العوامل الجيوسياسة والانعكاسات الدولية والاقليمية على الملف الكردي

Kurd24

يرى البعض ان ملف استقلال كردستان من الملفات المعقدة والمتشابكة نسبة للتداخل الجيوسياسي خاصة وان انعكاسات التوترات الدولية والاقليمية والداخلية في كوردستان العراق تلقى بظلالها على الوضع العام.

ويجب القول ان فرصة ان يكون هناك عراق موحد وديمقراطي بعد الان قد انتهت وبالتالي فإن إرهاصات الانفصال أو الاستقلال كمصطلح أدق وقيام الدولة الكوردية كانت ولاتزال مستمرة و بائنة منذ لحظة قيام بغداد ومنذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 بممارسة اشد صنوف العذاب السياسي على شعب كردستان الى ان وصل الحال وخاصة بعد سقوط النظام العراقي في عام 2003 الى ان يحملوا على الاستقلال التام حملا من قبل الحركة الجماهيرية لشعب كردستان التي سعت الى ذلك، ويرى البعض ان مسالة التهميش السياسي والظلم المتبع تجاه حكومة الاقليم والتي كان واضحا من قبل الصفوة السياسية في بغداد خاصة في عهد نوري المالكي وتلاه مواقف رئيس الوزراء الحالي السيد حيدر العبادي هي التي أوعزت الى القيادات الكوردية وعلى رأسهم رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني الى تحديد مصيرهم خاصة بعد ان تضمنت الاتفاقية مع الصفوة السياسية الجديدة في عاصمة الرشيد وبعد أكثر من عقد زمني بحيث كان الجميع يأمل فى ان تثمر فى وضع أفضل ليتجاوز الجميع تلك الإشكالات التي وقعوا فيها وهم فى طريق تنفيذ الاتفاقية وتجاوز مآلات و ويلات الماضي وتطبيق مواد الدستور العراقي الجديد.

ان اقليم كردستان لم يخطط للانفصال إنما اجبر عليه كرد فعل نتيجة السياسات الخاطئة للساسة العراقيين تجاه الاقليم والمتمثلة بقطع الارزاق وعدم تنفيذ المادة 140 من مواد الدستور الخاصة بعودة المناطق الكوردستانية التي خارج الاقليم الى أحضان كردستان لوجود أدلة تأريخية قاطعة تؤكد كوردستانية هذه المناطق اضافة الى التنصل من مهمة تسليح قوات البيشمركة الكردية والتي أثبتت جدارتها وقدراتها العسكرية الفائقة في محاربة داعش وعدم تطبيق قانون النفط والغاز كما نص عليه الدستور  بغض النظر عن التنصل من ملفات عديدة كانت تستوجب على حكومة بغداد تنفيذها وعدم المماطلة في تطبيقها والمراوغة في تنفيذها مع الاسف نحن الان في لحظة نستطيع ان نقول وبكل صدق ان قضية قيام الكيان الكردي في الجزء الجنوبي من كردستان نابع من صراع الهوية التي لم تحسم بعد خاصة وان الاحزاب الكردية الموجودة على الساحة الكردستانية منقسمة بين كرديته لنكن صريحين والوقوع تحت الضغط الاقليمي خاصة الضغوطات الايرانية التي لاترجو لقاء الدولة الكردية ولم ولن تريد للعراق الخير والاستقرار وقد أطلق المسؤولون الايرانيون وفي مناسبات عديدة تصريحات عدائية واصفا استقلال كردستان العراق بالحدث الغير مرغوب فيه ومعتبرا أن هذا الحدث سيهز الشرق الاوسط وهكذا ساهمت طهران وبشكل مباشر وغير مباشر فى توسيع الشقة والخلافات الكردية الكردية بحيث ان مجموعة معينة والمتمثلة بأشخاص وجماعات هامشية؟؟ ترى ان الهوية الكردية يجب ان تكون وفق املاءات ايرانية بينما تنظر الاتجاه الثاني والذي يمثلها الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود بارزاني مع بعض قيادات الاتحاد الوطني الكوردستاني الى أن تكون الهوية والانتماء كورديا وطنيا خالصا بعيدا عن الاجندات الاقليمية المتآمرة  دون استثناء ، ان صراع الهوية داخل النسيج العراقي المتآكل حاليا كما يعتقد الباحثون وصناع القرار كان عاملا رئيسيا فى تفكيك الدولة العراقية وتغيرها وتحولها الى منظومة دينية عرقية مذهبية تتحرك بأجندات ايرانية تمليها ولاية الفقيه، لذا فان دوافع وبواعث انفصال كردستان لها عوامل رئيسية أولها الهوية كما قلنا والتهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من قبل بغداد بالإضافة الى خذلان القوى السياسية العراقية الكردية منها والسنية فى تصحيح مسار الحكم فى العراق نتيجة وجود عراق طائفي بحت، ويبدو أن الملفات الموروثة منذ عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ما زالت تلقي بظلالها على الواقع السياسي وشكل العلاقة بين بغداد وأربيل وحتى عندما تولي السيد العبادي رئاسة الحكومة العراقية الأخير لم يتخذ القرارات التي ينتظرها كردستان لتتراكم المشاكل ولتتفاقم بشكل أكبر مما جعل الجميع أمام مفترق طرق حتى أخفقوا بالتوصل الى حلول ناجحة وهذا مايبدوا واضحا الان.

