إيران وأمريكا بعد كركوك

Kurd24

ايران وأمريكا دولتان كبيرتان في النفوذ والقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية... الخ، يعملان من اجل مصالحهما وهذا حق مشروع، ولكنهما تختلفان في النظام السياسي والرؤية والأدوات وإدارة الملفات الداخلية والخارجية.

امريكا ترى في ايران راعية الارهاب ورأس الافعى ومسبب الازمات في المنطقة لتدخلها في سوريا والعراق واليمن ولبنان وغيرهم، فخلفت وراءها التدمير والتهجير، وان امتلاكها الاسلحة النووية يهدد الامن العالمي ويعرضه للخطر، فاضطرت الى ابرام الاتفاق في عهد الرئيس الامريكي السابق (باراك اوباما) اما ايران فتصور امريكا بأنها الشيطان الاكبر والعدو اللدود للعالم الاسلامي ويحمل مخططات بعيدة المدى لتقسيم المنطقة من اجل مصالحها وتأمين امن اسرائيل وترفع بالدول لتقف بالصف من توجهات ايران والحد من تمددها بأدخالها في تحالفات عسكرية وامنية وعقد صفقات اسلحة رهيبة.

اذن تبدو الدولتان متضادتين ومتنافستين على المنطقة ولكن السؤال الذي يفرض نفسه الى أي مدى يمكن تصديق صحة هذا التنافس التي لحد الان لم ترق الى المواجهة المسلحة ولم تخرج من اطار التصريحات النارية المتبادلة  وأحيانا يمكن التصور بأن الدولتان متفقتان في الخفاء وان كان صراعهما علناً من اجل السيطرة على المنطقة وتركيع الدول تكمن استراتيجيتهما في ادامة الصراع العلني دون الوصول الى المواجهة العسكرية.

ان الادارة الامريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب شددت من موقفها تجاه سياسة ايران وعملت من اجل تجميد الاتفاق وقدمت المشاريع والمقترحات المتعددة في سبيل ذلك من المراكز والمؤسسات والتي انتهت بإعلان ترامب عن إستراتيجية جديدة حيال ايران تقضي بإحالة موضوع تجميد الاتفاق النووي الى الكونغرس لإقرارها خلال 60 يوماً وفرض عقوبات اقتصادية اخرى عليها .

يبدو أن ايران ادركت جدية امريكا في هذه المرحلة وأنها حازمة، فبدأت بالدفاع عن موقفها وتفعيل اجنداتها في المنطقة لتضيق الخناق على امريكا وحلفاءها وتهديد مصالحها سواء بالتصريحات السياسية والعسكرية وعلى ارض الواقع ضاعفت من نشاطها المتمثلة بالتحركات المكوكية لقاسم سليمانى مستشار وزارة الدفاع العراقي ذات النفوذ والقرار والتأثير في المنطقة وبدأ الصراع الايراني الامريكي يتجه نحو التصعيد والتصعيد.

ان الاحداث التي شهدتها مدينة كركوك في 16/10/2017 بدخول القوات العراقية والحشد الشعبي تحت اشراف قاسم سليماني نتيجة انسحاب قطعات من قوات البيشمركة، اشعلت فتيل الصراع الامريكي الايراني وأدخلتها حيز التنفيذ ومنها انطلقت أمريكا لتفرض أبعاد سياساتها ودعت حيدر العبادي لاخراج ميليشيات ايرانية من العراق وتقليص نفوذها، وتم ادراج اسم (ابو مهدي المهندس) نائب القائد العام لفصائل الحشد الشعبي وثلاثة من فصائلها (عصائب اهل الحق وكتائب النجباء وكتائب حزب الله العراقي) على قائمة الارهاب لولائهم لإيران وتنفيذ سياساتها، وفي المقابل دعم حكومة اقليم كوردستان في حوارها مع حكومة العبادي التي تحمل في نواياها السوء لفيدرالية الاقليم وتلوح باستخدام القوة العسكرية بحجة بسط القانون والسلطة الاتحادية على كامل اراضي العراق وان تغيير موقف امريكا من الاقليم بعد اجراء الاستفتاء ادت الى تغيير موقف الاقليم (الوفد المفاوض) مع الحكومة الاتحادية.

ويبدو أن شرارة الصراع تخطت الحدود العراقية لتمدد الى لبنان حيث دفع التدخل الايراني وحزب الله الى استقالة رئيس الحكومة (سعد الحريري) الذي ترك وراءه الاصداء الكثيرة وادخل البلاد في دوامة وفراغ قانوني لا ينتهي بالخير، واعتبر ايران استقالته استجابة لضغوط سعودية وامريكية كجزء من استراتيجيتها لبيان مدى تأثير ايران على لبنان  وقربها من اسرائيل، وكذلك التطورات العسكرية بين السعودية وقوات الحوثيين بأطلاق الصواريخ الباليستية نحو العاصمة رياض مؤشرات خطيرة على تفاقم الازمة، واتهام ايران بدعم الحوثيين لزعزعة امن المنطقة وخاصة السعودية الحليف الامريكي.. ناهيك عن ما يشهده الساحة السورية من توترات وتدخلات ايرانية ومواقف متباينة.

واخيراً وليس آخراً نشر نحو 472 الف وثيقة سرية تتعلق بحياة (اسامة بن لادن) زعيم تنظيم القاعدة بعد مقتله في ابوت اباد في باكستان في ايار عام (2011) بموجب قانون التفويض الاستخباري لعام (2014)، هذه الوثائق التي تؤكد العلاقة المتينة بين تنظيم القاعدة وايران ومدى تعاونها مع القاعدة ومساعدتها من الناحية المادية والمعنوية بالاضافة الى ايواءها لعناصر القاعدة.

ان نشر هذه الوثائق السرية في هذا التوقيت يحمل معان كثيرة، منها بان امريكا جادة في تقليص نفوذ ايران وانها تشكل البداية لتأسيس تحالف دولي لضربها لأن السياسة الامريكية تبدأ ببدايات بيان الانظمة بأنها تدعم الارهاب وتمتلك الاسلحة (النووية او الدمار الشامل) وغيرها من المبررات التي بها تتهيأ الاجواء والكراهية الدولية قبل البدء بضربها أي انها تجمع الاسباب لدفع المجتمع الدولي على التحالف معها.

وان الاحداث المشار اليها دلائل واضحة على انها بدايات لبيان خطورة النظام الايراني في المنطقة وانها تشكل تهديداً لأمن العالم ويستدعي الوقوف بحزم في وجهها.

هذا ما نتصوره وبها فأن المنطقة مقبلة على حرب يدخلها في نفق مظلم يكاد لا يرى الطرف الآخر، لأن الدولتين تملكان ما يكفي من الاسلحة والأدوات الفتاكة المدمرة بحيث ادنى شرارة تؤدي بالمنطقة الى الهلاك اعاذنا الله منها ومن شرورها.

ولكن السؤال الجاد في مخيلة العديد هل ان امريكا  حازمة في مواقفها مع ايران ام مجرد تهيئة الاجواء لحماية مصالحها بصورة غير مباشرة مع ايران واياً منها فأن الحرب اذا قالت كلمتها فستجر المنطقة نحو الدمار الشامل.

 

هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.