
د. دلدار فرزنده زيباري
عميد كلية عقرة التقنية - جامعة عقرة للعلوم التطبيقية
العدالة المالية والاقتصادية.. ضرورة وطنية لتعزيز استقرار إقليم كوردستان ودعم التنمية في العراق

منذ عام 2014، يواجه إقليم كوردستان العراق تحديات مالية واقتصادية جسيمة نتيجة السياسات التمييزية التي تمارسها الحكومة الاتحادية في بغداد، والتي تمثلت في تقليص أو توقف إرسال حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية، وحرمانه من برامج الدعم الاتحادي في مختلف القطاعات الحيوية. هذه السياسات انعكست بشكل مباشر على حياة المواطنين في الإقليم، وأثرت سلباً على جودة الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، في وقت استمرت فيه باقي المحافظات العراقية في تلقي الدعم المالي واللوجستي الكامل من بغداد.
أرقام وحقائق: صورة واضحة للتمييز المالي
لإيضاح حجم التحديات التي يواجهها الإقليم، نقدم فيما يلي جدولاً يضم أبرز الأرقام والنسب المتعلقة بالتمييز المالي والإداري، مع الإشارة إلى مصدر كل معلومة:


تحليل الأرقام: تداعيات التمييز المالي على الإقليم
توضح هذه الأرقام أن إقليم كوردستان لم يحصل على حقوقه الدستورية في الموازنة والدعم المركزي، ما أدى إلى عجز كبير في القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية، وتراجع في مشاريع البنية التحتية، وحرمان المواطنين من فرص القروض والدعم الزراعي، إضافة إلى ارتفاع أسعار السلع بسبب فروقات سعر الصرف وغياب الدعم للمشتقات النفطية.
ورغم أن الإقليم يمثل أكثر من 15% من سكان العراق، إلا أن نسبة استفادته من برامج الدعم المركزي (القروض، الزمالات، الرعاية الاجتماعية) لا تتجاوز في معظم الأحيان 2-5% فقط، وهو ما يعكس خللاً واضحاً في العدالة المالية.
جهود حكومة إقليم كوردستان: صمود وإبداع رغم التحديات
أمام هذه التحديات، بذلت حكومة إقليم كوردستان جهوداً جبارة للاعتماد على الموارد الذاتية، من خلال تطوير قطاع النفط، وتنمية الإيرادات المحلية، وتبني سياسات تقشفية لضمان استمرار الخدمات الأساسية للمواطنين. ورغم محدودية الإمكانيات، نجحت حكومة الإقليم في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والأمني، وتوفير الحد الأدنى من الخدمات، في وقت شهدت فيه بعض المحافظات العراقية اضطرابات كبيرة رغم الدعم المالي الاتحادي.
ملف السدود: غياب الاستثمار الاتحادي في الأمن المائي للإقليم
رغم أن إقليم كوردستان يمتلك موارد مائية هائلة ومناخاً ملائماً لبناء السدود، لم تقم الحكومة الاتحادية حتى الآن بتمويل أو تنفيذ أي مشروع سد كبير في الإقليم، على عكس ما حدث في محافظات أخرى. هذا الإهمال أدى إلى فقدان كميات كبيرة من المياه سنوياً، وحرمان الإقليم من فرص تطوير الزراعة وتوليد الطاقة الكهربائية، وزيادة مخاطر الفيضانات. وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن بناء السدود في كوردستان يمكن أن يرفع إنتاجية الزراعة بنسبة 30% ويوفر آلاف فرص العمل.
الخلاصة: العدالة المالية أساس الاستقرار الوطني
إن استمرار السياسات التمييزية من قبل الحكومة الاتحادية تجاه إقليم كوردستان لا يهدد فقط استقرار الإقليم، بل ينعكس سلباً على وحدة العراق وتقدمه. إن تحقيق العدالة في توزيع الموارد والفرص بين جميع المحافظات، بما فيها إقليم كوردستان، هو التزام دستوري ووطني، وشرط أساسي لتعزيز التكامل الاقتصادي والاجتماعي، وجعل كوردستان رافداً أساسياً للأمن الغذائي والتنمية في العراق كله.
ندعو من هذا المنبر الحكومة الاتحادية إلى مراجعة سياساتها، والالتزام بمسؤولياتها الدستورية تجاه جميع أبناء الشعب العراقي، والعمل على إزالة الحواجز الإدارية والمالية، وضمان العدالة في توزيع الموارد والدعم، بما يحقق التنمية المستدامة والازدهار لجميع العراقيين.