
د. دلدار فرزنده زيباري
عميد كلية عقرة التقنية - جامعة عقرة للعلوم التطبيقية
فهم نموذج مراكز التوظيف في المملكة المتحدة وإمكانيات تطبيقه في إقليم كوردستان

يُعد نموذج مراكز التوظيف، المُطبق في المملكة المتحدة، حجر الزاوية في استراتيجية الحكومة لمكافحة البطالة ودعم الباحثين عن العمل، وعلى امتداد شبكة واسعة من المراكز المنتشرة في البلاد، لا يقتصر دور تلك المراكز على توفير فرص العمل فقط، بل تمثل أيضًا نقطة ارتكاز لخدمات الرعاية الاجتماعية، وتطوير المهارات، وتوفير بيانات دقيقة حول سوق العمل. ونظرًا لتزايد المخاوف بشأن معدلات البطالة في إقليم كردستان العراق، يمكن أن يؤدي استنساخ هذا النموذج إلى تحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية كبيرة، كما سيدعم جهود الحكومة الرامية إلى تعزيز كفاءة سوق العمل وتنمية رأس المال البشري.
هيكل ووظائف مراكز التوظيف في المملكة المتحدة
تُشرف وزارة العمل والمعاشات (DWP) على إدارة مراكز التوظيف في المملكة المتحدة، إذ تتوزع المراكز بشكل استراتيجي في مختلف المناطق والمدن بما يُسهم في خدمة أكبر شريحة ممكنة من أفراد المجتمع. وتتمثل وظائف مراكز التوظيف الرئيسية في ربط الباحثين عن عمل بالفرص الوظيفية المتاحة، وتقديم المشورة المهنية، وتنظيم الورش والدورات التدريبية، إلى جانب إدارة المزايا الاجتماعية مثل الائتمان الشامل. وتتميز هذه المراكز بتكامل دورها الاستشاري مع الجانب التنفيذي، إذ تتواصل بشكل فعال مع أصحاب العمل والباحثين عن عمل على حد سواء.
علاوة على ذلك، تلعب المراكز دورًا حاسمًا في تحديد وتذليل العقبات التي تحول دون اندماج الأفراد في سوق العمل، مثل نقص المهارات، والإعاقة، وغياب خدمات رعاية الأطفال، والبطالة طويلة الأمد. ولمعالجة هذه التحديات، توفر المراكز حلولًا مصممة خصيصًا، تشمل التدريب المهني، والتحضير للمقابلات، والتوجيه للمسارات المهنية البديلة. وتساهم الشراكات المتينة مع الشركات والمؤسسات التعليمية في تعزيز فرص التدريب العملي والتدريب داخل قطاعات العمل والتلمذة الصناعية، بما يُسهم في رفع قابلية التوظيف وتسهيل المواءمة بين المهارات واحتياجات السوق.
إمكانيات التطبيق في إقليم كردستان العراق
تتطلب عملية تطبيق نموذج مراكز التوظيف في إقليم كردستان فهمًا عميقًا للسياقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحلية. وتواجه سوق العمل في الإقليم تحديات فريدة، من بينها ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وعدم مواءمة المهارات مع الاحتياجات الفعلية، وانتشار القطاع غير الرسمي، والتأثيرات الناجمة عن عدم الاستقرار الإقليمي. من هذا المنطلق، يُمكن أن تساهم شبكة مراكز التوظيف في معالجة هذه القضايا عبر تقديم خدمات مركزية شاملة لتسهيل عملية التوظيف، وجمع الوظائف المتاحة في منصة واحدة، وإتاحة الوصول إلى موارد الإرشاد المهني والتدريب لكافة الباحثين عن العمل.
إن إنشاء مراكز التوظيف من شأنه تنظيم معلومات سوق العمل وتيسير وصول الباحثين عن العمل إلى بيانات دقيقة حول احتياجات أصحاب العمل والمهارات المطلوبة. كما يمكن لتلك المراكز التنسيق مع المعاهد المهنية والجامعات لوضع برامج تدريبية متخصصة تتناسب مع متطلبات سوق العمل الفعلي، مما يسمح بتسهيل الانتقال من مرحلة الدراسة إلى مرحلة الانخراط في العمل. وتعزز هذه المراكز من فاعلية برامج سوق العمل النشطة، مثل التدريب الداخلي والتلمذة المهنية والتدريب التطبيقي، بما يحد من الاعتماد على الوسائل غير الرسمية في البحث عن فرص العمل.
أثر مراكز التوظيف في الحد من البطالة
تكمن الأهمية الجوهرية لاعتماد نظام مراكز التوظيف في إقليم كردستان في زيادة المشاركة الفاعلة في سوق العمل وخفض معدلات البطالة. فمن خلال ربط الباحثين عن عمل بشكل فعال بالوظائف المناسبة، تزداد فرص حصول الأفراد على وظائف ملائمة بسرعة، الأمر الذي يعود بالنفع على رفاهية المجتمع والإنتاجية الاقتصادية بشكل عام.
بالإضافة إلى ذلك، توفر مراكز التوظيف منهجية مبنية على البيانات في وضع السياسات، إذ تسمح بتجميع وتحليل بيانات سوق العمل، مما يمكّن الجهات الحكومية من رصد توجهات العرض والطلب على المهارات وتصميم التدخلات الملائمة. ويُؤدي التركيز على تطوير المهارات إلى توفير فرص تواكب الاحتياجات الحالية والمستقبلية لسوق العمل، وتأهيل الباحثين عن عمل لتحولات السوق المتوقعة.
ومن جانب آخر، تساهم المراكز في مكافحة البطالة طويلة الأمد من خلال تقديم دعم مكثف مصمم لاحتياجات الأفراد، وتعزيز شمولية سوق العمل والتماسك الاجتماعي. وتثبت نجاحات هذا النموذج في المملكة المتحدة قدرته على التكيّف والقيمة المضافة التي يقدمها عند تطبيقه في سياقات متنوعة.
إن تبني نموذج مراكز التوظيف في إقليم كردستان العراق يمثل خطوة استراتيجية نحو الحد من البطالة، وتحسين أداء سوق العمل، وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة. ومن خلال إتاحة فرص التوظيف وخدمات التدريب والدعم المهني تحت مظلة واحدة، تستطيع المراكز أن تلعب دورًا محوريًا في معالجة التحديات المرتبطة بالبطالة، ودعم شباب المنطقة والفئات الأكثر حاجة، وصولًا إلى بناء مجتمع أكثر إنتاجية واندماجًا.