أوكرانيا وارتداداتها على الشرق الأوسط.

Kurd24

لاشك أن الجيش الروسي بكامل طاقاته يحاول توسيع نطاق سيطرته اليوم داخل أوكرانيا منذ بداية شهر آذار الجاري حيث يواجه مقاومة شرسة من الجيش الأوكراني مع دخول  الآلاف من المتطوعين الدوليين إلى خطوط الجبهة الأمامية لمواجهة الغزو الروسي ، بينما الناتو يحاول وبشتى الوسائل إيقاف هذا الغزو ،لأنه يعتبر أن أي نجاح روسي بفرض قبضته الحديدية على "كييف " ستنعكس سلباً على بقية دول البلطيق التي ستكون الوجبة الثانية للدب الروسي ، ولدى موسكو  أطماع كبيرة و رغبة بالسيطرة على أوروبا ،وتحاول استخدام  الغاز كسلاح  أساسي في المعركة مع الناتو ، إلا أنها  حتى  الآن لم تحرك هذا السلاح  الذي بقي مجرد ورقة ابتزازية  لا أكثر، فبرلين وباريس وامستردام وبكين  ،وحتى روما المستورد الأساسي للغاز الروسي تخشى من وقوع كارثة حقيقية في أوروبا بعد الارتفاع الجنوني الذي تشهده أسعار هذه المادة في العالم  ، وبالتالي ارتدادات هذا الصراع على اوربا ستكون بالدرجة الأولى اقتصادية ،وربما تدفع بهذه القارة العجوزة مع الوقت نحو الهاوية، والظاهر  هذا ما تريد واشنطن الوصول إليه في نهاية المطاف.

ارتدادات الأزمة الأوكرانيّة في إقليم كورستان

لأول مرة ،وفي سابقة هي الأولى من نوعها، يتم استهداف إقليم كردستان ( قصف اربيل) بشكل مباشر من العمق الإيراني، ويتبنى  الحرس  الثوري الإيراني لهذه العملية وبشكل مباشر، حيث تدّعي  طهران أن هذا القصف موجه نحو (مقرات اسرائيلية) داخل الإقليم، و الاستهداف شمل القنصلية الأميركية في أربيل وقناة كوردستان 24 ونقاط أخرى ، والمستنتج من هذه التطورات هو رسائل إيرانية مباشرة لقادة إقليم كوردستان، وهذه الرسائل مرتبطة بشكل مباشر بالصراع القائم على أوكرانيا وارتداداتها الدولية والإقليمية، واشنطن بدورها حشدت حتى الآن جميع حلفائها وأوراقها ضد موسكو في كل أصقاع العالم ، الأخيرة وجدت نفسها في مأزق حقيقي داخل أوكرانيا فحاول وزير الخارجية سيرغي لافروف في بداية الامر تهديد الناتو بالورقة النووية ولم يجدي نفعاً واليوم يوجه رسائل مختلفة ومن نوع آخر من خلال حليفتها إيران إلى أربيل ، قادة الإقليم يقرأون هكذا رسائل سياسية بشكل جيد ويتعاملون معها بحنكة سياسية وهدوء وعقلانية.

اما لماذا أربيل، فيمكن لأنها الحلقة الأضعف في الصراع الدولي على أوكرانيا ولأن هذه المدينة يتواجد فيها العديد من المقرات وأكبر قنصلية أمريكية في الشرق الأوسط، ولما تتمتع بها هذه المدينة السالمة من علاقات حسن الجوار مع أنقرة، والتنسيق المشترك حيال العديد من القضايا فيما بينهما التي تهم المنطقة ، أما الجانب المظلم لهذه القضية ، وهو أن قصف أربيل جاء بعيد وصول  وفد أمريكي رفيع المستوى إلى أربيل  برئاسة السفير  ماثيو تولر، وضم كلاً من قائد قوات التحالف في العراق وسوريا  الجنرال جون برينان، ونائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون العراق وإيران  جينفر غافيتو، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وسوريا ولبنان والأردن السيد إيثان غولدريتش، والقنصل العام الأمريكي لدى أربيل السيد روبرت بالادينو وعدد آخر من المسؤولين،  ومن هنا يعتقد الساسة في طهران أن هذه الاجتماعات قد تمخضت عنها اتفاقيات سرية وخفايا وهي غير مطلعة عليها ناهيك عن وصول رئيس الإقليم ( نيجرفان البارزاني ) منذ يومين  إلى أنقرة ومناقشة الوضع مع أردوغان وعلى (بساط أحمدي  )، عموماً طهران تراقب الوضع داخل سوريا والعراق عن كثب  ووجهت عدة رسائل إلى واشنطن من خلال أربيل،  وتعتقد  أنها حققت المغزى منها.

