حكومة كوردستان.. حصاد التحديات والمكتسبات

Kurd24

لم تكن الظروف التي واجهت حكومة إقليم كوردستان برئاسة السيد مسرور بارزاني منذ تشكيلها في تموز 2019 طبيعية، ولم تكن كذلك البيئة السياسية المحلية أو الإقليمية التي تشكلت فيها الحكومة للقيام بواجباتها مستقرة وآمنة، بل يمكن وصفها بالفترة الأعقد والأكثر حراجة لشعب كوردستان العراق وحاضره ومستقبله.

ورثت حكومة السيد مسرور بارزاني من الحكومات السابقة تركة ثقيلة من الديون والاستحقاقات المالية وصلت إلى حوالي 32 مليار دولار، أغلبها ديون داخلية لمواطنين ومستثمرين، وكان أمر سدادها وتسويتها عبئا ثقيلا ترك أثره الواضح على حياة مليونين و600 ألف موظف ومتقاعد في إقليم كوردستان.

مثلت سياسة الادخار الإجباري لرواتب موظفي إقليم كوردستان المشكلة الأعقد التي ورثتها حكومة السيد مسرور بارزاني من سابقاتها، والتي استثمرتها بغداد بشكل واضح كورقة ضغط على الإقليم أثناء المفاوضات في ملفات النفط والرواتب وغيرها من القضايا الاقتصادية العالقة.

لم تكن السياسة النفطية للحكومات السابقة في إقليم كوردستان واضحة في خضم مشاكل لا حصر لها مع بغداد ومستعصية على الحل، ومهددة بشكاوى في المحاكم الدولية من قبل بغداد على أربيل، وقد أثر ذلك بوضوح على الشركات العالمية المعنية بالاستثمار النفطي في الإقليم والدول التي توفر سوق التصدير الإقليمي والعالمي.

كانت جائحة كورونا وتفشيها في إقليم كوردستان بمثابة تحدٍ وجودي، نظرا لعدم تمكن الحكومات السابقة من النهوض بالبنى التحتية الصحية والطبية، فكان أثر الجائحة قاسيا وشكلت ضربة موجعة لاقتصاد الإقليم وشعبه، على الرغم أن حكومة الإقليم في وقت مبكر استجابت بجدية والتعامل مع الجائحة، وأنشأت مركز عمليات لمكافحة فيروس "كورونا" قبل أن تثبت أي حالة مؤكدة لديها.

تمثل المشكلات ما بين الحزبين الكورديين البارتي واليكيتي أخطر ما يهدد تجربة إقليم كوردستان، بعد فشل الحكومة السابقة في تسوية الخلافات ما بين أربيل والسليمانية أو على الأقل تخفيف حدة الأزمة واحتوائها، فقد وصلت الخلافات ما بين الطرفين إلى نشوء إدارتين متقاطعتين في أربيل والسليمانية، فكانت التداعيات على أثر ذلك إدارية وسياسية وأمنية واقتصادية، ولم تقتصر على شكل العلاقة ما بين أربيل والسليمانية، بل تعدته إلى استثمار أطراف سياسية في بغداد لطبيعة ذلك الخلاف ودعم اليكيتي ضد حكومة مسرور بارزاني في الكثير من المواقف ذات الصلة بمصالح الإقليم الحيوية.

يمكن استذكار نموذجين مختلفين لاستثمار أطراف السلطة الاتحادية في بغداد لخلافات الحزبين الكورديين ضد حكومة مسرور بارزاني في أربيل، الأولى حين قررت المحكمة الاتحادية العليا في كانون الثاني 2023 إلغاء كافة القرارات الخاصة بتحويل الأموال الشهرية إلى إقليم كوردستان، وحين قضت ذات المحكمة الاتحادية بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كوردستان، على الرغم أن القرارات التي أبطلتها المحكمة كانت نتاج اتفاقات سياسية وبرامج حكومية صوت عليها البرلمان، إلا أن القرارات كانت عصا سياسية من بغداد بتأييد السليمانية ضد أربيل وحكومة السيد مسرور بارزاني.

حوّل السيد مسرور بارزاني وحكومته التحديات المذكورة أعلاه إلى فرص، وتمكن من رسم مسار نهضة أربيل بأن تقف على قدميها لضمان استمرار عجلة التنمية والإعمار والبناء، حتى تبقى أنموذجاً للعراق الحديث النامي رغم كل التحديات، مع سياسة خارجية نشطة ملحوظة وتفعيل منظومة العلاقات الدولية والدبلوماسية الفردية مع القوى الإقليمية والدولية، لضمان مصالح الإقليم وتدفق رؤوس الأموال والمستثمرين.

