النظام ينبثق من الخراب

Kurd24

يبدو غريباً ان يرتبط بناء النظام بالتخريب ولكنه عمل مألوف عند لاعبي الاوراق عندما لا يكون اوراقه وفق رغبته يطلب من الاخرين خلط الاوراق ثانية واعادة التوزيع في سبيل تأمين الحصول على الاوراق التي تسنح له فرصة الفوز و بعكسه لا يكون النصر حليفه وهذا يعني بأن النظام الجديد (التوزيع الجديد بمعنى اخر) قد بني على التخريب و اعادة الهيكلة .

باتت هذه الكلمات المتضادة في معانيها اذا جاءت بمفردها والمتناسقة اذا ارتبطت ببعضها مبدأً اساسياً ومنهجاً في السياسة الدولية ومعالجة القضايا العالقة، وان الدول الكبرى التي تمتلك القرار في سبيل بسط هيمنتها على الدول كثيراً بل في جميع الاحوال تلجأ الى العمل بهذا المبدأ وتتفق فيما بينها على تدمير ما سبق بناءه من الانظمة السياسية الحاكمة وتخريب البنية التحتية للمناطق لتكون فرصة ذهبية لاعادة هيكلة تلك الانظمة والمناطق وفق ماتشتهيها مصالحها وترسم حدوداً وتؤسس كيانات جديدة على انها كانت الامل المنشود لأهالي تلك المنطقة، وان التاريخ البشري شاهد على ما نذهب اليه وهذا يعني بأن اعادة هيكلة الانظمة و الكيانات السياسية لا تتغير في الظروف الطبيعية و الانقلابات في ابسط صورها هي ثمار لسوء الاحوال الاقتصادية و السياسية وتردي الامن و ضعف السلطة الحاكمة على تقديم الخدمات المختلفة الى المواطنين الخاضعين لها , و لكي لا نذهب بعيداً فان تأسيس العراق كنظام سياسي عام 1921 جاءت كثمرة لسوء الاحوال و قلة الخدمات في ظل سلطة الرجل المريض الذي اصابه التصدع و الانهيارات المتتالية قلصت من سيادتها حتى حصرت في تركيا الحالية و ان ظروف الحرب العالمية و انتصار الحلفاء و اطماعها في المنطقة اسباباً اخرى لانبثاق انظمة جديدة بحدود رسمتها ريشة المصالح الدولية.

ومن الجانب الاخر فأن الفيدرالية الكوردستانية عام 1992 انبثقت من الخراب والتدمير الذي مارسته النظام العراقي السابق طيلة العقود الاخيرة من القرن الماضي بين التعريب و تدمير القرى و المدن و اعتقال المدنيين و عمليات الانفال و استخدام الاسلحة الكيمياوية والمحاولات المستمرة لطمس الهوية الكورستانية و فصل كل ما يربط بين الانسان الكوردستاني و ارضه وتاريخه وثقافته وتراثه.

اذن النظام الفيدرالي لأقليم كوردستان انبثق من عمليات التدمير المنظمة حتى وصلت ذروتها بغزو دولة الكويت (الذي مر قبل ايام ذكراها) وفعل النظام العراقي كل اشكال العنف و القتل والتشريد ووقف المجتمع الدولي بوجهه ودمرت الترسانة العسكرية و انتهت بقيام الانتفاضات الشعبية في الجنوب و الشمال. و ان القراءة السريعة لما يمر بها المنطقة برمتها تؤكد بان مرحلة التخريب قد بدأت منذ سنوات باختلاف اداتها بين الجماعات القومية العنصرية و الدينية المتطرفة التي احرقت اليابس و الاخضر فان الجماعات الارهابية المتعددة في مسمياتها و اسباب ظهورها و سيطرتها على المنطقة و وقوف المجتمع الدولي بوجهها دفعت المنطقة بمدنها و قراها الى التدمير الذي قل مثيلها في التريخ و ربما يوشك مرحلة التخريب على النهاية خاصة بعد دحر داعش في الموصل والهجوم عليها في الداخل السوري لتبدأ مرحلة انبثاق انظمة سياسية جديدة في كيانات جديدة ايضاً بحدود كانت ضرباً من الخيال قبل سنوات منها على سبيل المثال الكيان الشيعي و اخر سني و يبقى الكورد متأرجحاً بين طموحاته في بناء كيان مستقل له ينعم بحياته و حقوقه الذي ناضل من اجلها و بين تهديدات الدول المجاورة و الاصوات الداخلية التي تعزف على ما تشتهيه هذه الدول بعدم مناسبة الوقت و عدم فلاح الحكومة الكوردستانية في الادارة و تقديم الخدمات او ان الاعلان عن الدولة سيعرض الاقليم الى الحروب الدموية و الحصار الاقتصادي و عزلة دولية تامة , و لكن القيادة السياسية ماضية في اجراء الاستفتاء و تحاول رص الصف الداخلي و حل المشاكل العالقة لأن قراءتها للاحداث تؤكد بان المنطقة مقبلة على التغيير و ان الشعب الكوردستاني يستحق ان يملك قراره المصيري الذي طالما حرم منه لا لضعفه بل كان ضحية لمؤامرات و مصالح دولية و اقليمية و يبدو انها اعتمدت على هذا المبدأ كثيراً في عملها على الصعيد الدولي والداخلي والامل منشود بان الحلم الكوردستاني سيكون واقعاً في القريب العاجل بأذن الله و همة الاوفياء والمخلصين من الشعب والقيادة.

 

ملحوظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.