غياب معايير عملية بولونيا في نتائج الدراسات العليا في إقليم كوردستان العراق

Kurd24

أشارت النسخة المترجمة من قبل طه حسين لكتاب (روح التربية) لغوستاف لوبون والصادرة في العام (1917)، بأن العقل العلمي بات أقل شيوعاً في فرنسا مقارنة مع أوربا وأمريكا لكون النظام التعليمي فيها بقى متخلفا لاعتماد الجامعات الفرنسية على تنمية العقل باستخدام الذاكرة فقط (الامتحان) وتجاهل قوة التفكير وفن الملاحظة ومناهج البحث الحديثة، والتي أصبحت كلها مهملة إهمالا تاماً في عملية التقييم التقليدية المستخدمة والمتمثلة في الامتحان، وعادة تكون نتائج الامتحان لا تولد إلا سخطا شديداً على الكتب ومحتوياتها وازدراء عميق لكل ما هو علمي. حيث إن متابعة بسيطة لنتائج المفاضلة للدراسات العليا المعلن عنها من قبل الجامعات في إقليم كوردستان في الرابع من تموز 2023 تؤكد تخلف سياسة ومعايير التقييم في عملية المفاضلة، بحيث لم يختلف كثيراً عما ذكره لوبون في كتابه قبل أكثر من مئة سنة.

ولا تخفى على الجميع، الجهود المبذولة من قبل الدكتور آرام محمد وزير التعليم العالي في الإقليم في تطوير الوزارة واعتماد سياسة الباب المفتوح للمقترحات في سبيل تطوير الوزارة بشكل عام والجامعات بشكل خاص، وأثبتت نجاحه عندما شرعت وزارة التعليم العالي في بغداد بإتباع نفس خطوات وزارة التعليم العالي في الإقليم في تبني عملية بولونيا.

حيث يعتبر تبني عملية بولونيا ورفع معايير التعليم أحد القرارات المحورية المتخذة في سبيل تحديث نظام التعليم العالي في إقليم كوردستان، لكون هذه العملية تعدّ أحد المحطات المهمة التي لا بد من تبنيها في نظام التعليم من أجل التكيف مع المناهج والأنظمة الحديثة واستخدامها في تنمية وتوسيع الأفق عند الشباب ومساعدتهم في خلق فرص عمل أكثر استدامة من خلال الربط والتوافق بين الوسط الأكاديمي واحتياجات سوق العمل وإنهاء عزل الطالب عن العالم الخارجي.

والسؤال المطروح لماذا لم تحتسب الدرجات النهائية ومن ضمنها درجات الكفاءة العلمية بغض النظر عن إجتيازه أم لا ؟؟؟وبذلك فإن التركيز على الامتحان فقط في عملية التقييم للمفاضلة في القبول في الدراسات العليا كان محل اهتمام وعلامة استفهام كبيرة للكثيرين، واعتبر البعض بأنها خير دليل على أن النمط التقليدي والفكر القديم المبني على الحفظ والذاكرة فقط هو السائد، وما هو إلا تجسيد حي على أن القيادات الجامعية ومتخذ القرار في وزارة التعليم العالي في الإقليم ما زالوا لم يؤمنوا بالمعايير التي تتركز عليها عملية بولونيا على الرغم من تبني الموضوع رسمياً من قبل الوزارة، فأين فكرة بولونيا محور التعلم المتمركز حول الطالب والتفكير وقوة الملاحظة في عملية التقييم المستخدمة في الدراسات العليا؟ وأين يحقق هدف عملية بولونيا في تحديث المناهج وتنمية فن التعليم عند الاساتذة وتخلص التعليم من البيروقراطية وعدم تنمية العقل بالحفظ والذاكرة فقط؟.

