‎الطفولة تُسرق !!

Kurd24

بهدوء وحذر تُسرق براءة أطفالنا، و يُسرق منا الحماس الذي نستمدهُ من عذرية أرواحهم وألعابهم وضحكاتهم، وكيف لا نفقد الحماس وكيف نحتفظ بروح الطفولة عندما نشاهد أطفالنا بلا طفولة !

‎يستحيل اليوم في عصرنا الرهيب والمخيف أن نجد طفلاً لا يستخدم الهواتف الذكية والآيباد ، بل وفي كثير من الأحيان نتعلم منهم بعض خدمات هذه الأجهزة وخصائصها ، ولا يمكن أن ننكر الإيجابيات الكثيرة التي حملتها هذه الأجهزة لأطفالنا و دورها في عملية التعليم وإبراز ذكائهم و ومهاراتهم الاجتماعية وتنمية قدراتهم ولا سيما اللغوية ، إلا أن ثورة التكنولوجيا المتسارعة هذه و رغم دورها الواضح في نمو أدمغة أطفالنا وتطورها فقد حملت الكثير من السلبيات لهم فيما يتعلق بالصحة والصحة النفسية على وجه الخصوص .

‎تنبه عدد كبير من الباحثين والمختصين بالصحة النفسية لمثل هذا النوع من الأخطار الذي يهدد أطفالنا ، ولاقت دراساتهم وأبحاثهم اهتماما لا بأس به من المعنيين واستجابة خجولة جدا من الشبكة العنكبوتية بما فيها من محركات بحث و مواقع إلكترونية و وسائل تواصل اجتماعي وملايين المستخدمين ، و عليه كانت المسؤولية الأكبر كسابق عهدها تقع على عاتق الأباء والأمهات أو لنكون أكثر دقة على وعيهم وإدراكهم لحقيقة القوة الناعمة التي تحملها ثورة التكنولوجيا وتأثيرها في ازدياد معدلات العنف أو التوحد على سبيل المثال في سلوك أطفالنا .

‎لم تعد الاستجابة الخجولة لثورة التكنولوجيا والشبكة العنكبوتية بتوفير إصدارات ومواقع تناسب استخدامات الأطفال كافية لحمايتهم من التلوث السمعي والبصري والفكري ، ولم يعد اهتمام وحرص الأهالي أيضاً كافياً لتنشئة وتربية أطفالنا بشكل سليم يضمن لهم حقوقهم بعيش طفولة سعيدة وبعيدة عن الأفكار التي من المبكر جداً أن تغزو عقولهم وتسرق أعمارهم ، وذلك لأن الانفتاح الغير محدود الذي يعيشه أطفالنا اليوم جعل من الصعب جداً حمايتهم من تلقي هذه الأفكار التي وإن مُنعت عنهم أو أبعدناها بمراقبة استخدامهم للأجهزة الذكية فلن نستطيع منعها من ملاحقتهم في المدرسة أو الحديقة أو التلفاز وبرامج الأطفال التي تلعب دوراً محورياً في تكوين الاطفال وترسيخ الأخلاقيات العامة لديهم .

‎أياً كان الاختلاف بالآراء و وجهات النظر إلا أننا نتفق جميعاً على حقوق أطفالنا ، وضرورة السعي لتمكينهم من الحصول على حقوقهم كاملة وفي مقدمتها ( عيشُ طفولتهم ) .

‎إن الانفتاح الغير محدود ليس حرية عندما يتعلق الأمر بالأطفال، وتبادل الأفكار و وجهات النظر ببعض الأمور والقضايا الحساسة لا يجوز بمجلس يتواجد به الأطفال ، ولأنه لا مؤثر في مستقبل الإنسان كطفولته فلا مؤثر في مستقبل مجتمعاتنا كأطفالنا وعيشهم طفولتهم بعيداً عن القضايا الخلافية.

‎رغم الدراسات والأبحاث التي تُنشر اليوم إلا أنه لا يمكن تقدير حجم الأخطار المستقبلية التي تنتظرنا بعد عقدٍ من الآن على سبيل المثال، كما لا يمكن التنبؤ بما تخفيه السنوات القادمة عند وصول أطفالنا لسن المراهقة بعد أن يستمر تعرضهم لهذا الانفتاح الغير محدود .

‎إن الحب الحقيقي لأطفالنا واهتمامنا بهم وتقديرنا لأهمية وحساسية هذه المرحلة العمرية لا يمكن حصره بتلبية بعض احتياجاتهم من مأكل ومشرب وملبس وتعلم وو .. الخ ، أو في حمايتهم من العمالة وما شابه ، ولا حتى في إشباعهم عاطفياً أو تلبية رغباتهم ، ولكن بما نحاول تداركه اليوم بالوقوف وبمسؤولية تاريخية أمام كل ما يهدد أمان أطفالنا وحرمانهم من طفولتهم .

‎أطفالنا هم ثروتنا الحقيقية في المستقبل وأمان المجتمع مرتبطٌ بأمان طفولتهم ، وحصاد ما نزرعه اليوم متوقف على القدر الذي أخلصنا فيه بالحفاظ على بستان الطفولة وثماره .

‎طفولتنا كانت أكثر نقاءً وأكثر أماناً ، وعلى أقل تقدير تقتضي منا المسؤولية اليوم توفير طفولة مشابهة لما عشناه لأطفالنا إن لم تكن أكثر أماناً ونقاءً ، ويجب أن لا يكون موقفنا أو تمسكنا بأمان أطفالنا وبراءة أفكارهم من الانفتاح الغير محدود أقل شأناً من أي قضية أخرى تخص الطفولة كعمالة الاطفال أو استغلالهم في أعمال عنف أو .. الخ ، و ذلك لأن التهاون في الموقف الأول سيقودنا إلى ارتفاع غير مسبوق مستقبلاً في أعداد الأطفال ومعدلاتهم ضمن قضايا العمالة والاستغلال وو .. الخ .

‎وفي الختام لا أعلم إن كان هناك أفظع من رؤية أطفالنا وأحاديثهم فيما بينهم عن قصة أو قصيدة أو مسألة حسابية تُستبدل بمواضيع كالمثلية الجنسية أو الطائفية الدينية ، وإهمالنا لأمان أطفالنا سيفقدنا في المستقبل القريب ما نسترجعه من ذكريات جميلة عند سماع أحاديثهم العفوية والبريئة أو رؤية الخجل تارة في تصرفاتهم والشقاوة تارة أخرى في حركاتهم .

‎طفولتنا كانت أكثر أماناً ، لم نكن نعرف حينها ما معنى السني والشيعي أو العربي والكردي أو المسلم والمسيحي .. الخ ، و ما نفقه شيئاً في الجنس أصلاً لنتناقش في مواضيع كالطائفية الدينية أو المثلية الجنسية أو غيرها.

‎طفولتنا كانت أكثر أماناً