مستقبل السياسة الأمريكية في عهد بايدن هل يتغير شيء أم لا؟

Kurd24

شهدت الأيام الفائتة حدث العالمي الأكبر وهي الانتخابات الأمريكية، الانتخابات التي ينتظرها الكثير ويخشى منها الكثير، ويعول عليها الكثير، ويراقبها الصديق الحميم والعدو اللئيم، فهي الكلمة الفيصل لكثير من الأحداث العالمية والإقليمية، وهذا ليس عجبا، فأنها أمريكا التي تملك القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية العظمى.

في كل جولة انتخابية في أمريكا تثور عدة أسئلة تخص قضايا داخلية و دولية، و ما موقف الإدارة الجديدة تجاه كل هذه القضايا، على سبيل المثال كيفية التعامل مع برنامج النووي الإيراني وتدخلاتها في الدول الإقليمية، والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وهكذا دورها المرتقب في النزاع السوري وكيفية التعامل مع القوى المتصارعة على الأرض السورية مع الحفاظ على التوازن بين الهيمنة الروسية الداعمة للنظام من جهة والهيمنة التركية الداعمة لبعض أطياف المعارضة من جهة أخرى والهيمنة الإيرانية التي هي الأخرى المحسوبة على النظام السوري، فضلا عن الصراع الدائر بين الحليفين لها وهو الصراع التركي الكردي، فهي لا ترغب في مواجهة مباشرة مع النظام خشية الاصطدام مع الوجود الروسي ولا تملك من يريحها خلفا للأسد في ظل معارضة مفتتة وهيمنة (جماعات راديكالية) على أرض الواقع، ولا ترغب ببقاء الأسد الذي آلت على نفسها بأن تنهي حكمه.

إذا السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو تأثير الذي يخلفه صعود أي من المرشحين، الجمهوري والديمقراطي؟، وهل هناك أصلا أي اختلاف بين سياسة الحزبين، أم انهم وجهان لعملة واحدة؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أن هناك ثلاثة جوانب مهمة يجب الاعتماد عليها:

الجانب الأول يعتمد على التصريحات والبرامج الانتخابية المعلنة للمرشحين، والجانب الثاني يعتمد على الخطوط العريضة لسياسة كل من الحزبين، أما الجانب الثالث يعتمد على التحليلات والآراء التي يتبناها الساسة والمهتمين بالأمر، وهي أقرب الى احتمالات وتوقعات مبنية على التجارب السابقة.

الجانب الأول هو برنامج الانتخابي المعلن للجميع فهو الأقوى كونه يتعلق بثقة الجماهير ولا نتصور انحرافا كبيرا عن هذه الوعود، والجانب الثاني يتعلق بالخطوط العريضة لسياسة كلا الحزبين، فهناك أوجه تشابه واختلاف بينهما على الصعيدين الداخلي والدولي، فعلى الصعيد الداخلي، الحزب الجمهوري يمثل المدن الصغرى والفلاحين ويمثل غالبية البروتستانت، مما يعني أنه حزب "الطبقات العليا" والمتمثل بالمهاجرين الذين ينتمون الى الأصول الأنكلوسكسونية، وهكذا أصحاب رؤوس الأموال والبنوك الكبرى والشركات الضخمة فضلا عن الضباط ورجال الأعمال، كونهم يفضلون القوة والحزم السياسي، والإفراط في تمييز العنصر الأنكلوسكسوني عن الأقوام الأخرى، ولهذا فهو يمثل حزب الشمال الغني. ويشتهر في فرض التعرفة الكمركية على استيراد البضائع الأجنبية، وتفضيل حقوق الولايات على المركزية الدستورية. أما الحزب الديمقراطي خلافا للأول فهو يمثل المدن الكبيرة والعمال الأمريكيين السود والشباب الأمريكي، ويضم المحافظين في الولايات الجنوبية، ويرتكز في خطابه السياسي الى الأقلية اليهودية وأيضاً الأقليات الأخرى كالسود والمهاجرين والنساء والعمال، وهو من الناحية الإثنية يحظى بدعم الكاثوليك، وشعاره الحمار كإشارة للتواضع والعمل الجاد.

أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والتي هي الشطر الأهم في المعادلات الدولية، ليس من السهل تقييمها وتحديد كل نقاط الاختلاف والتشابه بين سياسة الحزبين، ومن حيث الأهداف، يشترك الحزبين في سعيهما لبسط السيطرة ومضاعفة النفوذ الأمريكي الى ما وراء الحدود إيمانا منهم بسيادة بلدهم على العالم، وحمايته من أي تهديد خارجي مع وضع مصلحة أمريكا فوق كل المصالح، و لا يعرفون أصدقاء وأعداء دائمين، بل مصلحة أمريكا هي الأولى ثم مصلحة أمريكا وبعد ذلك مصلحة أمريكا، إلا أن هذا لا يعني الجزم بأنهم متماثلين في كل صغير وكبير، فهناك اختلاف في وسائل التعامل مع القضايا وكيفية تحقيق أهدافهم، فالحزب الجمهوري يؤمن باستخدام القوة ويفضلها كثير من الأحيان، بينما يعتمد الديمقراطي على وسائل الناعمة والإغراء في تحقيق الأهداف. ويظهر الأول على شكل حزب قومي يرى المهاجرين وخاصة المسلمين غير مرحب بهم، بينما الثاني أكثر مرونة وانفتاحا.  مما يعني أن الأهداف واحدة والرسالة واحدة ولكنها في أوجه مختلفة وبوسائل مختلفة، وكأنها نفسها نوع آخر من تنوع مصطنع في السياسة لمواكبة المصالح المختلفة ومواجهة مشاكل المعقدة فهناك مشاكل تتطلب المرونة بينما الاخرى تتطلب الحزم، وهكذا نوع من التقاسم بين الحزبين الأصدقاء والخصوم حتى لا يجعلوا من الخصم خضما ابديا وترك الصديق يعبث بمصالح الامريكية، وهذا أقرب الى تكتيك من الصدفة، فكان ترامب عدوا لايران وانهى الاتفاق النووي في ايام الأولى من ولايته بينما كان في نفس الوقت في مرمى الاتهام بالتعاون والتساهل مع الروس الحليف الاقوى لايران، ليأتي بايدن ويعيد الاتفاق مع ايران و يصعد اللهجة ضد الروس، وضحى ترامب بالكرد لاجل تركيا، ليأتي بايدن ويفعل العكس مما يعني مسك العصا من الوسط، اذا سيعول الكرد على البايدنيين ويعول الترك على الترامبيين وتعول إيران على البايدنيين ويعول الروس على الترامبيين وكلاهما امريكا. ونختم القول بأن الخطوط العريضة للسياسة الامريكية هي واحدة والأهداف واحدة، ووجود حزبين ذو لهجتين مختلفتين هي ليست الا تقسيما للأدوار وهي مسألة أريد بها أن تكون ولانرى منها وليدة الصدفة، ولا نتيجة طبيعية او من بديهيات التنافس الحزبي السليم، و هي بنفسها ليست هدفا بينما وسيلة مهمة لتحقيق الأهداف المرسومة، فأسرائيل تبقى الصديق الودود، والصين وروسيا تبقيان الدولتين الكبيرتين التي لابد من اخذ دورهما ونفوذها بالحسبان مع كل الحذر، وإيران هي الدولة النووية المتدخلة والمضايقة لها، ودول اخرى كثيرة تدخل في معادلاتها المتغيرة كتركيا التي تدخل حينا وتخرج حينا آخر.