مؤتمر استانة والمطالب الكردية

Kurd24

شهدت الأيام القليلة الماضية جدلاً وحراكا إعلاميا في الأوساط السياسية والمجتمعية والثقافية الكردية حول المشاركة الكردية في مؤتمر استانة - كازاخستان والذي يرعاه ويضمنه روسيا و تركيا للوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار في عموم سوريا. وتضاربت الآراء بين مؤيد لحضور المجلس الوطني الكردي الذي تلقى دعوات شخصية ضمن الوفد الاستشاري و القانوني للمعارضة وآخرين ينتقدون هذا الحضور لانه لا يشمل جميع الأطراف حسب رأيهم خاصة اولئك الذين يعولون على مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري ( قوات حماية الشعب) الذين تم إقصاؤهم من المشاركة في استانة بطلب من تركيا حسب العديد من المصادر. هنا لابد من الإشارة إلى جوهر وحقيقة الاهداف من هذا المؤتمر قبل الحديث عن الصراع الكردي الذي اخذ منحا سلبيا خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي وحتى في التعامل والمواقف السياسية في كردستان سوريا وكي نبتعد عن هذا الجدل البيزنطي والاجواء المتوترة كرديا لابد من عودة سريعة للاتفاق الروسي - التركي حول الهدنة في سوريا والذي بدأ من حلب. فكما نعلم أن تحضيرات استانة جاءت بعد اتفاقية الهدنة في حلب و " اعلان موسكو " الذي جمع بين وزراء خارجية روسيا، تركيا و ايران حول سوريا والاقرار بعقد مؤتمر استانة استكمالا للهدنة والوصول إلى وقف شامل لاطلاق النار في عموم سوريا خاصة بعد الخروقات التي حدثت في وادي بردئ من قبل ميليشيات حزب الله والنظام وفصائل من المعارضة. الطرفين الضامنين لهذه الاتفاقية (روسيا و تركيا) اجروا لقاءات وضغوطات مكثفة على طرفي الصراع من المعارضة وقوات النظام كي يتم اقناعهم بالجلوس معا على طاولة المفاوضات في استانة والتي سوف تقتصر فقط على الجانب العسكري و الالتزام باستمرار الهدنة لتشمل كل سوريا عدا المناطق التي يسيطر عليها داعش وجبهة النصرة، وقد اكد الطرفان رسمياً ذلك بان هدفهم من استانة هو في جانبه العسكري فقط ولن يكون هناك مواضيع سياسية مطروحة الان وستكون فيما بعد بعد نجاح الهدنة عدا عن اللقاء القريب الذي يرعاها الامم المتحدة في جنيف في الثامن من شباط المقبل. روسيا وتركيا يدركان اهمية نجاح هذا المؤتمر لانه بمثابة اختبار للعمق و مدى التحكم بالملف السوري خاصة وان تركيا لها تاثير مباشر على العديد من الفصائل المسلحة وتستطيع الضغط عليها تزامناً مع عملياتها العسكرية باسم "درع الفرات" في منطقة الباب والتي كانت احدى الاسباب الرئيسية لتوافقها مع موسكو وتخليها عن حلب مقابل اطلاق يدها في تلك المنطقة ومحاربة الطموح الكردي في اقامة فيدرالية او دولة كردية حسب زعمهم. وروسيا بدورها تمتلك اوراق قوية ودورا محورياً في سوريا وتحاول فرضه كواقع قبل استلام ادارة ترامب وكي يمهد لتنسيق مشترك فيما بعد لمحاربة الإرهاب ومحاولة التوافق على الحل السياسي في سوريا. في ظل هذه اللوحة السياسية وبنود ونوايا الاطراف الدولية الراعية لمؤتمر استانة العسكري عمليا رغم حضور بعض الشخصيات السياسية ولكن لن يتم الخوض في المواضيع السياسية فان الصراع الكردي الجانبي و بهذه الشدة لا جدوى منه وذلك لأن القضية الكردية لن تكون في جدول أعمال مؤتمر استانة كما لن يناقش الوضع السياسي السوري عموماً. ورغم الدعوات الشخصية لرئيس المجلس الوطني الكردي( ابراهيم برو) ونائب رئيس الائتلاف (عبدالحكيم بشار) فان الملف الكردي كما يبدو لن يتم الحديث عنه لان جدول أعمال استانة يشمل التركيز على اتفاقية وقف إطلاق النار فقط ولهذا فان الحضور الكردي مهم دوماً وكان من المفروض على الاطراف السياسية الكردية البحث عن مخرج والوصول إلى توافقات ووفد موحد باسم الشعب الكردي ضمن ممثلية مستقلة، لكن الأمور اخذت بعدا تناحريا لم يتمكن الكرد من تجاوز خلافاتهم الداخلية وحتى دعوات الحوار الكردي - الكردي فشلت وقد تزيد في حدية الأزمة خاصة بعد دعوة شخصيات من المجلس الكردي وعدم دعوة الاتحاد الديمقراطي واطراف خارج هذه الاطر، اي بمعنى أن المسألة في تعقيداتها تعود إلى الكرد الذين لم ينجحوا في لملمة شملهم سياسياً والخروج بوفد واحد بعيداً عن الخلافات القائمة وبكل تأكيد فان ذلك سوف يؤثر قوة الطرح الكردي وثقله السياسي حضوراً. لا يمكن التعويل على مؤتمر استانة كرديا ولن يتوقع منه الكثير في الجانب السياسي خاصة وان الدعوات شخصية و لم يتم مراعاة الشخصية الاعتبارية للمجلس الوطني الكردي حتى وعليه فإن مناقشة الملف الكردي لن يكون واردا. بما ان المجلس الكردي سيكون حاضرا هناك فان على ممثليه محاولة التواصل مع الجهات الدولية الراعية لادراج القضية الكردية ايضاً (رغم صعوبته) وكذلك عدم القبول بحضور هكذا محافل ضمن الائتلاف السوري كمجرد رقم او كتلة سياسية لانهم يمثلون مكون وشعب مستقل وهذا التوجه والخطاب الافضل عرضه على الأطراف الدولية الفاعلة مثل امريكا و روسيا مع العلم ان التوافقات الأخيرة بين موسكو وأنقرة وطهران وحتى دمشق ستكون حتماً على حساب القضية الكردية عموماً ولهذا السبب فان ترتيب البيت الكردي ضروري كي نكسب الظرف والحقوق القومية وهي لا تخص حزب او جهة سياسية معينة لانه مرتبط ايضاً بالبعد الكردستاني للقضية الكردية وتحولاتها في المنطقة. في النهاية لابد من قراءة الوقائع والاحداث بعقلية براغماتية بعيداً عن العاطفة والصراعات الجانبية لان القضية الكردية ابعد من كل ذلك وبمختصر القول فان مؤتمر استانة هو إصرار روسي- تركي لتنفيذ الالتزام بالهدنة لا أكثر مع الصعوبات التي تواجه ذلك خاصة من طرف ايران والميليشيات التابعة لها لاسيما وهي تعلم بان وقف إطلاق النار سوف يشملهم أيضا وهذا ما لا تريده إيران ولا النظام السوري..

 

هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.