أهمية تشريع ‏قانون النفط والغاز

Kurd24

أصدر دستور دائم للبلاد عام 2005 وأصبح نافذا في العام اللاحق. ثم عزز هذا الدستور بجملة من القوانين لها أهميتها في تنظيم شؤون الدولة ومؤسساتها. ورغم انقضاء 20 عاما على تشكيل برلمانات وكابينات وزارية متتالية في العراق, فأن قوانينا مهمة لا تزال تنتظر التشريع. وأهم القوانين في قائمة الأنتظار هو قانون النفط والغاز الذي لم يبصر النور بعد, وتلك مفارقة في بلد ينتج نفطا وفيرا منذ ثلاثينيات القرن الماضي. 

‏لقد نجم عن غياب هذا القانون ومايزال فراغا تشريعيا وارتباكا إداريا في دولة ‏نفطية تمتلك رابع أكبر احتياط في العالم وتمثل ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة الاوبك ويعتمد اقتصادها على النفط بنسبة تقارب الـ 93%. ‏وفي القانون الجديد لموازنة الأعوام 2023 إلى 2025, بلغت الإيرادات المقدرة للنفط نسبة 87% من عموم الأيرادات, فيما لم تتجاوز الأيرادات غير النفطية نسبة  13%, و يؤشرذلك, حسب اجماع خبراء الاقتصاد, خللا جسيما في هيكلية الاقتصاد العراقي.

 

‏قوانين متعلقة بالنفط

‏تمكنت الحكومات والبرلمانات السابقة من تمرير قوانين تتعلق وتعالج جوانب محددة في الصناعة النفطية, تم تمريرها بيسر في البرلمان العراقي ومنها: ‏قانون الاستثمار في تصفية النفط الخام رقم (64) لسنة 2007, ‏قانون مكافحة تهريب النفط ومشتقاته رقم (41) لسنة 2008, ‏قانون شركة النفط الوطنية رقم (4) لسنة 2018.

‏وباستثناء قانون شركة النفط الوطنية, فالقوانين الأخرى تعد أقل شأنا. فقانون مكافحة تهريب النفط, وعلى الرغم من تفعيله منذ 15 عاما, لم يتمكن من تقليل أو منع عمليات التهريب التي تغولت شبكاتها وأخترقت بعض مؤسسات الدولة في وسط وجنوب العراق. ‏أما قانون الاستثمار في التصفية فقد اتاح فرصا جديدة للاستثمار, الا أنه لم يفلح لغاية الآن, ورغم انقضاء 16 عاما على اصداره, في استقطاب وجذب استثمارات أجنبية كبيرة لأنشاء العديد من المصافي. ولا يزال العراق يعاني من عجز في المشتقات النفطية كالبنزين وزيت الغاز (الكازويل أو المازوت) والغاز الطبيعي في الوقت الذي تخطت صادراته اليومية (3.4) مليون برميل من النفط الخام.

 

‏تباين وتقارب الرؤى حول قانون النفط

‏ أعدت وزارة النفط الأتحادية مسودة أولية لقانون النفط والغاز, عرضت للتدارس على الأطراف السياسية المشاركة في تحالف إدارة الدولة وكذلك على حكومة اقليم كردستان والمحافظات المنتجة للنفط و.

وبعد أن تبدى كافة الأطراف ملاحظاتها, سترسل مسودة القانون إلى رئاسة الوزراء للمناقشة والمصادقة, لتحال بعد الى مجلس النواب (البرلمان) للمناقشة والتشريع. حكومة اقليم كردستان أرسلت وبشكل رسمي رؤيتها وملاحظاتها حول القانون الجديد والمستندة على مواد الدستور المتعلقة بالنظام الفيدرالي (المادتان 116 و 117) والمواد التي تشير الى اشراك الاقاليم والمحافظات المنتجة للنفط في ادارة النفط المنتج من أراضيها (المادة 112). كما قدمت المحافظات المنتجة للنفط ملاحظاتها حول مسودة القانون الجديد الى وزارة النفط الأتحادية. وبسبب وجود العديد من النقاط المشتركة والتفاصيل المتطابقة, يعتقد كاتب هذا المقال بأمكانية ادماج المسودة الحالية لوزارة النفط مع رؤية الاقليم وملاحظات المحافظات المنتجة والخروج بصيغة (مسودة) وطنية شاملة وموحدة تحترم جميع الأراء والرؤى وتوحد التوجهات بما يخدم الشعب العراقي واقتصاد البلاد بافضل الأشكال. نعتقد أن اعداد صيغة معدلة وموحدة للقانون لن يكون أمرا متعسرا, فقانون النفط, وبخلاف العديد من القوانين الأخرى, يشتمل على الكثير من التفاصيل الفنية والهندسية والتي لامجال لتباين أو تعدد الآراء بشأنها.

