في تحوّل إقليم كردستان إلى دولة مؤسّساتية

Kurd24

شدّني قرار صادر عن وزارة الصحّة في إقليم كردستان العراق، بتوجيه من رئيس الحكومة، مسرور بارزاني، بمنح الأقدميّة الوظيفيّة لكافة الكوادر الطبيّة الذين عملوا في مواجهة جائحة فايروس كورونا على العودة إلى ما قدّمته وتسعى إليه هذه الحكومة بعد مرورِ عامٍ على تشكيلها وبرامج الإصلاح الّتي تسعى إلى تنفيذها.

وكذلك، الحديث المتكرّر لرئيس الحكومة، مسرور بارزاني، حول أنّ عمليّة الإصلاح الّتي تقودها الحكومة ستواجه معارضة من المتضرّرين الفاسدين في الإقليم. وأنّ العمليّة الإصلاحية هي أهمّ أولويات الحكومة الّتي تشكّلت بائتلاف يضمّ معظم الأحزاب الكرديّة الرئيسيّة في الإقليم.

خلال عام من تولّي هذه الحكومة أعمالها، واجهت إحدى أخطر الأزمات الّتي عصفت بالعالم، ومهّدت لتغيّرات اقتصاديّة جذريّة في العالم، وفشلت دول عظمى وتتمتّع ببنيّة اقتصاديّة وطبيّة ضخمة في مواجهتها، إلّا أنّ هذه الحكومة، حتّى الآن، ورغم وجود تفشّي لوباء كورونا في الإقليم، تمكّنت من مواجهة الفايروس حسب إمكاناتها، ونجحت بالمقارنة مع محيطها الإقليمي العراقي أو الإيراني والتركيّ.

وبعد أشهر من العمل على قانون الإصلاح فيما يخصّ الرواتب والمخصصات والامتيازات والتقاعد من رئاسة مجلس وزراء إقليم كردستان العراق، والمصادقة عليه من قبل رئيس الإقليم، نيجيرفان بارزاني. بدأ العمل تدريجيّاً لتنفيذ القانون في مؤسّسات الإقليم الإدارية والماليّة.

ويمكن تشبيه الإصلاحات التي يقوم بها رئيس وزراء إقليم كردستان، مسرور مسعود بارزاني، أشبه بالثورات التي حدثت في الشرق الأوسط؛ فتلك الثورات هدفت إلى الحرّيّة والكرامة ومحاربة الفساد والأنظمة القمعيّة وتأمين الموارد الاقتصادية للمواطنين ومحاسبة المسؤولين، وعملياً هذه الأهداف التي يعمل عليها الفريق الوزاري ويطبّقه من خلال خطواته الواضحة. صار الإقليم جزءاً من هذه الثورات، وهي على ما يبدو تنتصر قبل أن تبدأ، ذلك أن الحكومة نفسها هي من ثارت على النظام الإداري الفاسد وتحاول تصويبه.

حاولت الحكومة الاتحادية العراقيّة، بعد عام 2017، تقزيم دور إقليم كردستان في العمليّة السياسيّة العراقيّة، وتهميشها من اتخاذ وصناعة القرار، وتدمير الاقتصاد الكرديّ الذي تأسس، تباعاً، منذ عام 2009، إلّا أن تدوير السلطة، والنهضة الاقتصاديّة المنفّذة والّتي تنفّذ من قبل رئاسة مجلس الوزراء الكردي، أوقفت هذه المحاولات؛ وعلى العكس من ذلك، صار الإقليم، اليوم، أكثر قوةً وتأثيراً على القرار السياسيّ العراقي، رغم المحاولات العراقية وبعض المحاولات ضمن الجسد الكرديّ، الساعي لتحويل الإقليم إلى ساحة للصراع.

وفي مطلق الأحوال، فإنّ رئاسة مجلس وزراء إقليم كردستان، تواجه إلى جانب الفساد القائم في بعض المؤسسات الوزارية في إقليم كردستان، الحكومة العراقية أيضاً؛ حيث أن جداول برنامج الإصلاح ينص على أن الجهود تبذل في سبيل أن يشمل الإصلاح دعم ذوي الشهداء والمؤنفلين والسجناء السياسيين مالياً، وهو ما ينصّ عليه الدستور العراقي أيضاً، وأن يوضع ذلك في مسؤوليات الحكومة الاتحاديّة.