قادة الإقليم على الدوام رفضوا أن ينخرطوا في صراعات عسكرية في الشرق الأوسط، واتخذوا موقف حيادي تجنباً  للانزلاق في أزمات لا ناقة لهم فيها ولا جمل  ، كما أنهم  يرفضون وبشكل قاطع أن يكونوا أداة حادة بيد طهران موجهة ضد أنقرة أو واشنطن أو حتى دول الخليج العربي ، لهذا السبب يتم استهداف الأمن والاستقرار داخل هذه البقعة الجغرافية (كل ما دق الكوز  بالجرّة )  ناهيك عن محاصرتها من قبل المحور الإيراني وادواته في المنطقة .

الخلاصة : ارتدادات الصراع على  أوكرانيا ستتمدد على الأغلب في الكثير من البقع الجغرافية في العالم،  وأربيل من أهم هذه المناطق الساخنة التي  يمكن أن تشهد فيها التوترات، إقليمياً، يمكن أن يتم تحريك ورقة الحوثيين ضد رياض وأبوظبي، تحريك حزب الله في جنوب لبنان ضد تل أبيب ، وتحريك حزب العمال الكردستاني ضد إقليم كوردستان و تركيا ، هذا الاحتمالات واردة جداً والأبعد من كل هذا، واشنطن حتى اللحظة غير جادّة  بالدفاع عن حلفائها في المنطقة وجميع المعطيات والوقائع  على الأرض تشير إلى أنها فشلت بسياستهما الخارجية في الشرق الأوسط وخاصةً ما بعد 2011، فمثلاً، تسليم العراق إلى إيران على طبق من ذهب، ومنطقة شرق الفرات داخل سوريا إلى حزب العمال الكردستاني، كما تركت الخليج رهينة للصواريخ الحوثية دون أن تتحرك، والانسحاب غير المبرر من أفغانستان كل هذا وبغض النظر عن الأسباب جعلتها تفقد مصداقيتها لدى الأوساط الشعبية والسياسية في المنطقة.

بالمحصلة، بات جلياً  أن الصراع على  أوكرانيا سيمتد نطاقه ليشمل جبهات أخرى، والحلقة  الأضعف ستشهد فيها توترات خطيرة،  وستمتد نيرانها لتشعل المنطقة برمتها، والروس بدورهم تنتهي حدود أطماعهم وحروبهم بانتهاء مصالحهم في الشرق الأوسط ، ويبدوا أنهم حسموا أمرهم وقرارهم بالهيمنة على اوربا من خلال بوابة أوكرانيا ولارجعة فيها، والشرق الأوسط بات اليوم على صفيح ساخن ورهينة بيد المحور الإيراني - الروسي يدفع ثمن تخاذل واشنطن في سوريا والعراق وتسليم ملفها إلى الروس وجعلهما  لقمة سائغة  للميلشيات الإيرانية في  المنطقة، و بناءً على ما تم ذكره ، على قادة البيت الأبيض أن يدركوا أن مصداقيتهم ضُربت في الشرق الأوسط وأفغانستان، وحتى داخل أوكرانيا ،واليوم  هذا الشعب المسالم يدفع الفاتورة بمفرده ، ومنذ الآن فصاعداً  لن يدافع  أحد عن استفراد واشنطن في قيادة العالم مالم تقم  بدورها و بواجباتها اتجاه شعوب المنطقة وتساعدهم بتحديد مصيرهم ومستقبل أبناءهم  وإنقاذهم من الأنظمة الدكتاتورية التي تسلطت على الحكم بانقلابات عسكرية، ووضع حد للهيمنة الإيرانية في  الشرق الأوسط ومنعها من التلاعب بمصير المنطقة ودفعها نحو الفوضى الخلاقة  ، ويجب العمل  على قصقصة أظافر "بوتين " داخل سوريا،ومنعه  من احتلال اوربا  العجوزة  ولإن حدود أطماع موسكو تنتهي بانتهاء مصالحها في العالم ،  وربما يأتي يوم تخرج فيها الأمور عن السيطرة  ستكون له نتائج لا تحمد عقباها.