مشروع "روناكي".. نقلة نوعية في معالجة أزمة الكهرباء بإقليم كوردستان

أربيل (كوردستان24)- عانى العراق عموماً، وإقليم كوردستان خصوصاً، من أزمة كهرباء مستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث لم تتجاوز ساعات التجهيز الوطني في أحسن الأحوال 12 ساعة يومياً، فيما لجأ المواطنون إلى المولدات الأهلية لتغطية النقص. هذا الواقع لم يرهق المواطنين مالياً فقط، بل تسبب في أزمة بيئية خطيرة نتيجة انبعاثات آلاف المولدات العاملة بالديزل داخل الأحياء السكنية.
أمام هذا التحدي، وضعت حكومة إقليم كوردستان برئاسة مسرور بارزاني خطة استراتيجية لإيجاد حل جذري يضع حداً لانقطاع الكهرباء. وكانت النتيجة إطلاق مشروع "روناكي" (الإنارة) في 2024، والذي بات اليوم يُعتبر واحداً من أبرز المشاريع الخدمية في تاريخ الإقليم.


أرقام تكشف حجم الإنجاز
بحسب بيانات حكومة الإقليم، فإن نحو 4 ملايين مواطن وأكثر من 115 ألف محل تجاري في أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة باتوا يتمتعون بالكهرباء المستمرة بفضل مشروع روناكي.
في أربيل وحدها، يستفيد أكثر من 1.9 مليون مواطن.
في السليمانية، يتجاوز العدد 1.3 مليون مواطن.
في دهوك، نحو 351 ألف مواطن.
أما حلبجة، فقد أصبحت أول محافظة في الإقليم والعراق تنعم بالكهرباء المستمرة بالكامل.
وبذلك يغطي المشروع حالياً ما يزيد عن 50% من سكان كوردستان خلال أقل من عام على إطلاقه.


الأثر البيئي والاقتصادي
أحد أبرز إنجازات المشروع هو إطفاء أكثر من 3,200 مولدة ديزل في عموم الإقليم، مما ساهم في تقليل الانبعاثات السنوية بما يقارب 600 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون. هذا الإنجاز لم ينعكس فقط على نقاء الهواء، بل أسهم في جعل المدن أكثر صحة وأماناً للأطفال.
إلى جانب ذلك، أظهرت الإحصاءات تغيّراً في أنماط الاستهلاك، حيث أصبح المواطنون أكثر وعياً بترشيد الطاقة، فيما انخفضت فواتير الكهرباء على نحو ملحوظ. وتشير الأرقام إلى أن نحو 80% من الأسر تدفع مبالغ أقل مقارنة بما كانت تدفعه سابقاً للمولدات الأهلية.


العدالة الاجتماعية في الفواتير
لتخفيف العبء عن الفئات ذات الدخل المحدود، اعتمدت حكومة الإقليم تعرفة تصاعدية تراعي الاستهلاك المنزلي. هذه الخطوة ساعدت في تقليل الفواتير بشكل كبير، حيث انخفضت كلفة الكهرباء بالنسبة لمعظم المواطنين إلى ما بين 7 و18 ألف دينار شهرياً، بدلاً من 40 أو 50 ألف دينار كانت تُدفع سابقاً لأصحاب المولدات.


رؤية مستقبلية حتى 2026
أكد رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني أن مشروع "روناكي" سيكتمل بحلول نهاية عام 2026، ليغطي جميع مدن وبلدات وقرى الإقليم، بحيث يحصل كل منزل ومشروع تجاري على الكهرباء على مدار الساعة. وأضاف أن الحكومة مستعدة لتبادل خبراتها مع باقي مناطق العراق لتكرار التجربة الناجحة.

في هذا السياق، بدأت أعمال صيانة وتطوير شبكات الكهرباء، استعداداً لتطبيق المشروع مطلع 2026. وتؤكد وزارة الكهرباء أن فرقها تواصل العمل على توسعة الشبكات وتأهيل المحولات، مع إجراء اختبارات فنية لضمان استقرار الخدمة.


شهادات من المواطنين
انعكست نتائج المشروع بشكل مباشر على حياة الناس. يقول عطاء كريم، صاحب ورشة لتصليح السيارات في السليمانية، إنه كان يدفع مبالغ طائلة للمولدات، لكن فاتورته بعد تشغيل مشروع روناكي لم تتجاوز 9 آلاف دينار شهرياً.
من جانبها، تشير ميديا عباس، وهي معلمة من دهوك، إلى أن "الحياة قبل الكهرباء المستمرة كانت مرهقة بسبب أعطال المولدات وضجيجها ودخانها"، مضيفة أن "المشروع غيّر حياتنا، وأصبح بإمكاننا تشغيل الأجهزة المنزلية بحرية واستنشاق هواء أنقى".


روناكي كنموذج وطني
بينما لا يزال المواطنون في بغداد والبصرة ومدن الجنوب يعانون من الانقطاعات المستمرة وارتفاع تكاليف المولدات، يطرح نجاح مشروع روناكي في كوردستان سؤالاً محورياً: هل يمكن أن يُعمم النموذج ليصبح حلاً لأزمة الكهرباء في عموم العراق؟
الإجابة، وفق مراقبين، تعتمد على وجود إرادة سياسية ورؤية استراتيجية مشابهة لتلك التي وضعتها حكومة إقليم كوردستان. فالمشروع لم يقتصر على معالجة نقص الكهرباء، بل قدّم حلاً بيئياً وصحياً واقتصادياً متكاملاً.
منذ انطلاقه قبل أقل من عام، حقق مشروع "روناكي" إنجازات ملموسة غيّرت حياة ملايين المواطنين في إقليم كوردستان. ومع استمرار العمل لتغطية الإقليم بالكامل بحلول 2026، يثبت المشروع أن معالجة أزمة الكهرباء في العراق ممكنة إذا ما اقترنت الخطط بالإرادة والالتزام والتنفيذ الفعلي.

 
Fly Erbil Advertisment