 

أهمية تشريع قانون النفط والغاز

‏لقد خلق عدم اصدار قانون النفط ومازال فراغا تشريعيا مستمرا منذ 18 عاما, وكان لذلك الفراغ  تبعات سلبية على إدارة قطاع النفط والغاز في العراق. وطيلة الأعوام السابقة كان قطاع النفط والغاز العراق يدار بالاعتماد على مادتين مختصرتين في الدستور العراقي: المادة (111) من الدستور تتعلق بملكية موارد النفط والغاز وتنص على (النفط والغاز ملك لكل الشعب العراقي), ‏والمادة (112) تتعلق بادارة النفط والغاز وتنص على (أولا: تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز  المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة وتوزيع إيراداتها, ثانيا:المركز والأقاليم والمحافظات يضعان السياسات والاستراتيجيات لتطويرثروة النفط والغاز).

‏فالقانون الجديد, بعد تشريعه الذي نتأمل أن يكون قريبا, سيمنح الغطاء القانوني لكل الخطط والمشاريع و والتعاقدات و الأجراءات التنفيذية في صناعة النفط والغاز في العراق, وسيضمن إدارة مؤسساتية أفضل لهذا القطاع الحيوي ويغلق العديد من أبواب الفساد والتفرد في اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تمس اقتصاد ومالية البلاد ومقدراتها.

‏يتضمن القانون الجديد أو مسودتة, تشكيل ما يسمى بالمجلس الاتحادي للنفط والغاز والمجلس الإقليمي للنفط والغاز ويتضمن المجلسان شخصيات ادارية رفيعة المستوى (وزراء ومحافظون) قادرة ومخولة بأتخاذ القرارات الاستراتيجية والمصادقة على خطط الانتاج والتطوير والتنمية المستدامة, اضافة الى خبراء مختصون في قطاع النفط والغاز. أما الجوانب التنفيذية في الصناعة النفطية فستؤول الى مركز الوزارة والشركات النفطية العامة أو أية جهات اخرى مختصة. وهذا التوزيع للمهام والواجبات والتخصصات بين المجلس الاتحادي/الاقليمي سيضمن ادارة واداء أفضل للقطاع النفطي والغازي وسيحول دون تقاطع المهام والواجبات بين الجهات التي تضع الاستراتيجيات والخطط والجهات التنفيذية والى تقليل الأخطاء والأضرار الى أدنى الحدود, وهو ماعهدناه سابقا عندما كانت مهام التخطيط والتنفيذ تنفرد بها جهة واحدة.

القانون الجديد للنفط سيكون مفيدا كذلك لإقليم كردستان أسوة بباقي أجزاء العراق, حيث من المؤمل أن ينجح في احتواء كل الخلافات السابقة مع الحكومة الأتحادية في إدارة القطاع النفطي كما أنه وفي حالة تمريره بصيغة تتفق عليها كافة الأطراف سيحول دون ظهور أية خلافات مستقبلية وبذلك تصبح إدارة هذا القطاع سلسة وخالية من أية معضلات.

‏من المهم بمكان أن يحترم هذا القانون ويلتزم النصوص الدستورية فالمادة (13) من الدستور تنص على (عدم جواز سن أي قانون يتعارض مع الدستور). ومن المهم كذلك أن ينسجم قانون النفط مع جوهر النظام الفيدرالي في العراق المكفول في المواد (1) و (116) و (117) من الدستور. فالقانون الجديد للنفط وسائر القوانين العراقية الاخرى يفترض أن تلتزم الفيدرالية بشكل واضح وتتفادى المركزية التي لا تمت للنظام الحالي بصلة.

‏المحافظات المنتجة للنفط والغاز, وأهمها خمس محافظات, سيضمن لها القانون الجديد حق المشاركة (من خلال المحافظ أو أية مكاتب ادارية أو فنية في المحافظة) في ادارة ووضع الاستراتيجيات في الصناعة النفطية ضمن الرقعة الجغرافية لها, وسيكون لها تمثيل في المجلس الاتحادي للنفط والغاز. وهذا الأمتياز يعد انصافا مستحقا للمحافظات المنتجة والتي تحملت وتتحمل آثارا بيئية وصحية متعددة من تلوث في الهواء والماء والتربة واتلاف طبيعة وطبوغرافية مناطق الحقول النفطية. وهذه المشاركة ستضمن للمحافظات المنتجة وسكانها الحصول على المزيد من المنافع الاجتماعية التي يفترض أن تقدمها الشركات النفطية العاملة في مجالات الاستكشاف والتنقيب والانتاج والتصفية للنفط والغازفي تلك المحافظات.

نتطلع أن تثمر التفاهمات بين الشركاء في العملية السياسية وخارجها في تشريع وتمرير قانون النفط والغاز بصيغة تحترم مواد الدستور وتحفظ حقوق كافة مكونات الشعب العراقي, وأن تسود ألأجواء روح وطنية خالصة لا تبتغي سوى خدمة الشعب العراقي والنهوض باقتصاده وتتخطى المشاكسات والمزايدات السياسيىة والاجندات الحزبية الضيقىة.