وكخطوة بناءة في الاتجاه الصحيح أبلغ رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الكثير من الدبلوماسيين العرب والأجانب المعتمدين لدى العراق وفي اقليم كردستان برغبة الإقليم إجراء استفتاء شعبي 'ليعرف العالم ماذا يريد شعب كردستان'.وفي إشارة ضمنية الى معرفته المسبقة برغبة سكان إقليم كردستان بالتصويت لصالح الاستقلال مضيفا أن 'تحقيق إرادة شعب كردستان سيتم في الوقت المناسب وبطريقة سلمية بعيداً عن العنف'.ويُعدُّ هذا الاستفتاء في حال إجرائه الثاني من نوعه بعد استفتاء أول نُظم في عام 2005، وكانت نسبة التصويت لاستقلال إقليم كردستان في ذلك الاستفتاء ساحقة وتجاوزت الــ 90 بالمائة من المشاركين.

وحول مستقبل المناطق التي حررتها قوات البشمركة بعد طرد مسلحي 'داعش' منها واللتي توصف بالمتنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية يرى بارزاني إن إقليم كردستان 'لن يفرض أية صيغة على المواطنين في هذه المناطق مؤكدا دوماً أن أهالي المناطق المحررة هم من يقررون مستقبلهم عن طريق الاستفتاء الشعبي ويجب احترام إرادتهم'.

الان الكرة في ملعب بغداد ويجب أن يحترموا ويقدروا نتائج الخطوات الكوردية القادمة أو ما يمكن اللجوء اليه مستقبلاً لضمان الخروج من المأزق الاقتصادي و السياسي والتخلص من قيود مفروضة علينا من قبل بغداد فلا فائدة من وطن يخلو من الحياة لأن بغداد لا تتفاوض أبدا بل تمارس دور المفاوضات بلهجة الصدق الكاذب و التجارب التأريخية أثبتت هذه الحقيقة المرة و اخبرنا أن السلطة الاتحادية مختصة بشنق الخطاب الكوردي على أبواب بغداد إن لزم الأمر ذلك ولا نغفل أن خطوة الاستقلال الاقتصادي ستعزز من تحركات الاقليم الكردي الرامية للاستقلال.وبلا شك فان  القوى الإقليمية قد تقاوم مساعي بارزاني كما فعلت  على مر التاريخ خاصة الدول المجاورة للعراق التي توجد بها الكورد باعداد كبيرة ومن المفيد القول أننا نتلمس تغييرا ايجابيا في موقف واشنطن تجاه إقليم كوردستان فمتانة العلاقة مع كل من أمريكا والغرب وحتى دول المنطقة ينطلق من نقطتين اساسيتين الأولى ملف الاقتصاد والبترول في إقليم كوردستان  والثانية تطابق السياسة الأمريكية مع الرؤى الكوردية فيما يتعلق بالعراق وعدم وجود جسور ثقة بينها وبين المكون الشيعي وبين الشيعة والسنة أنفسهم , اضافة الى تحول كوردستان  الى حليف استراتيجي مهم في الحرب على داعش.

ان مبدأ سيادة الشعب والذي تضمنته الغالبية العظمى من الدساتير المعاصرة  يعني استقلال الشعب وحقه الحصري في اختيار نمط حياته استنادا الى موروثه من التقاليد والاعراف والقيم الثقافية وان تفعيل مبدأ سيادة الشعب يتم من خلال ما بات يعرف في الادبيات السياسية والقانونية بالديمقراطية المباشرة الاستفتاء والانتخابات بكافة مستوياتها وعلى الرغم من أننا يجمعنا مع الشعب العربي الشقيق الملح والزاد منذ ظهور الاسلام وحتى هذه اللحظة الا  ان واحدا من الاخطاء الاكثر شيوعا في الادبيات العربية السياسية المعاصرة هو اختزال حق تقرير المصير للمجاميع الاثنية المختلفة الى واحد من انواع تفعيل ذلك الحق وهو الانفصال.

