الإنسان في ذكرى إعلان حقوقه

Kurd24

الإنسان هذا الكائن الحي الذي كرمه الله عز وجل وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً ونفخ فيه من روحه ونصبه خليفة له في الارض للإعمار ونشر الخير والعدل ونبذ العنف والقتل والطغيان، يمر هذا الكائن في هذه الأيام بالذكرى (الثامنة والستين) للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في (10/12/1948) الذي جاء تلبية لحاجات تلك المرحلة إلى تثبيت حقوق الإنسان بعد تجاوز مرحلة صعبة للغاية وسيئة في العلاقات الدولية حيث انتهت الحرب العالمية الثانية الذي ذهب ضحيتها الملايين وخسر العالم الثروات الكبيرة ناهيك عن تداعياتها على البيئة والصناعة والزراعة بالإضافة الى الخوف والقلق من تكرار نفس المأساة وان الإعلان جاء ضرورة ملحة حيث نصت في موادها على ما كان يعانيه الإنسان في ذلك الوقت من ضياع لحقوقه الأساسية في الحياة ولكن الإعلان يفتقد إلى صفة الإلزام بين الدول وان الالتزام بمبادئه تنطلق من احترام هذه الكيانات للإنسان أملا في وضع نهاية لمأساته وحداً لنداءاته بالإغاثة وتقديم المعونة وحمايته من بطش غيره لينعم بحياته ويعيش آمناً على أرضه دون فزع وإرهاب، و توالت بعد هذا الإعلان العالمي إعلانات أخرى إقليمية مثل (الأمريكي والأوروبي والإفريقي والعربي) للتأكيد على ضرورة احترام حقوقه وان كل المواثيق الدولية والدساتير في الدول نصت على ضرورة حماية الإنسان وحقوقه وحاربت الإكراه والتعذيب والحجز غير القانوني وتشكلت منظمات دولية وإقليمية لمكافحة الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وإصدار التقارير الدورية عن الموضوع ذاته ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل استطاعت هذه الإعلانات طيلة السنوات السابقة ان تحقق أهدافها وتحمي الإنسان وتحافظ على حقوقه المشروعة؟!

فأن المتتبع لأحوال العالم وما يوجد فيها من قتل ودمار وهجرات ونزوح أو امتلاء السجون والمعتقلات يكون جوابه بالنفي القاطع حيث ان الإعلانات باتت جزءاً من الماضي وأوراقا أجتمع عليها الغبار وغطتها على رفوف المؤسسات كما تغطي الثلوج قمم جبال الهملايا والقطبين الشمالي والجنوبي المستمر طوال أيام السنة و انها لم تستطع الحد من:-

