رحيل "مؤرخ الرواية" وصوت المتمردين صنع الله إبراهيم

أربيل (كوردستان24)- غيب الموت، اليوم الأربعاء 13 أغسطس/آب، الكاتب المصري الكبير صنع الله إبراهيم، أحد أبرز أعمدة الرواية العربية الحديثة، عن عمر يناهز 88 عاماً، في أحد مستشفيات القاهرة بعد صراع مع المرض، مخلفاً وراءه إرثاً أدبياً فريداً جعله صوتاً للتحولات السياسية والاجتماعية في مصر والعالم العربي.

ويُعد إبراهيم، المولود في القاهرة عام 1937، من القلائل الذين أسهموا في تشكيل وعي أجيال من القراء العرب، معتمداً على أسلوب سردي خاص مزج فيه ببراعة بين التوثيق التاريخي والخيال الروائي. ولطالما وُصفت أعماله بأنها "تأريخ أدبي" جاذب، حيث غاصت في أعماق حقب تاريخية مفصلية من خلال أحداث واقعية دمجها بإبداع في سير أبطاله.

من السجن إلى الرواية: "الجامعة الحقيقية"

لم تكن مسيرة صنع الله إبراهيم الأدبية منفصلة عن حياته السياسية الصاخبة. فمنذ شبابه، انخرط في العمل السياسي ذا التوجه اليساري، وانضم إلى تنظيم شيوعي سري، مما أدى إلى اعتقاله عام 1959 ليقضي في السجون نحو خمس سنوات.

كانت تجربة السجن بمثابة "الجامعة الحقيقية" له، كما وصفها لاحقاً. فهناك، تعرف على عمالقة الأدب العالمي، وتحولت الكتابة بالنسبة له إلى فعل "مقاومة" ضد كافة أشكال القمع والاستبداد، لتتشكل ملامح مشروعه الأدبي الذي ارتبط بقضايا الإنسان والوطن.

بعد خروجه، عمل في الصحافة متنقلاً بين القاهرة وبرلين الشرقية وموسكو، قبل أن يعود إلى مصر في منتصف السبعينيات ليتفرغ كلياً للكتابة.

موقف لا يُنسى: رفض جائزة الدولة

سيظل صنع الله إبراهيم محفوراً في الذاكرة ليس فقط بأعماله، بل بمواقفه الصلبة. ففي عام 2003، أحدث ضجة كبرى حين أعلن رفضه تسلم "جائزة الرواية العربية"، أرفع جائزة أدبية تمنحها الدولة المصرية، معللاً ذلك بأنها "صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد".

وفي كلمته الشهيرة آنذاك، انتقد بشدة سياسات الحكومة المصرية، والتطبيع مع إسرائيل، و"الإملاءات الأمريكية"، وهو موقف رسّخ صورته كأديب ملتزم لا يساوم على مبادئه.

إرث روائي خالد

ترك الراحل مكتبة غنية بأعمال خالدة، من أبرزها رواية "اللجنة" (1981) التي انتقدت عصر الانفتاح الاقتصادي، و"بيروت بيروت" (1984) التي وثقت يوميات الحرب الأهلية اللبنانية، وروايته الأيقونية "ذات" (1992) التي رصدت تحولات المجتمع المصري منذ ثورة يوليو وتحولت لاحقاً إلى مسلسل تلفزيوني شهير. كما استعاد في رواية "وردة" (2000) تاريخ ثورة ظفار في سلطنة عمان.

رحيل مؤثر ونعي واسع

عانى صنع الله إبراهيم في أشهره الأخيرة من تدهور حالته الصحية، حيث تعرض لأزمة حادة في مارس/آذار الماضي، أعقبها كسر في عظم الفخذ في مايو/أيار، قبل أن يصاب بالتهاب رئوي حاد أودى بحياته.

 
Fly Erbil Advertisment