لذلك بالإمكان القول من الان فصاعداً على الراغبين في إكمال الدراسات العليا أو يحلم بأن يصبح أستاذا جامعيا أو باحثا في إحدى جامعات الإقليم أن يستلم الرسالة المبطنة من قبل وزارة التعليم العالي في الإقليم بأن الامتحان هو المعيار الوحيد في التقييم وأن عملية بولونيا بعيدة عن الواقع وحتى إن تم تبنيها رسمياً من قبل الوزارة، وعلى الشخص الراغب في تكملة الدراسات العليا بأن يتجاهل وأن لا يهتم لبعض النقاط ومنها: (1) الخبرة الأكاديمية أو التطبيقية المكتسبة أو الشهادات السابقة (2) المساهمة الفعالة في الحقل المعرفي من خلال البحوث المنشورة في المستوعبات العالمية أو المحلية (3) القابليات والمهارات المتقدمة في اللغات ومنها الانكليزية (4) السجل الحافل بالنشاطات العلمية والأكاديمية الفعلية والنقاط الكثيرة والتقديرات العالية في ضمان الجودة، باعتبار هذه الخصائص الأربعة تم تجاهلها تماماً وضربها عرض الحائط في عملية المفاضلة في الدراسات العليا الأخيرة، وأن الطالب يعتبر غير مؤهل للترشح لتكملة الدراسة في حالة نقص (بوينت) واحد في امتحان الحفظ والذاكرة والذي يفترض أن يأخذ (15 من 30)، فالسؤال كيف سيكون لدينا تدريسي في المستقبل يؤمن بعملية بولونيا وهو نتاج محصلة عملية سواء أصبح غير مؤهلاً أو مرشحاً لتكملة الدراسات العليا نتيجة تقييم الحفظ والذاكرة أي الامتحان فقط، والسؤال الأخطر المطروح هل من المتوقع بأن يؤمن ويساهم التدريسي المستقبلي في إنجاح عملية بولونيا المتبناة في جامعات الإقليم، إذا استمر هذا النمط القديم في عملية المفاضلة في الدراسات العليا؟. حيث يلاحظ بقبول البعض وليس في جعبتهم إلا القليل من النقاط والذي حالفهم الحظ وساعدتهم الظروف والاستفادة من الطريقة الكلاسيكية بتجاوز الامتحان، بينما تم رفض البعض الاخر الذين لم تساعدهم الظروف ولم يسندهم رصيدهم الكثير من النقاط المجمعة من الخبرة المكتسبة والشهادات السابقة والبحوث المنشورة وكفاءتهم للغة وسجلهم الحافل ودرجاتهم العالية في ضمان الجودة، وللأسباب أعلاه أقترح بشكل بسيط جداً باتخاذ الجهات المختصة بعض الخطوات الآتية:    

المقترحات

1.المراجعة الفورية وإعادة النظر في معايير التقييم للدراسات العليا بشكل ينسجم مع مقومات عملية بولونيا لأنه ليس من المعقول أن يؤمل مساهمة شخص في إنجاح عملية بولونيا مستقبلا وهو يعلم حق المعرفة بأن امتحان الذاكرة فقط هو المعيار الوحيد الذي ساعده لكي يصبح تدريسي في الجامعة.

2.احتساب درجات الكفاءة العلمية الى جانب درجات المعايير الاخرى بغض النظر عن الدرجة المأخوذة في الامتحان، لأنه ليس من المعقول وضع معيار من الصعب تفسيره لكون الحاصل على (80) نقطة يعتبر راسباً وغير مرشحاً لتكملة الدكتوراه والحاصل على أقل من (20) نقطة يعتبر مؤهلا لتكملة الدكتوراه في نفس الجامعة، وهكذا معايير تجعل العملية التعليمية ومستقبل الوطن رهينة الحظ أو حتى من الممكن تشبيه الوضع الحالي لعملية التقديم على الدراسات العليا في الإقليم بعملية القمار من ناحية تغير الموازين.

3.أو إيقاف تبني عملية بولونيا فوراً لأنه ليس من المعقول بأن يطبق على الطالب هذه العملية عند الدراسات الاولية وعند الرغبة بتكملة الدراسات العليا في الإقليم لينحصر قرار القبول أو الرفض بامتحان تقليدي يهتم بالحفظ والذاكرة فقط ويتجاهل جميع المقومات الاخرى بعملية بولونيا (وأنا غير متفق مع هذه الخطوة).