هكذا قالت خَبات .. الديمقراطية هي الحل

Kurd24

يصادف اليوم الرابع من نيسان الذكرى الخامسة والستين للصدور العلني لصحيفة (خَبات-النضال) الصحيفة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد والتي اجيزت من قبل وزارة الداخلية للحكومة العراقية في عام 1959 بعد عودة البارزاني الخالد ورفاقه من الاتحاد السوفييتي سابقا، وفي افتتاحية عددها اليوم اشارت الصحيفة الى ان الجميع قد فتح صفحة جديدة لحياة سياسية مستقرة في العراق وان الحلول الناجحة لمشاكل العراق تكمن فقط في التطبيق الحقيقي والصحيح للديمقراطية، وفي تلك الفترة قوبل هذا المصطلح بالكثير من من التحفظ او الاعتراض او على الاقل السكوت عنه، لان الاطراف والاحزاب والجهات التي انخرطت في العملية السياسية قبل وبعد الجمهورية لم تكن ترى الحكم الا من زاوية واحدة فقط في اطار ضيق يحمل في طياته نهجهم وطريقتهم في التعامل والتعاطي مع السياسة، بمعنى ان الاطراف اليمينية ذات الهوية الدينية كانت ترى في الديمقراطية شيئا من عدم الجواز شرعا، واليساريين كانوا يؤمنون بدكتاتورية الطبقة العاملة، اما القوميون كانوا متاثرين بالمستجدات السياسية التي حدثت في مصر بعد اسقاط النظام الملكي والمد القومي الذي كان يدعو اليه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وبذلك لايمكن لاصحاب هذا الفكر القبول بوجود التعددية في العراق وهذا ماحصل فعلا من قبلهم في مرحلتي العارفين والبعث، اما بقية التيارات التي عرفت نفسها على انها مدنية ومؤمنة بحرية الفرد والمواطنة، فلم تكن الا ميالة اما لليمين او لليسار وتتحالف بين الفينة والاخرى مع احداها من اجل الوصول الى السلطة وان كان بمقعد نيابي او وزارة، وهنا .. الحزب الديمقراطي الكوردستاني فقط هو الحزب الوحيد الذي دعا الى هذا النوع من الحكم كصيغة مقبولة لجميع المكونات القومية والدينية العراقية بعد عقود من حالة عدم الاستقرار في هذه الدولة التي كانت تعتبر فتية في تلك الفترة.

وفي تلك الفترة بينت السلطة السياسية بانها سباقة لحل المشاكل مع الجانب الكوردستاني بعد ثورات ومناوشات عسكرية استمرت لمدة عقود، لكن التنصل عن كل الوعود التي اطلقتها السلطة في تلك الفترة كان سريعا حيث سحبت رخصة الصحيفة واستولت السلطات العسكرية على مطبعتها واوقفت اصدارها في بغداد ، لتنطلق ثورة ايلول في الحادي عشر من ايلول لعام 1961 .

وبعد اربعة وستين عاما من هذا التاريخ، وبعد تصرفات ذاتها تكررت في مرحلة الديمقراطية بايقاف اصدار صحيفة التاخي والهجوم لاكثر من مرة على مقرات الحزب الديمقراطي في بغداد،  وفي ذات اليوم اي في الرابع من نيسان  لعام 2023 ، وقع كل من مسرور بارزاني رئيس حكومة اقليم كوردستان ومحمد شياع السوداني رئيس وزراء الحكومة (التي نحن في كوردستان فقط نقول عنها اتحادية)، على اتفاق خاص بالملف النفطي ليكون بمثابة صيغة التفاهم بين الجانبين لحل مشكلة رواتب موظفي الاقليم ومستحقات الاقليم المالية وحصة الاقليم من الموازنة العامة العراقية، واعلن عن الاتفاق عبر الهواء مباشرة بحضور رئيسي الحكومتين والوزراء المعنيين، ولم يمر شهرين على هذه الاتفاقية الا والتفت الاطراف السياسية على الاتفاقية واستخدمت المحكمة الاتحادية على ذات الشاكلة التي كنا نراها في فترة محكمة الثورة لتصدر قرارا تلو الاخر تضيق فيها على الاقليم وتتجاوز على صلاحياته وتتحدى الدستور والمفارقة هنا ان جميع القرارات المتعلقة باقليم كوردستان تتفق عليها هيئة المحكمة بسرعة قياسية ودون اية خلافات وكانها مخطط لها مسبقا.

ويوم امس ايضا، اي في الثالث من نيسان وفي تاريخ مقارب جدا للحدثين الذين تحدثت عنهما، وباصرار كبير جدا من رئيس حكومة اقليم كوردستان مسرور بارزاني، اتفقت الحكومتين على حل المشاكل المتعلقة بمسالة رواتب الموظفين والاستمرار على ذات الآلية لارسال مستحقات الاقليم لتمويل الرواتب وتوزيعها على اساس تطبيق حسابي والذي بداته حكومة الاقليم، ليشكل هذا الموضوع ضربة قاصمة لكل من اراد تشويه وتشتيت الحقائق وربط الموضوع بمسالة التوطين او الاتمتة التي تحججت بها بغداد لتاخير ارسال هذه المستحقات عادة اياها تحديا اخرا لحكومة اقليم كوردستان في اطار خططقها لتضييق الخناق عليها في سياسة تنفذها منذ عشرة اعوام.

