العبادي بين الاتفاق والاتفاق

Kurd24

تعددت الاراء ووجهات النظر بين الاكاديميين والمختصين والعامة من الناس حول مفهوم السياسة ودلالاتها ومقوماتها اعتماداً على النظام السياسي المعمول به، والبيئة التي يعيشها، ودرجة الثقافة، وتطور الحياة، ولكنها تتوحد بان السياسة هي فن ادارة المصالح أي تحقيق اكبر قدر من المصالح الداخلية والخارجية وحمايتها والتضحية بأخف الضررين منها. هذه المصالح متداخلة بين بني البشر واتسعت دائرتها لتشمل المدن والدول بل وهناك مصالح تشترك فيها المجتمع الدولي برمته وتسعى بالوسائل المتاحة لحمايتها وبعدم التعدي والتجاوز عليها.

العراق دولة تم تأسيسها عام 1921 من قبل الدول العظمى بالكيفية التي تناسب مصالحها على المدى البعيد وبريطانيا كانت رائدة في هذا المجال، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات في المجالات المتعددة بينها وبين الدول المحيطة بها، والتي كانت السبب في مد وجزر علاقاتها نتيجة الالتزام او عدم الالتزام بنصوص هذه الاتفاقيات، لأن هذه الدول تملك مصالح إستراتيجية داخل العمق التاريخي والجغرافي ولا تتنازل عنها بسهولة بل تدافع بشراسة عنها. شهد العراق في السنوات الثلاث الاخيرة أي منذ عام 2014 احداث كثيرة تركت بصماتها على حياة العراقيين والمنطقة بأكملها منها عمليات الإقصاء التي مارستها حكومة المالكي مع المكون السني وظهور الجماعة الارهابية (داعش) وقطع الموازنة والرواتب عن اقليم كوردستان والإقصاء التدريجي لها.

بعد استلام حيدر العبادي لرئاسة الوزراء أكمل مشوار سابقه بحلة جديدة فقد اجاد ادارة ملف المفاوضات مع الاقليم وايجاد التنسيق المشترك بين القوات العراقية والبيشمركة في محاربة داعش وتحرير مناطق شاسعة من سيطرة داعش خاصة قضائي تلعفر والحويجة، وكانت كل الاشارات تدل على ان الحكومة العراقية تنتظر الفرصة السائحة لمحاربة الاقليم سياسياً وعسكرياً. وما ان أوشكت القوات العراقية من النهاية في حربها مع داعش إلا وبدأت توجه فوهات بنادقها الى الاقليم لتطلق كيدها المسموم المتراكم وحقدها الدفين لتجربتها الديمقراطية الى العلن، ومرحلة عقد الاتفاقات الداخلية والاقلمية دخلت حيز التنفيذ والكل يحمل تحت ابطيه اهدافه، وبدأت الحركة الدبلوماسية تتفاعل بين العواصم ونشطت خاصة بعد قرار الشعب الكوردستاني بإجراء الاستفتاء الشعبي في 25/9/2017 رغم المناشدات الدولية المتعددة بتأجيلها او إلغائها و منح الاولوية لحرب داعش.

