لماذا المجتمع العراقي متطرف؟

Kurd24

بالنظر إلى الوضع في العراق، يمكننا أن نستنتج أن القضاء على النزعات المتطرفة في المجتمع العراقي ظاهرة معقدة تضرب بجذورها في عوامل تاريخية وسياسية واجتماعية واقتصادية. لفهم ذلك، يجب علينا أن نتعمق في ماضي البلاد وحاضرها المضطرب.

منذ تأسيس العراق بعد الحرب العالمية الأولى، واجهت البلاد قضايا طائفية ودينية. ولا يزال الشعب العراقي يعاني من ذلك حتى يومنا هذا. لقد نشأ جيل من المتطرفين، وأصبح التعصب مرتعاً خصباً للمجتمعات المتطرفة.

1. السياق التاريخي: يتميز تاريخ العراق بسلسلة من الغزوات والفتوحات والحكم الاستعماري، مما ترك ندوبا عميقة على نسيجه المجتمعي. وقد ساهم سقوط الإمبراطورية العثمانية، والانتداب البريطاني، والانقلابات والصراعات اللاحقة في الانقسام وعدم الاستقرار.

2. العوامل السياسية: عانى العراق من أنظمة استبدادية، بما فيها الدكتاتورية، اتسمت بالقمع والعنف والسياسات الطائفية. وقد قامت هذه الأنظمة بتهميش مجموعات معينة، مما أدى إلى تعزيز الاستياء والعزلة.

3. الطائفية: العراق منقسم بشدة على أسس طائفية، وخاصة بين المسلمين السنة والشيعة. وتفاقمت التوترات الطائفية بسبب التلاعب السياسي، مما أدى إلى دورات من العنف والانتقام. وتستغل الجماعات المتطرفة هذه الانقسامات لتحقيق أجنداتها وتعزيز الكراهية والتعصب.

4. التدخل الأجنبي: أدى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وما تلاه من احتلال للعراق إلى إغراق البلاد في حالة من الفوضى، وتفكيك مؤسسات الدولة وتأجيج الصراع الطائفي. وقد سمح فراغ السلطة الذي نشأ للجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة ولاحقاً داعش بالحصول على موطئ قدم، واستغلال المظالم وعدم الاستقرار.

5. التحديات الاقتصادية: يواجه العراق انتشار الفقر والبطالة والفساد على نطاق واسع، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية وخيبة الأمل من الحكومة. إن الصعوبات الاقتصادية تخلق أرضا خصبة للأيديولوجيات المتطرفة، وتمنح الأفراد المحبطين شعورا بالهدف والانتماء. وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية، تزدهر التطرفات، خاصة بين الشباب.

6. التأثيرات الأيديولوجية: اكتسبت الأيديولوجيات المتطرفة، بما في ذلك السلفية والوهابية، قوة جذب في المجتمع العراقي، تغذيها التمويل من مصادر خارجية وانتشار الخطابات المتطرفة. وتروج هذه الأيديولوجيات لتفسير ضيق للإسلام، وترفض التعددية وتشجع العنف ضد الأعداء المتصورين.

7. المؤسسات الضعيفة: لقد تم تقويض المؤسسات العراقية، بما في ذلك القضاء، وقوات الأمن، والرعاية الصحية، والنظام التعليمي، بسبب الفساد والمحسوبية وعدم الكفاءة. وهذا التآكل في الثقة بمؤسسات الدولة يدفع البعض نحو الجماعات المتطرفة التي تعد بالعدالة والاستقرار.

8. الدستور العراقي:  عدم الألتزام بالدستور وتفرد القضاء بقراتها المجحفة بحق الشركاء بالعملية السياسية لمصلحة مجموعة على حساب المجموعات الأخرى أدى الى تأجج شعور بالظلم و أنعدام التثقة بينهم وهذا الشعور سوف يدفعهم الى التطرف للدفاع عن حقوقهم الدستورية.

9. التفتت الاجتماعي: المجتمع العراقي مجزأ على أسس عرقية ودينية وقبلية، مما يؤدي إلى الافتقار إلى الهوية الوطنية والتماسك. ويخلق هذا التشرذم أرضًا خصبة لازدهار الأيديولوجيات المتطرفة، حيث قد يعطي الأفراد الأولوية للولاء لجماعتهم على حساب الأمة.

10. الإعلام والدعاية: تستغل الجماعات المتطرفة قنوات الاتصال الحديثة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر الدعاية وتجنيد المؤيدين. إن انتشار المعلومات المضللة والخطاب المتطرف يزيد من استقطاب المجتمع ويغذي التطرف.

11. الافتقار إلى المصالحة: لم يحسب العراق بعد فظائعه الماضية ويحقق مصالحة ذات معنى بين مجتمعاته المتنوعة. إن غياب العدالة والمساءلة عن الجرائم الماضية يؤدي إلى إدامة دورات العنف وانعدام الثقة، مما يسهل على الجماعات المتطرفة استغلال المظالم.

خاتمة:

إن ميل المجتمع العراقي نحو التطرف هو تتويج لعدد كبير من العوامل، بما في ذلك الموروثات التاريخية، وعدم الاستقرار السياسي، والتوترات الطائفية، والتحديات الاقتصادية، والتأثيرات الأيديولوجية، وضعف المؤسسات، والتشرذم الاجتماعي، والتلاعب الإعلامي، وانعدام المصالحة.

وتتطلب معالجة هذه القضايا الأساسية إجراء إصلاحات شاملة لتعزيز الشمولية، وتعزيز المؤسسات، ومكافحة الفساد، وتعزيز الوحدة الوطنية.

ولن يتمكن العراق من التغلب على شبح التطرف وبناء مستقبل أكثر سلما وازدهارا لجميع مواطنيه إلا من خلال الجهود الحقيقية والصادقة التي يبذلها جميع الشركاء في العملية السياسية.

وعلينا العودة إلى مبادئ التوافق والتوازن والشراكة التي على أساسها صوت الشعب العراقي على الدستور ليكون مظلة لحمايته وعدم المساس بأمنه وحرياته.