حولت حكومة مسرور بارزاني هوية اقتصاد إقليم كوردستان من ريعي يعتمد كليا على النفط كما كان سابقاً، الى هوية اقتصادية وطنية متعددة الموارد المحلية عبر دعم قطاعات الزراعة. ولأول مرة يُصدَر إلى الخارج الإنتاج الزراعي لكوردستان العراق في ظل إدارة حكومة إقليم كوردستان في أربيل.

وضع إقليم كوردستان على بداية طريق الاعتماد على الإنتاج المحلي وتشجيع الناس على العمل والاعتماد على مبادراتهم وليس على التوظيف في الحكومة، حيث أن سياسة الحكومات السابقة جعل المواطن يعتمد على التعيين والتوظيف لدى الحكومة الأمر الذي كبر من حجم الرواتب وتركيز الحكومة فقط على توفير الرواتب للمواطنين.

نفذت حكومة السيد مسرور بارزاني عددا ضخما من المشاريع خلال الأربع سنوات، حتى تجاوزت 3425 مشروعا بتكلفة وصلت إلى ما يقارب 13 تريليون دينار عراقي، وهو عدد وتكلفة ولدت في ظل أزمة وتحديات ومشكلات اقتصادية وسياسية تعانيها أربيل خصوصا واقليم كوردستان عموماً.

قللت سياسات السيد مسرور بارزاني من ديون إقليم كوردستان من 32 مليار دولار الى 28 مليار دولار، من خلال قرارات صارمة ضد الفساد وطرائق هدر المال العام، مع سياسات اقتصادية حديثة تزيد من فاعلية السوق المحلي لضمان الواردات الداخلية رغم قطع الموازنة من طرف الحكومة الاتحادية في بغداد.

ضمنت حكومة إقليم كوردستان رغم الضغوط المالية من دفع رواتب الموظفين لجمیع أشهر السنة، وهو ما لم تتمكن الحكومة السابقة من ذلك بعنوان "الادخار" الأمر الذي لا يزال يشكل مشكلة بين الموظف والحكومة. رغم ان بغداد لم تصرف موازنة إقليم كوردستان واكتفت بإرسال بعض المعونات التي كانت بدورها تواجه عقبات في أغلبها سياسية.

أعاد مسرور بارزاني تأهيل العلاقات بين بغداد وأربيل، وتمكن من مفاوضة بغداد على ملفات النفط ورواتب موظفي إقليم كوردستان وتحقيق مكتسبات كبيرة في هذين الملفين، لولا قرارات المحكمة الاتحادية التي أعادت أزمة الرواتب وتصدير النفط مرة أخرى إلى الواجهة.

عقد رئيس الوزراء مسرور بارزاني اجتماعات مكثفة مع مجلس الوزراء فقد بلغ عدد الاجتماعات التي صدرت منها قرارات مهمة إلى 218 اجتماع في هذه الاربع سنوات وهو عدد يكاد يتجاوز مجموع عدد اجتماعات رؤساء الوزراء السابقين مع مجالس وزرائهم.

تمضي حكومة السيد مسرور بارزاني باتجاه رقمنة مؤسسات إقليم كوردستان، والذي سيسّهل الأمور والمعاملات على الحكومة والمواطنين، مع التأسيس لقاعدة بيانات لم تكن متوفرة ولم تكن موجودة في العديد من القطاعات لتقصير الحكومة السابقة، مما تسبب في حدوث عوائق لتنفيذ الرقمنة.

تمكنت الحكومة من تخطي أزمات عصيبة على مدى السنوات الماضية من عمرها، في خضم تفشي فيروس كورونا والأزمة المالية والتي عصفت بإقليم كوردستان، وتفاقمت بعد أن قطعت الحكومة الاتحادية المستحقات الدستورية لإقليم كوردستان.

ورغم كل العراقيل، حققت التشكيلة الوزارية التاسعة، إنجازات مهمة في جميع القطاعات، سواء على صعيد تطوير القطاع الزراعي والسياحي والصناعي والتجاري ورقمنة مؤسسات إقليم كوردستان، أو على مستوى العلاقات مع الحكومة الاتحادية والعلاقات الدولية والإقليمية.

هذا المقال يُنشر بالتزامن مع نشره على موقع شبكة روداو الاعلامية.