تأسّس إقليم كردستان العراق، وسط تداخلاتٍ اجتماعيّة وإقليميّة بالغة التعقيد، وأثّرت هذه التعقيدات على شكل المؤسّسة الإدارية في إقليم كردستان؛ فالفساد في بعض مؤسّسات الدولة، كان نتاج أن طبقتين رئيسيتين سيطرتا إلى حدٍ ما على بعض القطّاعات الإدارية، وهي الطبقة الكردية المتعلّمة التي لم تقف إلى جانب الثورات الكرديّة والتي كانت تعمل سابقاً في مؤسسات الحكومة العراقية في عهد حزب البعث، وطبقة العشائر التي حاولت أن تهيمن على مؤسسات الإقليم من خلال استخدام النفوذ العشائري. بدا هذا الأمر يتراجع تدريجياً مع استلام مسرور بارزاني لرئاسة الوزراء، وبدا أنّه يركّز على الكفاءة العلميّة في إدارة مؤسسات الدولة، فضلاً عن تعيينه لمسؤولين يملكون شهادات علميّة بحثيّة مهمّة في إدارة محافظات الإقليم.

وأيضاً، تبرز أهميّة عملية الإصلاح الّتي يقودها، مسرور بارزاني، إلى التغييرات الإداريّة التي يقوم بها في مؤسسات الدولة في مجالس المحافظات وفي الوزارات وفي القطّاعات الرئيسيّة في الإقليم، والّتي تهدف، حسب ما يتبيّن إلى منح الفُرصة للشباب الذين يملكون كفاءات وقدرات عمليّة وأكاديميّة والأفكار الحديثة لدعم الإقليم والعمل على تطويره.

في الثامن من شهر حزيران الجاري، أطلق رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، هاشتاغ اسألني في صفحات التواصل الاجتماعي، وبدأ مواطنو الإقليم بتوجيه الأسئلة المُختلفة لرئيس الحكومة. من بين تلك الأسئلة الّتي طُرحت عليه، ثمّة سؤالين اعتقد أنّهم لهم ارتباط وثيق بمسألة الإصلاح الّتي تسعى إليها حكومة الإقليم؛ أوّلها سؤال أحد المواطنين عن حبّه لكل محافظات الإقليم أم لا، وكانت إجابة الرئيس بأنّه يرى كل المحافظات بمسافة واحدة وأن مهمته خدمة مواطني الإقليم أينما كانوا.

والحال أنّ أهميّة هذا السؤال تبرز في فكرة رئيس الحكومة الجديد، وفي فكرة أحوال المجتمع في إقليم كردستان، وحتّى الأحزاب الكردستانيّة والحكومة، التي تملك جوانب مناطقيّة وعشائريّة في بعض مسائلها؛ رافق الإجابة على هذا السؤال وضع مسرور بارزاني لحجر أساس مشروع عصري في السليمانيّة. وعلى ما يبدو فإن حكومة إقليم كردستان العراق، تسعى إلى إزالة تلك الترسّبات التاريخيّة التي تؤثّر على تشكيل الحكومة والسلطة في الإقليم وتؤسّس لوحدة مجتمعية وسياسية متراصّة في الإقليم.

أمّا السؤال الثاني فكان عن العمالة الأجنبيّة التي أجاب رئيس الحكومة عن نيّته تخفيض وجود العمالة في الإقليم، والّتي بدورها يمكن أن تحل مشكلة البطالة التي بدأت تعصف بالإقليم منذ هجوم تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" على الإقليم عام 2014، والّتي أثّرت على شكل العلاقة بين المواطنين والحكومة في الإقليم.

عملياً، تمكّن الجيل الثالث من قادة الحركة القوميّة الكرديّة في إقليم كردستان العراق، من الانتصار مجدداً على السياسة الاتحادية العراقيّة، بعد تجربة استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق؛ فالحركة الإصلاحية الّتي يقوم بها فريق رئيس الوزراء، مسرور مسعود بارزاني، هي نتيجة حتميّة لإفشال المخطّط المركزيّ الهادف لهدم ما بناه الكرد في الإقليم الكردي منذ عام 2003.

 

  • كاتبة كردية من سوريا

 

ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.