بايدن وإقليم كوردستان العراق

Kurd24

من الطبيعي أن تسود لدى إقليم كوردستان العراق حالة من التفاؤل الكبير مع وصول بايدن إلى سدة البيت الأبيض، نظراً لمواقفه التاريخية تجاه الكورد في العراق. فبايدن قد يكون من أكثر السياسيين الأمريكيين دعماً للقضية الكوردية عموماً، وحقوق الكورد القانونية والتاريخية المشروعة على وجه الخصوص.

تعود العلاقة الوثيقة بين بايدن وكورد العراق إلى 2002، أثناء زيارته التاريخية للإقليم بصفته رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ حيث ألقى خطاباً في برلمان كوردستان العراق عبّر فيه عن دعم أمريكا التام لحقوق الكورد داخل عراق فيدرالي موحد. وإبان عمله نائباً للرئيس أوباما، توطدت علاقاته على نحو كبير مع قادة كوردستان العراق خلال زياراته المتكررة إلى العراق التي تجاوزت العشرين زيارة.

وإن كانت حالة التفاؤل الكبيرة لدى كورد العراق بشأن بايدن في محلها على نحو كبير. ومع ذلك، يجب على الكورد أيضاً وضع سقف لهذا التفاؤل. لا جدال أن مواقف وسياسات الولايات المتحدة تجاه إقليم كوردستان تندرج وتتداخل في السياقات الأوسع لأجندة الولايات المتحدة على نحو عام، وتجاه المنطقة على نحو خاص.

موقف إدارة بايدن تجاه كوردستان العراق، وإن كان داعماً بشكل أكبر للكورد مقارنة بإدارة ترامب، إلا أنه سيتأثر على نحو كبير بموقف الإدارة السابقة تجاه العراق، وعلى نحو مماثل تجاه تركيا وإيران وسوريا. من هذا المنطلق، فإن تصور دعم بايدن لقيام دولة كوردية مستقلة في "شمال العراق" قد يكون أمراً مبالغاً فيه.

لكن يمكن القول، انطلاقاً من تعاطف بايدن مع كورد العراق، وأيضا انطلاقاً من أجندة بايدن عامة، ومواقفه التاريخية تجاه بعض القوة الإقليمية، لاسيما تركيا. فمن المتوقع، إلى حد كبير، أن تكون حقبة بايدن فرصة ذهبية سانحه لكورد العراق لدعم وتعزيز مطالبهم ووضعهم الدستوري والتاريخي، المنتهك، ككيان شبه مستقل داخل العراق الفيدرالي.

فبايدن من أكثر السياسيين الأمريكيين دعماً لفيدرالية لا مركزية لعراق موحد. الفيدرالية اللامركزية التي يرغبها بايدن هي وضع أشبه بالنظام الكونفدرالي، تكون فيه بغداد منسقاً للمصالح المشتركة للأقاليم التي تدير شؤونها بشكل خاص وشبه مستقل. هذا النظام مطبق على نحو كبير في البوسنة. ومن الجدير بالذكر، أن اقتراح بايدن والذي نشره في مقالة شهير له بعنوان "إستراتيجية الخروج" 2006، كان محل ترحيب كبير من الشعب الكوردي.

من الواضح أن بايدن سيكون ضاغطاً لتعزيز الفيدرالية اللامركزية لضمان المزيد من الاستقرار في العراق، لاسيما وأنها تتسق مع أجندة بايدن الرئيسية المرتكزة على تعزيز النموذج الديمقراطي الليبرالي. 

بعد إجراء استفتاء الاستقلال في سبتمبر 2017. نلاحظ خلال الآونة الأخيرة محاولات داخلية وإقليمية منسقة، ومن محاولات بغداد المستمرة لفرض سياستها على الإقليم، ووقف المدفوعات المستحقة للإقليم وتشجيع سياسات التعريب وتجاهل مواد الدستور.

وفي هذا الصدد أيضاً، فمن المؤكد أن تلعب إدارة بايدن دوراً حاسماً في التوصل إلى اتفاق عادل حول القضايا الرئيسية العالقة بين الإقليم وبغداد: المناطق الكوردستانية خارج إدارة حكومة الإقليم، الميزانية، وضع البيشمركة، وضع الكورد في النظام الفيدرالي.

على صعيد آخر، فمن الواضح أن العلاقات الأمريكية - التركية خلال عهد بايدن لن تسير على نحو هادئ. فبايدن من أكثر المنتقدين لسياسات تركيا التوسعية في المنطقة، ومن شأن ذلك ممارسة إدارة بايدن المزيد من الضغوط لوقف تدخلاتها في إقليم كوردستان وشمال سوريا بزعم مطاردة حزب العمال الكوردستاني.

خلال الأعوام القليلة الماضية، قطع كورد العراق خطوات واسعة في عدة مجالات كمحاربة الإرهاب، كما عزز الإقليم وضعه الداخلي الديمقراطي والاقتصادي، ووضعه الخارجي كياناً دولياً معترفاً به رسمياً.

 من هذا المنطق، بات الإقليم شريكاً دولياً وإقليماً لواشنطن في مناحٍ عدة، اقتصادية وأمنية وسياسية، ويمكن التعويل عليه من قبل إدارة بايدن، وهذا متوقع أيضاً لتحقيق أجندة بايدن في المنطقة. فتوثيق العلاقات الأمريكية - الكوردية سيكون بمثابة قوة دافعة لبايدن لمواجهة الإرهاب والتطرف، ورسالة أيضاً لكل من إيران وتركيا لدعم سجل حقوق الإنسان والتركيز على الأولوية الاقتصادية والحد من تداخلاتهما في الشأن العراقي. على نحو آخر، سيظل الاستقرار الكبير الذي يتمتع به الإقليم، والمناخ الاقتصادي المتميز له عامل جذب كبير للاستثمارات الأمريكية.

وعلى الرغم من تراجع أهمية المنطقة لواشنطن، إلا أن كورد العراق لا يزالون شريكاً إستراتيجياً لواشنطن، بل تتعاظم أهميتهم لدى واشنطن بفضل المناخ الديمقراطي للإقليم، ودورهم الحاسم في تنفيذ أجندة واشنطن في المنطقة لا سيما في محاربة الإرهاب والتطرف.

بلا شك سقف كل من بغداد وتركيا وإيران بالمرصاد لجميع محاولات بايدن الداعمة لحقوق الكورد المشروعة. لكن ذلك لا بد وأن يكون محفزاً لكورد العراق للاستمرار والصمود في تعزيز وضعهم ومطالبهم المشروعة كعامل حاسم لاستمرار دعم بايدن لكورد العراق. 

* دكتوراه في العلوم السياسية