حكومة كوردستان التاسعة إنموذجاً في مواجهة التحديات

Kurd24

ليس من السهل أن يُكتب المقال باسلوب منهج التفكيك والتحليل السياسي لاداء الحكومات العراقية المعاصرة في النظام الديمقراطي، والذي أنتج دستوراً يدوّن مجموعة من المبادئ التي ترسم شكل عملية العلاقات بين الحكومة الاتحادية والمحافظات التي تنتظم وفق قانون الاقاليم، ذلك ان التحديات التي واجهت البيئة العراقية لم تكن خارجية فحسب، وإنما جبهت بهزات اجتماعية شعبية عنيفة نتيجة بطء عملية التنمية والبناء بشكل عام.

فكيف بنا عندما نريد ان نضع الاداء السياسي لحكومات إقليم كوردستان تحت مجهر النقد والتحليل والكشف عن مضمون التحديات التي واجهها الاقليم طوال فترة تداعيات حرب الخليج ١٩٩١ وانعكاساتها على الواقع العراقي في شكل الدولة والنظام السياسي، والواجبات التي تقع عليها تجاه شعب اقليم كوردستان.

اتصور ان الخوض في هذه الجزيئات التي لا تعد ولا تحصى قد نحتاج فيها الى كتابة دراسات معمقة تتناول المحركات السياسية ونوع القادة الذين حافظوا على الحد الادنى للمواطن الكوردي من درجة العيش بطريقة آمنة تحفظ له كرامته وحقه الانساني في واقع معقد غير مستقر.

لذلك سأبقى عند الحكومة التاسعة في اقليم كوردستان بقيادة السيد مسرور بارزاني، اذ واجهت اصعب تحديين هما:

الأولى: هو تقييم العلاقة بين حكومات الاقليم والحكومات الاتحادية طوال فترة تأسيس الدولة العراقية التي تتمتع بنظام سياسي ديمقراطي والتي تعرضت هذه العلاقة مراراً الى هزات عنيفة، شُخصت اخطرها في قرار الاستفتاء لشعب إقليم كوردستان من سنة ٢٠١٧.

الثانية: مواجهة مجموعة التحديات الداخلية التي برّزت كمية الديون والتي هي في ذمة حكومة الإقليم الى القطاع الخاص (المقاولين)، ومشكلة قطع نسبة من رواتب موظفي الاقليم والتي اطلق عليها (بالادخار) طوال سنوات متتالية، مما شكلت ارقاما مالية كبيرة.

فضلاً عن الخلافات السياسية ما بين الاحزاب الكوردية الحاكمة والمشاركة في السلطة، مما ادى الى المطالبة بتقسيم ادارة الاقليم الى إدارتين والعودة الى المربع الأول، في ظروف استثنائية عاشها الإقليم ومن ابرزها قطع الموازنة ولسنوات متتالية.

كل هذه الملفات وغيرها كانت في المواجهة الأولى لرئيس حكومة الإقليم السيد مسرور بارزاني، والتي ضاعفت عليه المسؤولية الوطنية والاخلاقية في طرح برنامج حكومي يعالج هذه الملفات الشائكة والتحوّل نحو إحياء المشاريع الاستثمارية والاقتصادية وصياغة تفاهمات جديدة بين الاحزاب الكوردية المشاركة في سلطة القرار، والشروع نحو انهاء الخلاف العميق مع الحكومة الاتحادية وفق بنود الدستور الذي صوت عليه الشعب العراقي عام ٢٠٠٥.

لم يكن الامر يسيراً بل أحتاج الى قرارات سيادية قوية مدعومة من مجلس النواب في الإقليم تطرح خيارا استثنائيا يعمل على تقويض الاحتدام ما بين احزاب السلطة والمضي نحو مسار سياسي آخر يحافظ على نوعية المنجزات التي حققها اقليم كوردستان والمكاسب الاستراتيجية لموقع الإقليم في المنطقة.

السؤال الجوهري الذي يطرح امام الباحث والمتابع في الشأن السياسي هو: كيف استطاعت حكومة السيد مسرور بارزاني ان تقدم منجزاً ملموساً في الوقت الذي تزامن مع استفحال ازمة عالمية ودولية في انتشار وباء كورونا والذي ساهم في شلل القطاع الاقتصادي بشكل كبير من جانب، وتفاقم ازمة العلاقة مع حكومة بغداد ووقف ارسال المبالغ المالية من جانب آخر.

اجابة السؤال تكشف عن تحقيق نسبة انجاز استثنائية من برنامج حكومة الإقليم الذي يبين تدني مؤشر الديون الداخلية بنسبة اربعة مليار دولار عن الرقم المعلن آنذاك.

كذلك يكشف عن زيادة واردات الاقليم التي اتاحت للحكومة تسديد رواتب الموظفين، فضلاً عن تنفيذ ٣٤٢٥ مشروع في قطاع الزراعة والصناعة والبنية التحتية اضافة الى تطوير قطاع الصحة والتعليم.

لم تكتف الحكومة في تقويم الواقع في كوردستان فحسب، بل توجهت نحو الحلول الاستراتيجية التي تنهي المشكلات العالقة مع حكومة بغداد ومن بينها واهمها، مشروع قانون النفط والغاز، المتعلق بالمادة ١١١، والمادة ١١٢ من مواد الدستور العراقي، واستمرت المباحثات البينية مع الحكومة الاتحادية للاتفاق على اقرار القانون في مجلس النواب والتصويت عليه، لينهي ازمة تاريخية دفع ثمنها الشعب العراقي بشكل كبير. فضلاً عن اعادة التفاهمات السابقة فيما يخص الحدود الادارية والمناطق المتنازع عليها.

قد تكون الاربعة سنوات من عمر حكومة السيد مسرور البارزانى هي غير كافية لانهاء برنامج المشروع الاستراتيجي للإقليم، في ضوء صورة المستقبل المرسوم في مخيلة الحكومة، اي الصورة التي تتكلم عن تاريخ طويل من البناء والاعمار وإحياء القطاعات الحيوية والتنمية السكانية والاقتصادية.

والتي كشفت عن مضامين العمل الميداني والذي يتجلى امام المواطن ويشعره في ان المستقبل سيكون افضل من الحاضر، استدامة حالة التفاؤل مرهون بوجود حكومة تمتلك ادوات الجدة والتحديث المتفاعل مع المتغيرات الآنية للمنطقة والعالم، يمكن ان تكون حكومة السيد مسرور انموذجاً حسناً في تمثيل هذه الحكومات.


المصدر: صحيفة كلمة