  • قيام الحروب و النزاعات: فمنذ القدم الناس يتأرجحون بين الخصام و الوئام و يشقون بالحروب مرة ويسعدون بالسلام تارة ولم تقدر العلاقات الاجتماعية وحسن الجوار وتبادل المصالح والمنافع وكذلك دعوات الفلاسفة والاديان ان تجنب الإنسان من غريزة السيطرة والمقاتلة ومازالت الدماء تراق والأرواح تزهق والحروب مستمرة بتدميرها وتخريبها وان العجب في الإنسان كلما نضج عقله وسما فكره أبدع وأفتن في وسائل الحروب للقضاء على خصمه من بني جنسه، فبعد ان كانت العصا والحجر تستعمل تطور السلاح إلى الرمح والسيف ومنه إلى البندقية والمدافع والى الأسلحة الكيماوية والقنبلة الذرية ولا يعلم إلا الله ما وراء الغيب مما قد يُخترع في المستقبل وان الإنسان كان وقود هذه الحروب والصراعات وزيتها وتفنن في أساليب القتل والتعذيب وقامت حروب دامية بين البلدان انتهكت الحقوق وسلبت الحريات امام انظار العالم والمنظمة الدولية (الامم المتحدة) رغم النداءات وبيانات الاستنكار بضرورة حماية حقوق الإنسان.
  • الصراعات الداخلية: الصراع ظاهرة اجتماعية تعكس حالة عدم التوافق بين رغبتين أو إرادتين وأكثر والصراع الدولي يعني تعارض المصالح واختلاف القيم بين مجموعة بشرية وأخرى وخلال فترة الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والشرقي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق التي استمرت لحوالي نصف القرن، نشبت صراعات داخلية عديدة أي داخل الدولة الواحدة و لكن لوجود مفاهيم سياسية مثل السيادة الوطنية ومبدأ عدم التدخل في شؤون الدول وحماية المصالح الدولية كانت هذه النزاعات على حساب الشعب المغلوب على أمره وان الدولة الآمنة لم تكن تعني الأمان لأفراد شعبها بل ان الدولة نفسها كانت تهديداً لأمن الشعب وتفعل السلطة السياسية في تلك الدولة ما تشاء ضد كل من يخالف سياستها او يطالب بحقوقه بين القتل والابادة الجماعية واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً و إيواءهم في معسكرات وتجمعات سكنية عنوة ووضع القيود على حركتهم والشعب الكوردستاني في العراق مثالاً حياً كضحية لهذه السياسات خاصة خلال العقد السادس والثامن والتاسع من القرن العشرين، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام (1990) و تفرد أمريكا بقيادة العالم ظهرت مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية منها مبدأ التدخل الإنساني والعولمة وحماية الشعوب المضطهدة بذلك قلصت دور السيادة الوطنية وفتحت الحدود امام المنظمات الدولية ولكن هذا لا يعني بان الإنسان كان محمي الحقوق ومصان الحرية وينعم بحياته بل ازداد سوءاً خاصة عندما كان النظام السياسي للدولة يشكل تهديداً لأمن العالم وسلمه فكان الشعب ضحية لعقوبات المجتمع الدولي وإجراءاته بين العمل العسكري والحصار الاقتصادي وتقييد حركة الأفراد ولنا امثلة عديدة كالعراق وسوريا واليمن... الخ.
  • السجون والمعتقلات: تشير الإحصائيات الصادرة عن مراكز الإعلام والمنظمات الدولية الى ان اعداد المساجين والمعتقلين يزداد يوماً بعد آخر وذلك بدوافع سياسية وعرقية وطائفية وقومية أي دون وجه قانوني أو قرار قضائي والجدير بالذكر ان الانظمة السياسية الطاغية على رقاب الشعب كثيراً ما تشرع قوانين خاصة بها للانتقام والثأر من خصومها السياسية وكل من يخالف رأيها و تمارس في هذه المعتقلات اشد انواع التعذيب والعنف والممارسات الشنيعة التي يشمئز منها الضمير الانساني وكانت ولا يزال هذه السجون مكاناً لإرهاب الإنسان وتحييده عن طريقه في نيل حقوقه وغالباً ما تنتهي إلى حبال المشنقة والتصفيات الجسدية وتكون هذه السجون بعيداً عن متناول المنظمات الدولية المعنية بحقوق السجناء وان وجدت فتكون قليلة.
  • الهجرة والنزوح كنتيجة حتمية للحروب والصراعات باتت الهجرة والنزوح من سمات هذا العصر بل وظاهرة عالمية على الرغم من أثارها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ففي ظلها يضطر الإنسان أن يترك أرضه ووطنه ويقبل العيش في أسوأ الظروف الحياتية وأصعبها في المخيمات والمعسكرات ينتظر لقمة العيش يرمى له لإنقاذه من الموت المحتوم وذهب الكثير ضحية بين القتل والغرق وقبول الاهانات والممارسات اللاانسانية في سبيل الوصول الى مناطق آمنة وان أعدادهم في زيادة مستمرة هرباً من يطش بني جنسهم.

كل هذه الاشارات تدل بوضوح على عدم قدرة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من إيقاف او الحد من الانتهاكات المستمرة لحقوق اكرم مخلوق على وجه البسيطة وان المجتمع الدولي بكياناته ومنظماته مسؤول عما يشهده العالم حتى يومنا هذا فما زالت الحروب مستمرة وقتل الاطفال والنساء وهدم المدن واللجوء والنزوح مشاهد يومية وتنزف الدموع من العيون وترهق القلوب وان هذه الإعلانات باتت وسائل وادوات في ايدي الدول لتحقيق مصالحها وتأمينها دون المبالاة بحياة الأبرياء العزل وان كل الحقوق المنصوص عليها في هذا الإعلان تنتهك وان كان بشكل نسبي والجميع يتحمل المسؤولية ايضاً بشكل نسبي... لذا نشيد بالمجتمع الدولي وهو مطالب بمراجعة آلياته في حماية الانسان وحقوقه في ارجاء المعمورة واعادة تشريع القوانين واصدار القرارات الملزمة للأشخاص بضرورة الاستجابة وان الموجود منها بات دون جدوى ونفع، والا سيكون الآتي من الحروب والدمار والانتهاكات اكثر وعلاجها صعب وسط مصالح الدول في تأمين مصادر الطاقة وبسط النفوذ وربما نكون على أبواب حرب عالمية ثالثة تأكل الأخضر واليابس أعاذنا الله من ويلاتها وشرورها لأننا أكثر الناس إحساسا بها لما لاقيناه على مر التاريخ.

 

هذه المقالة تعبر عن رأي كابتها ولا تعكس بأي شكل من الأشكال وجهة نظر كوردستان24.