إدارة التكلفة الاستراتيجية ونظرية النوافذ المكسورة

Kurd24

"إن الكبائر تبدأ بالصغائر، أو أن عظيم النار من مستصغَر الشرر، أو صغائر الأمور بدايات عظائمها" هذا ما أشار إليه كل من جورج كلينج وجيمس ويلسون في نظريتهم المشهورة (نظرية النوافذ المكسورة)  فعلى سبيل المثال، إذا حطم أحدهم نافذة زجاجية في الطريق العام، وتُركت هذه النافذة دون تصليح، فسيبدأ المارة في الظن بأنه لا أحد يهتم (ليست هناك محاسبة)، وبالتالي فلا يوجد أحد يتولى زمام الأمور، ومنه فستبدأ نوافذ أخرى تتحطم على ذات المنوال، وستبدأ الفوضى تعمّ البيت المقابل لهذا النافذة، ومنه إلى الشارع، ومنه إلى المجتمع كله. بمعنى آخر، إن وجود النوافذ المكسورة في الشوارع يشجع المارة على كسر المزيد منها من باب العبث، ثم يتجرأ الفاعل فيكسر نوافذ السيارات، ثم يتحول العبث إلى جرأة فيتم اقتحام البيوت وسرقتها، أو إتلافها، كذلك الحال بالنسبة لوجود بعض المخلفات البسيطة يشجّع على رمي المزيد من المخلفات حتى ينعدم الذوق العام ولا يصبح للنظافة معنى .!!..

تأسيساً على ذلك يمكن القول إن هذه النظرية تقوم على فكرة مفادها، إن معالجة الأخطاء الدقيقة والقضاء على المشكلات الصغيرة منذ نشأتها ستؤدي إلى القضاء على المشكلات الكبيرة أو تجنب وقوعها في المستقبل. في أمريكا مثلا، فُرضت الضرائب على كل مخالفة صغيرة (مهما صغرت) فقلّت المخالفات الكبيرة واختفت الحوادث. ثم تبنّت الإدارات الحكومية والمؤسسات الخاصة هذه النظرية كأساس مهم في فن الإدارة لتطوير العمل ورفع الإنتاجية والارتقاء بالمنتج.

اعتماداً على الأفكار المترتبة على هذه النظرية، شهدت المؤسسات ميلاد فلسفات وأساليب محاسبية جديدة منها إدارة التكلفة الاستراتيجية. إن إدارة التكلفة كمصطلح يوصف الأنشطة والتقنيات التي تستخدمها الإدارة لتوظيف مواردها وبالشكل الذي يؤدي الى زيادة القيمة المقدمة للزبائن وتحقيق أهداف المؤسسة، حيث تعمل إدارة التكلفة على تحسين فاعلية تكاليف الشركة عن طريق فهم وإدارة المسببات الفعلية للتكاليف. وتعد تقنيات إدارة التكلفة بمثابة خارطة الطريق تهدف الى تقديم المساعدة لإدارة المؤسسات في مجالات البحث والتطوير، التخطيط، الرقابة على استخدام عوامل الإنتاج المتاحة لديها وتقييم الأداء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أصبحت وسيلة لإدارة المنافسة، كسب رضا الزبائن وتحقيق المزايا التنافسية المستدامة.

إن إدارة التكلفة الاستراتيجية هي عبارة عن مجموعة من التقنيات تستخدم بشكل منفرد او بصورة مجتمعة لتتبع تكلفة المنتجات والتحكم فيها على مدار مراحل دورة حياة المنتج للوصول بالتكلفة إلى أدنى حد لها، مع التركيز أيضا ًعلى تحليل عناصر البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة بهدف تقديم منتجاتها بمواصفات وخصائص تلبي احتياجات زبائنها وتقود الى تحسين وضعها الاستراتيجي وتحافظ على مزاياها التنافسية. إن تقنيات إدارة التكلفة الاستراتيجية تعمل بفلسفة التحسين والتطوير المستمر حيث تعمل بشكل مستمر من اجل إيجاد الطرق المناسبة لمساعدة الإدارة على اتخاذ القرارات الصحيحة بهدف تعظيم قيمة الزبائن وبأقل التكاليف. حيث يقوم المحاسب الإداري بتقديم المعلومات المناسبة لتحقيق تلك الأهداف عن طريق مجموعة من التقنيات منها على سبيل المثال: مدخل التكلفة على أساس دورة حياة المنتج، تقنية التكلفة المستهدفة، تحليل القيمة وهندسة القيمة وإعادة الهندسة، محاسبة التدفق العكسي، نظام الإنتاج في الوقت المحدد، إدارة كلف الجودة، المحاسبة الرشيقة، نظرية القيود ومحاسبة المخرجات، نظام التكاليف والإدارة على أساس الأنشطة، نظام التكلفة على أساس المواصفات، محاسبة استهلاك الموارد وغيرها من الأدوات والتقنيات.

