تكييف نموذج "نافذة الحكومة" المجري لتعزيز الوصول إلى الخدمات العامة في إقليم كردستان

تكييف نموذج "نافذة الحكومة" المجري لتعزيز الوصول إلى الخدمات العامة في إقليم كردستان
تكييف نموذج "نافذة الحكومة" المجري لتعزيز الوصول إلى الخدمات العامة في إقليم كردستان

يعد تقديم الخدمات الحكومية بكفاءة محوراً أساسياً للتنمية الشاملة وبناء الثقة المجتمعية. وفي العديد من السياقات النامية، غالباً ما يواجه سكان المناطق الريفية والمدن الصغيرة تحديات إدارية، مثل ضرورة السفر لمسافات طويلة إلى المراكز الحضرية لإنجاز المعاملات الحكومية الأساسية. وما زالت هذه العقبات قائمة في إقليم كوردستان، ما يشكل عائقاً أمام تكافؤ الفرص ويدعم تصورات سلبية حول فعالية المؤسسات الحكومية. في المقابل، تقدّم دراسات الحالة الدولية حلولاً عملية. ويبرز نظام "نافذة الحكومة" المجري كنموذج ناجح للامركزية في الخدمات العامة، ويوفر مثالاً يمكن تكييفه بسهولة مع احتياجات إقليم كردستان، خصوصاً مع تنامي حراك التحول الرقمي في المنطقة.

 

نظام "نافذة الحكومة" المجري (كورمانيابلاك): لمحة عامة

استجابةً لمطالب المواطنين بخدمات أكثر يسراً، أطلقت المجر نظام "نافذة الحكومة" عام 2011، والذي أسس شبكة تضم أكثر من 300 مكتب حكومي متكامل الخدمات. لا تقتصر هذه المكاتب على عواصم المقاطعات، بل تمتد لتشمل المدن المتوسطة وبعض التجمعات السكانية الصغيرة. تتكامل هذه المكاتب عبر بنية تحتية رقمية متقدمة، مما يمكّنها من إدارة مجموعة واسعة من المعاملات الإدارية. يمكن للمواطنين عبر هذه المراكز إنهاء إجراءات إصدار الوثائق الشخصية وتسجيل الشركات، وترخيص المركبات، والتأمينات الاجتماعية، والحصول على المساعدات العائلية. والأهم من ذلك، أصبح بإمكان المواطنين تجنّب السفر إلى المدن الكبرى مثل بودابست، مما يقلل من الوقت والتكاليف والعبء البيروقراطي.

وتتمثل إحدى الابتكارات الجديرة بالذكر في المجر في تسيير وحدات خدمة حكومية متنقلة: شاحنات مجهزة بالكامل تزور بانتظام المجتمعات النائية أو الأقل حظاً، مقدّمة دعماً إدارياً فورياً في أماكن تواجد المواطنين.

وقد ساهمت آليات التقييم المستمرة، والاستثمار في تدريب الكوادر، في نجاح هذا النظام، معززة بذلك ثقافة الخدمة العامة ومبدأ التحسين الدائم.

 

التحول الرقمي في كوردستان: الإنجازات والفرص

باشرت حكومة إقليم كوردستان خطوات مهمة في رقمنة العديد من الخدمات الحكومية، إذ باتت البوابات الإلكترونية معتمدة لتقديم خدمات المرافق، وحجز المواعيد، وبعض الوثائق المدنية. يُمثل هذا التحول الرقمي خطوة متقدمة تعكس جاهزية البنية التحتية وقدرة المجتمع على تقبل الخدمات الحديثة. إلا أن العديد من المعاملات الإدارية ما تزال تتطلب الحضور الشخصي في الدوائر الحكومية داخل المدن الكبرى، ما يشكل تحدياً حقيقياً لمواطني المناطق النائية والبلدات الصغيرة.

 

نحو نموذج خدمة عامة متكامل يركّز على المواطن

يمكن لإقليم كوردستان الاستفادة من التجربة المجرية وتعزيز إمكانية الحصول على الخدمات الحكومية ورفع مستوى الكفاءة من خلال التدابير التالية:

 

1. إنشاء مراكز خدمة حكومية شاملة:

يتعين على حكومة الإقليم دراسة إنشاء مراكز خدمة متكاملة في كل مدينة وقضاء وغالبية النواحي. ستتيح "نوافذ حكومة كوردستان" للمواطنين إتمام معظم معاملاتهم الحكومية - من السجل المدني والتراخيص، وصولاً إلى خدمات الدعم الاجتماعي - عبر مكتب واحد قريب.

 

2. توسيع الوحدات المتنقلة للخدمات:

بالاستفادة من فكرة الوحدات المتنقلة في المجر، يمكن للحكومة توفير خدمات إدارية منتظمة للقرى النائية والمناطق التي يصعب الوصول إليها. هذا التكامل يضمن عدم حرمان أي مواطن من حقه بالخدمة الحكومية عند تطور أنظمة الخدمة.

 

3. دمج وتوسيع الخدمات الرقمية:

يمكن تعزيز وتطوير بنية تحتية رقمية موحدة لربط جميع مراكز الخدمة، بما يسمح بالوصول الآمن والفوري إلى قواعد البيانات الوطنية، ويقضي على تكرار الأعمال الورقية. ويمكن عبر بوابات الحكومة الإلكترونية المطورة، تمكين المواطنين من بدء الإجراءات، والاستعلام، وحجز المواعيد عبر الإنترنت، ليتكامل ذلك بسلاسة مع تقديم الخدمات حضورياً.

 

4. بناء القدرات وتعزيز الوعي المجتمعي:

يعتبر تدريب الموظفين الحكوميين بشكل شامل، إلى جانب حملات التوعية العامة، أمراً أساسياً لنجاح تنفيذ النظام واستدامة تطويره، بما يمكّن من إدارة عامة فعالة تركز على خدمة المواطن.

 

الفوائد المتوقعة

من شأن تبني النموذج المجري أن يحقق العديد من المكاسب لإقليم كوردستان، منها:

- العدالة في الوصول: تتيح لسكان الريف والبلدات الصغيرة خدمات حكومية محلية وموثوقة.

- الكفاءة والشفافية: تقلل من البيروقراطية وتدعم خفض التكاليف وتعزز الرقابة للحد من الفساد.

- بناء الثقة المجتمعية: يسهم تحسين جودة الخدمة وسرعة إنجاز المعاملات في تعزيز ثقة المجتمع بالمؤسسات الحكومية.

- نموذج يُحتذى به: من الممكن أن يشكل هذا النظام في كوردستان تجربة رائدة يمكن تعميمها مستقبلاً على مستوى العراق.

 

يواجه إقليم كوردستان فرصة استراتيجية لتحديث منظومة إدارته العامة. وعبر الاستفادة من النجاحات الرقمية المحققة وتبني نماذج دولية فعالة مثل "نافذة الحكومة" في المجر، تستطيع حكومة الإقليم تقديم خدمات حكومية أكثر فعالية وشمولاً وموثوقية. وتثبت التجربة المجرية أن تعزيز اللامركزية والتكامل الرقمي والتمحور حول احتياجات المواطن عناصر قادرة على إحداث تحول جوهري في العلاقة اليومية بين الحكومة والمجتمع – وهو توجه حيوي وقابل للتطبيق في سياق كوردستان اليوم.