في حين ان مراجعة بسيطة للمصادر القانونية وخصوصا الدولية منها من لوائح ومعاهدات تدلنا الى ان تحقيق الاستقلال السياسي ورد كاحد اشكال وضعها فقهاء القانون لتفعيل حق الامم والشعوب في تقرير مصيرها وبالشكل الذي تراه مناسبا. وربما كان تكوين الدوّل المستقلة الخيار الاكثر ملائمة بالنسبة للامم والشعوب التي وصلت الى درجة من التطوّر والكمال الاقتصادي والسياسي تؤهلها لتفعيل الاستقلال السياسي والحفاظ عليه. من هنا يبدو واضحا ان ثمة مقدمات يبدو توفرها شرطا ضروريا لتحقيق سيادة الامة وربما كان تجمع المجموعة الاثنية وعيشها في منطقة جغرافية محددة واحدا من اهم شروط تفعيل مبدأ السيادة السياسية بالاضافة الى امكانية التعامل المتكافئ مع اقطاب المجتمع الدولي الاخرى كما تفعل اليوم حكومة الاقليم وليس اقل اهمية من ذلك شرط امكانية الدفاع عن الاستقلال السياسي وخصوصا اذا ما كان تفعيل ذلك الحق يؤثر على الدوّل الاقليمية التي ترى في تحقيق الاستقلال السياسي لمجموعة اثنية مجاورة جغرافيا تهديدا لاستقرارها الداخلي ولمصالحها الجيوسياسية وفي جميع الاحوال فان قرار الاستفتاء عند السيد مسعود بارزاني يعتبر ساريا بعد مصادقة الغالبية في اقليم كردستان على اجراء الاستفتاء في التوقيت المناسب علما ان التاريخ يؤشر لنا ايضا الى حالات استطاعت خلالها الشعوب الى تفعيل حق تقرير المصير وتكوين دولها المستقلة  ففي بداية الثلاثينات من القرن التاسع عشر تمكنت فنزويلا من الانسلاخ عن جسد فيدرالية كولومبيا فيما خرجت سنغافورة في العام 1965 من تحت عباءة ماليزيا الفيدرالية وبشكل سلمي لكن النزاع المسلح كان سبيلا لخروج بنغلادش عن دولة باكستان والذي لانتمناه أن يحدث في العراق الحالي ؟ وأعود لأقول ان كان اقليم كردستان يخشى سابقا من التضحية بمكتسباته الاقتصادية والمالية عند بغداد فان أسعار النفط العالمية قد أنهت هذا الخوف وأثبتت انه ليس لدينا اليوم ما نخسره  ولو التخوف من أن الاستقلال قد يؤثر على الموقف في الحرب على داعش  فان أمريكا قد دخلت هذه الحرب و ليس أمامها إلا الاستمرار فيه  وأي انتكاسة في هذه الحرب ستعتبر هزيمة لها وهذا ما لن تسمح به ,وأعتقد راسخا أن اغلب الدول المترددة الآن بما فيها أمريكا سوف تعترف بكوردستان بمجرد إعلانها الدولة الكردية خاصة وان هذه الدول تبحث لها الآن عن حلفاء مستقبليين في المنطقة  وقد يشهد استقلال كوردستان تنافسا أمريكيا روسيا لكسبها حليفة في لعبة توازن القوى في المنطقة وبمعطيات جديدة. أن بوادر الاستقلال الكردستاني ظهرت بوضوح من خلال سياسة الإقليم النفطية على يد رئيس حكومة الاقليم السيد نيجيرفان بارزاني ويسانده في هذا المسعى نائبه السيد قوباد طالباني حتى نجحوا في اجتذاب الشركات العالمية مثل إكسون موبيل وتوتال بعقود أكثر إغراء من نظيرتها العراقية.يعتقد مايكل نايتس الخبير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الاوسط ان وصول نفط كردستان إلى سوق الطاقة العالمية يشكل عاملاً حيوياً بالنسبة لمصالح الولايات ولا يخفي في ذات السياق الأهمية اللوجستية لكردستان بالنسبة لواشنطن.

إن كلمة كوردستان في رأي الكثيرين من صناع القرار في بغداد مع الاسف كانت ولاتزال يجب أن تكون دائماً محاصراً بالاف العساكر و التلفظ بها معصية حمراء تحت مظلة سوداء فمسلسل رشق الاطراف الكوردية جزافاً مرة بالخيانة و مرة بالعمالة لاتنتهي. أما نحن فبعد أكثر من خمسين عاماً من الحوار المباشر مع بغداد مازلنا نحمل تحت إبطنا حبالاً لكي نمنح الامان لشعبنا علما أن الظرف التاريخي والمعطيات الدولية في المنظور القريب سوف يساعدنا بعون الله تعالى وبهمة المخلصين من أبناء شعبنا الابي على تحقيق رؤانا بقرب المنال يرونه بعيدا ونراه قريبا وهذا مرهون بمفاجآت الأيام القادمة؟

 

هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولم تخضع للتدقيق اللغوي ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال