا أن يحصدوا المكاسب الآنية والاستراتيجية وبغض النظر عن هذا فإن قراءة تاريخ صدامات هاتين القوتين تشير إلى قرب انتهاء الأزمة السورية وقرب إعلان النتائج.

وللتاريخ بقية...