العراقيون المسيحيون نحو الهجرة!

Kurd24

لا استقرار سياسي، ولا أمني، ولا اقتصادي ولا السيادة التي يتطلع اليها كلُّ العراقيين. ثمة إعتماد مفاهيم مزدوجة للديمقراطية والحرية، والدستور والقانون والمواطنة، حتى لدى الذين أقسموا أمام الله بالحفاظ عليها، مما أضعف أداء مؤسسات الدولة، وتراجع القيم الاخلاقية والوطنية، فضلاً عن تدهور الخدمات والصحة والتعليم، وتفشي الفساد، وازدياد البطالة والاُميّة.

كيف يمكن لهؤلاء المسؤولين الذهاب الى دور العبادة للصلاة، والى النوم في حين أنّ عدداً كبيراً من مواطنيهم يئنّ من الجوع والعوَز والمرض؟

المكوَّن المسيحي، يشعر بالحزن والألم والخوف والهشاشة حيال التهميش الكلي أو الجزئي: خطف وقتل وفدية بعد سقوط النظام، ثم تهجيرهم من قبل تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) من الموصل وبلدات سهل نينوى، ولولا استقبال حكومة اقليم كردستان لهم مشكورة، ورعاية الكنيسة لهم اثناء التهجير واعادة تعمير بيوتهم بعد التحرير لكان حالهم حال مهجّري غزة في فلسطين، اذ لم تقدم الحكومة المركزية أنذاك لهم شيئاً.

لا تزال الاعتداءات على المسيحيين مستمرة: على مقدراتهم، ووظائفهم والاستحواذ على ممتلكاتهم (ولدينا أمثلة) وحالات تغيير ديانتهم بالإكراه من قبل داعش أو غيرها، وأسلمة القاصرين، وعدم المحافظة على حقوقهم، ومحاولة مسح متعمّد لتراثهم وتاريخهم وارثهم الديني، وعبارت الكراهية في بعض الخطب الدينية وكتب التعليم، اذكر على سبيل المثال: بعض رجال الدين حرَّموا تهنئة المسيحيين بعيد ميلاد السيد المسيح الذي يعدّه القرأن الكريم  “وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ” (آل عمران/ 45)، “لأن الله جعله وأمّه آية للعالمين” (الانبياء/91).

الحكومة غير جادّة بانصافهم، ما تقوله مجرد كلام جميل من دون أفعال. ماذا حصل من قضية مقتل الشاب المسيحي في حي الامين ببغداد (سامر صلاح الدين) وجريمة قتل العائلة المسيحية (د. هشام مسكوني وزوجته د. شذى مالك ووالدتها خيرية داؤود في اذار سنة 2018)؟

وما هي نتيجة اجراءات التحقيق في موضوع محرقة قره قوش (ايلول 2023) التي لا يصدق أحدٌ انها حادث عابر؟

هاجر أكثر من مليون مسيحي، ومعظمهم من النُخَب العلمية والاقتصادية والمهارات، لكن من يكترث لذلك؟

 حالة عدم الاستقرار وغياب الانصاف جددت نزيف الهجرة: 100 عائلة من قره قوش هاجرت في الاشهر الماضية والحبل على الجرّار. وعشرات العائلات من المدن الاخرى كبلدة عينكاوا في اقليم كردستان بسبب القلق من المستقبل وعدم صرف الرواتب منذ أشهر؟

الأحزاب المسيحية منقسمة:

معظمها يبحث عن السلطة والمال، ومن وصل الى منصب ما يصبّ جهده للمحافظة على مكاسبه، وزيراُ كان او مستشاراً او نائباً كما تفعل حركة “بابليون” التي خطفت الكوتا بالمال والترهيب بالرغم من مطالبتنا بحصر التصويت على المكوّن المسيحي في اختيار ممثليه؟ 

كل هذا والحكومة المركزية صامتة أمام أكاذيب جيوش بابليون الالكترونية واشاعاتها المفبركة التي لا تنتهي، وإذا ما إنتقدناهم يقيمون الشكاوى في المحاكم بتهمة القذف، في حين أنهم يتمادون في إفتراءاتهم، ولم اُقدم شكوى ضدهم إحتراماً لمقامي الروحي. 

 كما أن مسيحييّ الخارج لم يوفَّقوا في خلق لوبي للوقوف الى جانب مسيحيي الداخل، بسبب نزعة التعصب القومية والقبلية والقروية، وراح البعض يكتب مقالات مقزِّزة هدَّامة ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

الكنيسة منقسمة:

كان للكنيسة الكلدانية الحس بالوضع الهش منذ البداية (خطاب تنصيي بطريركا في 16 اذار 2013). حاولت اقامة علاقات طيبة مع المرجعيات الشيعية والسنية، ومع المسؤولين الحكوميين، ونالت احتراما كبيراً خاصة بعد زيارة البابا فرنسيس الى العراق في 5-8 اذار2021.

وسعيت لتوحيد موقف الكنائس وخطابها، وقدمت مبادرات ودعوات صادقة للم الشمل، لكنها لم تفلح بسبب عدم قدرة بعض رجال الدين المسيحي من اتخاذ قرار موحد، واستغلال حركة بابلیون لبعض الاساقفة من خلال إيقاعهم بفخ المال والسلطة والوعد بالقیادة.

لم تفلح حركة بابليون في اختراق صف الكنيسة الكلدانية، فعمدت الى التشكيك بمصداقيتها ونزاهتها. واذ فشلت ضغطت على رئيس الجمهورية بسحب المرسوم من رئيسها الاعلى، ثم بعد اربعة اشهر من اساقفة الكنائس الاخرى. هذا استھدافٌ واغتیالٌ معنويٌ سيخلده التاريخ الحديث. 

يحتاج المسيحيون الى حلفاء حقيقيين وصادقين من الداخل والخارج لتغيير الوضع نحو الافضل والمطالبة العلنية بحقوقهم في الاعلام والمحافل الدولية، بايمان راسخ، ونَفَس طويل، وحكمة.

على الاحزاب المسيحية والكنائس أن تتحد، ومن دون الاتحاد سوف يفرغ البلد من مكونه الاصيل ورائد حضارته العريقة. كنا ننتظر ان يلعب السفير البابوي دورا ايجابيا في جمع الكنائس، لكن بسبب جهله العقلية الشرقية وثقافة البلد بقي مترنحاً بين وظيفته الدبلوماسية والكنسية.

تطلعات وطنية: 

يتطلع العراقيون بجميع أطيافهم الى المصالحة الوطنية الحقيقية، ونبذ الخصومات، وبناء دولة مدنية قوية، دولة قانون ومؤسسات، دولة تديرها الكفاءات وليس المحاصصة الحزبية، دولة تحافظ على الوحدة الوطنية والعيش المشترك بين كل مكونات المجتمع الديني والمذهبي والقومي، دولة تسعى لاحلال السلام والاستقرار والامان والعيش الكريم.

 بحسب كل القيم الدينية والاخلاقية لا عيب ان نعترف بخطئنا ونعتذر عنه ونعالجه، اتمنى من الكل ان يراجع نفسه امام الله وامام ضميره لان العراقيين والمسيحيين يستحقون الأفضل.


المصدر: الموقع الرسمي للبطريركية الكلدانية