إن جميع تقنيات إدارة التكلفة الاستراتيجية المذكورة في الفقرة أعلاه لها صلة بنظرية النوافذ المكسورة. وفي هذا المقال سيتم التحدث عن بعض من تلك التقنيات وفي حدود تعلق الأمر بنظرية النوافذ المكسورة. فعلى سبيل المثال، تمثل تقنية التكلفة المستهدفة تخطيطاً استباقيا للتكاليف، وإدارة للتكاليف، وممارسة لخفض التكاليف، حيث يتم تخطيط وإدارة تكاليف المنتج سواء كانت سلعة أو خدمة في وقت مبكر من مرحلة تصميم المنتج، بدلاً من المراحل اللاحقة من تطوير المنتج وإنتاجه وتسويقه الى الزبون. إن الوقاية خلال مرحلة تصميم المنتج سيجنب المؤسسة مشاكل معالجة ارتفاع تكاليف الإنتاج ومعالجة مشاكل عدم تطابق مواصفات المنتج مع متطلبات الزبائن في مرحلة الإنتاج ومرحلة ما بعد الإنتاج.

وفي نفس السياق، لكن خلال مرحلة الإنتاج، فالسعي للخروج بسلع أو خدمات خالية من العيوب، أي بدون أخطاء وبدون تأخير ومطابقة تماماً للمواصفات الموضوعة جميعها وعلى الدوام يُعتبر من أهم المبادئ لإدارة الجودة الشاملة، فيبذل الجهد المطلوب لأداء المهمة بالشكل المطلوب من المرَّة الأولى، فهذا سوف يقلل التكلفة وبالتالي زيادة الربح. ويتم ذلك بأن يعمل كل شخص عمله بشكل صحيح، وأن يحرص على الخروج بمنتجات وكذلك معلومات وأفكار وتقييمات وحلول من المحاولة الأولى، وتحقيق نظام وقائي لمنع الأخطاء قبل وقوعها، وهو ما يطلق عليها بتكاليف الوقاية. وهي تلك التكاليف التي تصرف لمنع حدوث عيوب في المنتج ومنع والوقاية من عدم مطابقة المنتجات مع المواصفات المطلوبة. إن العلاقة بين عناصر تكاليف الجودة خاضعة لقانون (100:10:1): فإنفاق 1 دينار على تكاليف الوقاية سوف يوفر 10 دنانير على تكاليف التقييم (فحص مستوى جودة المنتجات) و100 دينار على تكاليف الفشل الداخلي والخارجي (تكاليف الإنتاج المعيب أو تكاليف المنتجات غير المطابقة لمواصفات الجودة). وهذا يمثل تطبيق فعلي لمبادئ نظرية النوافذ المكسورة.

وفي الختام، يمكن القول إن القضاء على جوانب الهدر في التكاليف ومعالجة العيوب البسيطة في المنتج وتقليل زمن الانتظار وزمن تطوير المنتجات وعدم إهمال تفضيلات الزبائن، سيجنب المؤسسات المشكلات الأكبر والمتمثلة بعدم رضا الزبون وارتفاع تكلفة المنتجات وتحقيق الخسائر وأخيراً الخروج من سوق المنافسة. بعبارة أخرى إن ترك النافذة مكسورة بدون تصليح أو بعبارة أخرى إن ترك التكلفة بدون إدارة سيعطي فرصة للمنافسين للتغلب علينا في جانب التكلفة والجوانب الأخرى للميزة التنافسية مثل مستوى الجودة والعيوب الصفرية، السرعة في تسليم المنتج الى الزبون وفي الوقت المحدد، مرونة الإنتاج والعمليات الإنتاجية وتطوير المنتجات.

 

ملاحظة: الآراء التي ترد ضمن قسم المقالات تمثل آراء الكتّاب ولا تعبر بالضرورة عن رأي كوردستان 24.