11 من آذار، وقصة الدينار بين بغداد وأربيل

Kurd24

(وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ﴿٢١ الحشر﴾

حينما وَقَّعَ قائد الامة الكردستانية الجنرال الملا مصطفى (البارزاني الخالد) طيب الله ثراه، بأنامله المباركة التي امسكت القلم بثقة وعزم كبيرين كامساكها بلجام فرسه وبندقيته ، اتفاقية ١١/اذار /١٩٧٠ مع المسؤولين في بغداد بعد ثورة حقٍ وسؤدد دامت لقرابة عقد من الزمن، وساد السلام والتفاهم ربوع العراق من كوردستانه الى فيحائه، انتعش الاقتصاد واصبحت قيمة الدينار العراقي سنة ١٩٧٣ تقدر ب ٣,٣٩ دولار 💵 للدينار العراقي الواحد ولكن وبعد نقض صدام للسلام واشعاله للحرب وتنازله المخجل الجبان عن ارض الوطن مقابل انتصار سياسي وعسكري مؤقت في اتفاقية الجزائر المشؤومة سنة ١٩٧٥ وبعدها امعانه في حملات التطهير العرقي بالضد من ابناء شعبه بكل مكوناتهم ودخوله حروبا لا طائل منها مع جيران العراق والعالم برمته ادت الى تدمير الوطن وبناه التحتية وتقتيل ابناء الشعب وتجويعهم وتدمير الزراعة والصناعة والسياحة واوصل بالعراق الى حافة الهاوية والدمار المحققين، اليوم اصبح الدينار العراقي ضعيفا، هزيلا، مهزوزا، مقابل الدولار بقيمة تتراوح بحوالي ١٤٧٠ دينار للدولار الواحد في السوق وبقيمة ١٤٥٠ تبعا لقيمة الصرف في البنك المركزي العراقي ؛ اي ان قيمة الدينار العراقي انخفضت بنسبة ما يقارب الثلاث الاف واربعمائة بالمئة 3379 % ان صحت حساباتي المتواضعة ؟!

بعد توقيع اتفاقية الحادي عشر من اذار ومنح الكوردستانيين البعض من حقوقهم المشروعة اصدر البنك المركزي العراقي عملة نقدية بقيمة ٢٥٠ فلس وهي مسكوكة تذكارية قانونية بمناسبة الذكرى الاولى ليوم السلام في العراق سنة ١٩٧١ وجاء في بيان البنك المركزي آنذاك حول المسكوكة:
"مادة 1 ان المسكوكة مصنوعة من معدن النيكل الخالص وتزن 15 غراما .
مادة 2
يتضمن وجهها على رسم بارز لحمامة السلام في الاعلى وفي منقارها غصن زيتون وعلى خنجر كردي في الجهة اليمنى وسيف عربي في الجهة اليسرى وهما في غمديهما وفي الوسط التاريخ الميلادي 11 اذار 1970 في الاسفل منظر لجبال العراق ومجرى الرافدين مع سنابل قمح على الجانبين ويحتوي ظهر المسكوكة على عبارة (الجمهورية العراقية ) في الاعلى ورسم لورقة تبغ متقاطعة مع سنبلة قمح في الاسفل وفي الوسط دائرة صغيرة كتب فيهـا الفئـة (250) فلسا وفي اسفل الدائرة التاريخان 1391 هجري و 1971 ميلادي ".

واليوم وبعد اكثر من نصف قرن من الزمن، هنالك من لم يتعض من دروس الماضي القريب، فالعراق ان ارتاح، فأنه يرتاح من كوردستانه الى فيحائه وبعكسه، فأنه لن يرتاح ابداً، وهنالك من يريد ان يكون حال اربيل كالبصرة وليس ان يصطلح حال البصرة كأربيل ؟! (طبعا هنا نتكلم من الناحية الخدمية والادارية)،

(يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!) (انجيل متى ٧ : ٥)

لماذا يفعل البعض في بغداد هذا ويفتعلون صراعا مستداما ؟ الاجابة سهلة جدا ، انهم يعملون هذا لكي يستترون بآلام المواطنين ومعاناتهم اليومية في محالة منهم لان يعلقوا فشلهم في ادارة الملف المالي والخدمي والاداري على شماعة صراع مفضوحٍ لا اساس له على المستوى الشعبي والوطني ، فثورة كوردستان التي اندلعت قبل اكثر من ستون عاما بقيادة البارزاني الخالد ، كان شعارها : الديمقراطية العراق والحكم الذاتي لكوردستان.

(فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف:176].

العقل والمنطق اليوم يدعونا لكي نعمل معا يدا بيد، ملتزمين بدستور كتبناه وشرعناه واستفتينا عليه شعبنا معا، ان نحتكم اليه دون انتقائية او نية سيئة نضمرها لشركائنا في الوطن، ففي العراق البحبوحة تعم كما يعم الضيق والعوز، كما قال الجواهري الكبير في رائعته (يابن الشمال ولستَ وحــدك إنـَّه ،جـسـدٌ بـكلَّ ضــلـوعـه يــتألمُ )، فكيل الاتهامات وسياسة كسر العظم لم ولن تجدي اي نفع سوى انها ستجلب للمزيد من المعاناة لمواطني هذا الوطن برمته.

من أجل ان يعود للدينار العراقي مجده، وللاقتصاد العراقي عنفوانه وللمواطن حقه في حياة كريمة، لا سبيل لهذا سوى السلام والاستقرار والعمل المشترك واحترام الدستور وجميع بنوده وصون القرار الوطني بعيدا عن التدخلات الخارجية والعمل من اجل خير الجميع سواسية ف(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

قد جربت النخبة الحاكمة في بغداد كل الاساليب القمعية من تطهير عرقي واسلحة كيمياوية وقتل وتنكيل وتعذيب وتجويع في حق الشعب الكوردستاني وبدون اي طائل ، فلماذا لا يجربوا العكس ولو لمرة واحدة ؟! لماذا لا يتعاملوا بالاخوة والمساواة ولو لمرة واحدة ، اوليس هذا ما امر به الامام علي عليه السلام في وصيته للامام الحسن عليه السلام (يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وبَيْنَ غَيْرِكَ - فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ - واكْرَه لَه مَا تَكْرَه لَهَا - ولَا تَظْلِمْ كَمَا لَا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ - وأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ - واسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُه مِنْ غَيْرِكَ - وارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاه لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ).

بعد اكثر من قرن على تأسيس الدولة العراقية قد آن الاوان للسياسيين والنخب العراقية بأن يفقهوا بأن (الجبال هي الجبال) كما يقول المرحوم محمود درويش، وليست رفعة بغداد في إرضاخ اربيل التي لن ترضخ للظلم ابدا، بل ان رفعة بغداد من رفعة اربيل.