إن الزيارات المتتالية لرئيس الوزراء العراقي (حيدر العبادي) الى عواصم دول الجوار تحمل بين طياتها الكثير من المعاني، وكل عاصمة تريد منه التوقيع على اتفاق لصالحها وتحمي اجنداتها في العراق، فالسعودية تريد منها الخروج من كنف الدولة الايرانية والاهتمام بسنة العراق والاشتراك في الامور الاقتصادية والاستثمارية تحت سقف (مجلس التنسيق العراقي السعودي) كخطوة في اتجاه تحسين العلاقات بين الدولتين بإشراف ومباركة امريكا، ومصر والاردن يريدان من العراق ان يلعب دوره المنشود مستقلاً بعيداً عن تأثير ايران، أما تركيا التي تحمل الكثير من الاطماع و لديها نقاط الخوف في العراق فأنها دعت العبادي الى إخراج قوات حزب العمال الكوردستاني من اراضيها، لأنها تشكل تهديداً لأمنها القومي وتأمين ضخ النفط الى ميناء جيهان و محاولة قطع الصلة بين اقليم كوردستان و كوردستان الغربية في سوريا، وإبقاء معسكراتها في داخل العراق , و الاهتمام بمطالب التركمان، وقد لاقت المطالب التركية ترحيباً من قبل العبادي، أما ايران ذات النفوذ الواسع و المؤثر في القرار العراقي فأنها تعمل بكل اجنداتها لتبقى العراق من جنوبه الى شماله اسيرة سياساتها وتقف ضد المصالح الامريكية والغربية، وتستولي على منابع النفط سواء في كركوك او غيرها من المناطق وتحاول اكمال الهلال الشيعي الممتد من طهران الى بيروت مروراً بالعراق و سوريا و لديها من الاتفاقات مالا تحصى مع العراق تسمح لها ان تفعل ما تشاء و تلزمها القيام باعمال و تصرفات تصب في مصلحة ايران و امريكا الذي قدمت التضحيات الكبيرة و انفقت الاموال الطائلة لتحقيق مصالحها في المنطقة و خاصة العراق تقف الى جانب العبادي و تحاول مساندته باعتباره الاقرب اليهم و دعمه في الانتخابات القادمة، ويطالبه بمحاربة الاجندات الايرانية و ميليشياتها و ان الحشد الشيعي يعمل وفق السياسات الايرانية، و في المقابل يرد عليهم بان الحشد جزء من المنظومة العسكرية العراقية و ابو مهدى المهندس يناضل من اجل العراق في وقت صنفه امريكا ارهابياً و أن يضع مطالب السنة في الاهتمام في وقت ليس بيده حيلة ..

كل هذا و غيره الذي يختفى في بطون الرفوف من الاتفاقات و المطالب المتكررة تأتي في وقت يعيش العراق كدولة في ظل انقسام شيعي و شيعي حيث يقف المالكي على رأسهم ضد كل قراراته و تطلعاته طمعاً في تحقيق الفوز بالانتخابات القادمة و ضرب كل مشاريع العبادي بالحديد و النار , و يعزي احداث مدينة كركوك بعد 16/10/2017 الى غيره و لايعتد به  كانجاز من صنعه , كما و ان فصائل الحشد الشيعي لايتقيدون بأوامره رغم كونه القائد الاعلى للقوات المسلحة لانها مليشيات غير منظبطة تتكون من اكثر من (60) فصيلاً تحمل اهدافاً مختلفة و تتفاوت بقربها من ايران كما ان التيار الصدري و مجلس الاعلى لهما مواقف مغايرة لموقف العبادي في كثير من الاحيان .

و عليه فإن العبادي قد ألزم حكومته بالعديد من الاتفاقات و الوعود لدول الجوار و العالم , بحيث لا يستطيع ان يفي بجميعها في آن واحد لعدم القدرة الداخلية و تضارب التوجيهات الخارجية , لذا فان ممارساته مع اقليم كوردستان و وقوفه الصارم حسب أعتقاده تضمد جراحاته و يخفف كاهل التزاماته و ان الاتفاقات المبرمة بروح تأمرية و كيدية لايجدي نفعاً بل يعود اليه بالضرر فالمكر السيئ لايحقق إلا بأهله . لكن سرعان ماتتغير المواقف الدولية و ان المنطقة مقبلة على المزيد من الاحداث و التطورات التي نرى بأنها لاتصب في صالحه طالما يتمسك بهذه العقلية فعليه القبول بالتفاوض و الجلوس على المستديرة للحوار و الوصول الى الحلول و الكف عن لغة التهديد و منطق القوة.

 

ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.