البارزاني الخيرية: قافلة الدم استفتاءٌ جديد

Kurd24

"عاش، عاش، عاش"... "بافي كال" أولها كانت لطاعنٍ في السن يبكي وسط الرجال وأمام عدسات المصورين والإعلاميين، تظهر على ملامحه عذابات فقدان الأحبة والانهيار أمام هول المأساة التي حلت بالسوريين وعفرين وخاصة جندريس. والثانية لأمٌ تبكي بحرقة وتصف البارزاني بالأب الحكيم. أختصر أهالي جندريسي أوجاعهم بتلك العبارتين، ليختصرا معها تاريخ عذاباتهم في تلك الرقعة الجغرافية التي شهدت من العذابات والأوجاع ما تفوق قدرة الجبال على تحملها.

كعادته، عمل الشّهم، السروك مسعود البارزاني على إيصال المساعدات إلى عمق النقطة صفر، حيث الحاجة تُريد. ذات مرة قالها أحد المتحدثين باسم "مؤسسة البارزاني الخيرية" نحن نتواجد حيث يجب أن نكون وأن نتواجد. قولاً وفعلاً. ويشهد العقد الكامل للمأساة السورية على التواجد الدائم لها إلى جانب السوريين وأهالي كردستان سوريا خاصة، بدءً من التفجيرات والأزمات التي حلت بالقامشلي والحسكة وغيرها، إلى إيواء الكرد الفارين من جحيم الحرب والظلم في مخيمات إقليم كردستان، إلى مساعدة المحتاجين من السوريين وتوظيفهم وسواها. واليوم حصلت المؤسسة على المرتبة الأولى كأول جهة مدنية خيرية تدخل إلى قلب الحدث. وأيُّ حدثٍ، فهي المتخطية لحدود ثلاث دول، من كردستان العراق، إلى كردستان تركيا، والعبور إلى كردستان سوريا. في عام 2015 قال الرئيس مسعود البارزاني لصحيفة الحياة اللندنية إن "الحدود الجديدة في المنطقة ترسم بالدم"، وفعلاً كررها أبن البارزاني وتجاوز تلك الحدود كالعديد من المرات السابقة، بدءً من معارك تل حميس، تل كوجر، كوباني، وحالياً مع أبناء "جايي كورمينج". قوافل البرزاني الخيرية حملت في عمقها رابطة الدم والتاريخ والجغرافية والمصير المشترك، وجعلت من الدول العربية تخجل من نفسها، وهي الأقرب لتركيا وسوريا من كردستان. كردستان التي كانت سباقة لإنقاذ الأرواح المتساقطة في زلزال تركيا، وخاصة في مدن كردستان تركيا، ولم تفرق بين العرب والكرد والترك، بين السوريين والأتراك، فقط حملت معول الإنسانية لتهدم بها جدران العنصرية، وتزيل أثار الاحتقان التي تركتها الجغرافية والسياسية، ليثبت من جديد أن لا قوة تقف أمام مساندة البارزاني لشعبه.

لنعود إلى مشهد الاستقبال: كرم الضيافة وشجاعة الاستقبال، وفقاً للعديد من السرديات، من عاشها ليس كمن شاهدها، ومن تابعها ليس كمن سمع بها. لم يقترب أحد من المعونات والمساعدات، شعبٌ ينام في العراء، يتحسر على كسرة الخبز، أطفالهم يبكون من الجوع والبرد، مع كل تلك الآهات، وقفوا باحترام وخشوع أمام تلك المساعدات، حتى يأتي دورهم في الاستلام وفقاُ للنظام والانضباط. تلك هي الأخلاف الرفيعة لمن يستقبلون الأخرين في بيوتهم المهدمة. أطفال كردستان بأعلامها وأهازيجها تناسين مؤقتاً فقدان أخوتهم واصدقائهم وجيرانهم، الرجال والنساء والشباب، الأغاني الثورية والقومية، أعلام كردستان التي كانت الجماعات المسلحة في الكثير من الأحيان تمنعها وتحاربها، ومع كل الخوف والرعب الذي زرعته في قلوب وعقول العفرينيين، لكنهم لا يخذلون "بافي كال"، ولا يتوانون عن شكره على طريقتهم، كل ذلك على أنقاض مدينة تتجه للزوال. الفرحة لم ولن تكون لأجل المعونات والمساعدات، هي فرحة اللحظة الحاسمة، وشعور الارتياح في اللحظات الأخيرة، شعور من يجد أن له سندً وأخً وجبلً يتكأ عليه، شعورُ من تتحقق رغباته وأحلامه، بعد سنين عديدة من القهر شعروا بتلك القافلة وكأنها النصر المبين والخلاص الأكيد.

بدأت البارزاني الخيرية من ثوابتها، وتوجيهات رئيس الحكومة والسروك بارزاني، بعيداً عن استغلال مآسي الناس، لم تشترط، ولم تستثمر الزلزال لأغراض سياسية، ولم تفرض مصالحها، هي القافلة رقم واحد في كل شيء، خسرت دون مقابل، تعبت دون طلب الشكر، وأبت تسييس مقصدها، وبل رضيت أن تتحمل الكثير لأجل شعبها، انطلاقاً من مقولة البارزاني " فخر للإنسان أن يكون في خدمة شعبه" . بهجة ولهفة الاستقبال ونسيان مآسيهم تحولت إلى أشبه باستفتاءً أخر على مد البارزانية في "روج افاي كردستان".