ومن الواضح بان العامل الخارجي لعب دورا مهما في هذا الموضوع، حيث كانت لزيارة مسرور بارزاني الى الولايات المتحدة الامريكية تاثيرا كبيرا في توضيح الصورة الحقيقية لما يعانيه اقليم كوردستان من جراء هذه السياسات المتبعة من قبل الحكومة العراقية، لتاتي الزيارات المتتالية للسفيرة الامريكية والبعثة الدولية للامم المتحدة وسفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية لدول العالم في العراق لبغداد واربيل والاستفهام اكثر عن هذا الموضوع بعد كل التوضيحات التي قدمت من قبل نواب الحزب الديمقراطي الكوردستاني حول عدد الموظفين وحجم الحاجة المالية للاقليم لتمويل الرواتب والمقارنة في نسبة الرواتب ومايحتاجه الاقليم بين الاقليم ووزارة واحدة فقط من الحكومة الاتحادية لتكون النتيجة كما جاءت في بيان رئيس حكومة الاقليم حول هذا الموضوع، لياتي السؤال مرة اخرى هل سيكون هذا الحل مؤقتا وسنشهد حركات اخرى تآمرية ضد الاقليم؟

من خلال هذا الشرح السريع والمقاربة وليست المقارنة بين هذين الزمنين والاحداث التي تصادف تزامنها في هذه الفترة، يتضح لنا بان عقلية الحكم في بغداد تجاه الكورد وكوردستان لم تتغير ومازالت الخطط والمؤامرات تحاك ضد اقليم كوردستان وكل ذلك بسبب غياب الديمقراطية وعدم تفهم هذا المصطلح واستخدامه كحبر على ورق للاستهلاك الاعلامي، وهذا ماشهدناه خلال الفترات الماضية والمراحل التي مرت بها الدولة العراقية منذ العهد الملكي الى يومنا هذا، حيث كانت الانظمة السابقة ترى صيغة الحكم في العراق من جهة واحدة بتسلط طرف واحد تحت مسمى الهوية القومية لجهة واحدة وتحت حكم وسلطة حزب واحد وبوجود اطراف كارتونية تهتف وتهلل لكل مايريده هذا الحزب، اما في النظام الحالي اي مابعد 2003 وبوجود تعددية للاحزاب والاطراف السياسية ووجود الانتخابات والحياة البرلمانية والمؤسسات ومشاركة سياسية من قبل الاحزاب المرخصة قانونيا، الا ان هناك تجاوزا على اكثر من ثلث الدستور، وقوانين تنصل مجلس النواب عن تشريعها ومؤسسات مازالت الحكومة لاتريد استحداثها وتدشينها.

ان خَبات كانت واضحة في طرحها لموضوع الديمقراطية قبل خمسة وستين عاما، لان بعد النظر الذي اتسم به نهج الحزب المتجسد عن طريق الصحيفة كان يتوقع ماسيحصل في هذا البلد ان لم تحل القضية الوطنية والقومية لكوردستان وان لم ينظر لهذا الموضوع نظرة وطنية في اطار انساني لايمكن ان يقبل الفرق بين عراقي واخر على اساس عرقي او قومي او طائفي، لكن وللاسف هذا مانراه الان، لان سلطة الدولة التي كانت تعني (قطع الاعناق) لدى بغداد في المراحل الماضية، باتت تعني (قطع الارزاق) في الوقت الحالي في تحاملها مع شعب كوردستان، والسبب واضح جدا، حيث تعودت الحكومة العراقية دوما على حل الازمة بازمة، لان بغداد غارقة في ازمات سياسية واقتصادية داخلية وخارجية يستحيل حل البعض منها، لذلك تلجا دوما الى اتخاذ موقف التضاد من الاقليم لتصرف النظر عن هذه الازمات وتشغل الراي العام العراقي عن ازماتها الحقيقية.

نعم قالتها خَبات، الديمقراطية كانت ومازالت هي الحل ومازلنا في طريق لم نصل فيه الى مرحلة الياس لبقاء واستمرار هذه الدولة، ومازال الديمقراطي يقول بان الديمقراطية الحقيقية يجب ان تكون سائدة وثابتة والا .. فان العملية السياسية باكملها ستكون معرضة لخطر من المستحيل ان تعيد لها العافية، لان المعطيات التي كانت موجودة في تلك الفترة تختلف تماما عما هي الان والموقع الكوردستاني ايضا بات مختلفا، والوصول الى طريق الياس وقطع الاوصال، سيعني الوصول الى خط النهاية.