الفرق بين حريق قاعة الهيثم في قرقوش(حمدانية) وحريق قاعة سينما عامودا في كوردستان سوريا

Kurd24

في ساعات متأخرة من مساء يوم 26 / 9 / 2023 كان المشاركون في حفلة زفاف لاحد ابناء البلدة رجالاً ونساءاً كباراً وصغاراً للتعبير عن فرحتهم وغبطتهم للعروسين وذويهما .

وكما هو مألوف فأن الفرحة للمشاركين تبلغ ذروتها في الساعة الاخيرة للمراسيم وتشتد فعاليات المشاركين كلٌ على شاكلته من دبكات ورقصات متنوعة في انغام موسيقية وغنائية عارمة كخاتمة للاحتفالية واقتراب موعد انتقال العروسين الى المكان المخصص لهما لتبدأ حياةً زوجية بينهما التي هي المحطة الثانية بعد الميلاد للبدء بحياة عائلية ريثما تحل عليهم المحطة الاخيرة التي هي الرحيل الى الاخرة آجلاً ام عاجلاً.

ولسوء حظ الزوجين واهل البلد فأنّ عقارب الساعة لم تمضي الى النهاية كما كانت المراسيم تمرّ بها في مثل هذه المناسبات وبدلاً من ذلك بدأت في الدقائق الاخيرة الشرارات النارية تتصدر وتنتشر في القاعة لتتسبب في حريق يلتهم الارواح بلا رحم وبلا تمييز لما يزيد عن مئة شخص وبدأت الفاجعة تسجل حجم الدمار ليس على مقياس ريختر وانما على مقياس سريان النار في الهشيم .

امّا حادثة اشتعال النيران في سينما شهرزاد ببلدة عامودا الكردية التابعة لمحافظة حسكة بسوريا منتصف نوفمبر عام 1960 فكانت اكثر مأساويةً لكون معظم الضحايا كانوا اطفالاً من طلبة مدرسة الغزالي الابتدائية ومعظمهم كانوا في احوال معيشية سيئة ، حيث تمّ اجبارهم على التبرع بمبلغ لمشاهدة فيلم سينمائي عن الحركة التحررية لثوار الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي في وقت كان لنصف ليرة له قيمة شرائية لحاجاتهم اليومية نتيجة الفقر وسوء الاوضاع المعاشية لهم آنذاك .

بما ان دار السينما كانت قاعة طويلة مبنية بشكل (خان) سقفها من الاخشاب وجدرانها قد زينت بالقماش على شكل ستائر متدلية لاخفاء التشققات المبينة على الجدران للزينة واضفاء الجمالية للقاعة.

عرض الفيلم قد جرى لوجبتين من الطلاب في النهار ولم يسع لطلاب مدرسة الغزالي بكاملها المشاركة لذا تم الزامهم بناءً على أمر مدير الناحية على عرض الفيلم ليلاً والزام طلبة تلك المدرسة و90 ./. منهم من الكورد للحضور ومشاهدة العرض السينمائي للفيلم المذكور .

ولدى تشغيل ماكنة العرض كانت شرارات نارية تصدر من عجلة الماكنة وتسببت في التهام النيران للاقمشة المغطاة للجدران وأدت الى اشتعال النيران فيها وامتدّت للسقوف الخشبية وكان باب القاعة صغيراً لم يتسنى للطلبة الخروج منهه اضافةً الى التدافع الذي حصل لهم املاً للخروج والخلاص من الجحيم ، فقد زاد ذلك من حجم الكارثة.

وكانت النيران تشتدّ بعد كل دقيقة لذا حصدت النيران ارواح ما يقارب مائتي طالب وبعض الناس الذين هرعوا لنجدة ذويهم واخرين سارعوا لانقاذ المنكوبين بدوافع انسيانية .

بقي تاريخ واسم سينما عامودا صفحة مأساوية في اذهان ذوي الضحايا على مرّ التاريخ ومن نجوا من بينهم لا زال يخيم على اذهانهم ذلك اليوم المشؤوم والمنظر الرهيب لتلك الحادثة من حيث حجم الكارثة وعدد الضحايا من جهة والاوضاع السياسية التي كانت سائدة وما كان الكورد يعانيه من غبن وظلم وبؤس وكبت للحريات في ظرف بلغت النشوة القومية للعرب ذروتها للتحرر والتطلع للوحدة ونصرة بني جلدتهم في بلدان اخرى دون اي اعتبار للقوميات التي كانت تعيش معهم وتساندهم في التحرر وبناء البلد .

اما نقاط المقارنة بين الحادثتين ( حمدانية،عامودا ) هو انّ كلاهما كارثتان مروعتان على وجه الانسانية لكنهما في بلدين وزمانين مختلفين فالاولى كانت للتعبير عن مشاعر الفرح وتقديم التهاني للعروسين ببلدة الحمدانية في العراق بينما الثانية كانت اجبارية لدوافع سياسية لنظام الحكم في سوريا وفرض تلك الدوافع على قومية اخرى غير عربية.

نجدة حادثة الحمدانية جاءت من اقليم كردستان قبل العراق الاتحادي بينما نجدة طلبة الكورد في عامودا لم تصل من الحكومة عند الحادث.

حادثة الحمدانية هزّت ضمير الانسانية من كل بقاع الارض بينما حادثة العامودة باتت مغطاة بغلاف سياسي وعنصري لم تشأ للحكومة انتشار اخبار ها خارج حدود محافظة الحسكة او حتى خارج حدود تلك البلدة الصغيرة، حادثة الحمدانية اعلن لها الحداد من الحكومة المحلية والاتحادية وحكومة الاقليم بينما حادثة العامودا لم تلقى ايّ اهتمام من حكومة الوحدة السورية - المصرية .

حادثة الحمدانية لاقت الاهتمام بالضحايا وذويهم وتخصيص مساعدات مادية وعلاجية بينما ضحايا العامودا كأنهم فقدوا ارواحم في اجل مسمّى وليس بحادث مروع عن اوامر وتوجيهات الحكومة.

هذه المقارنة ليس من دافع الحسد على ضحايا الحمدانية وانما مجرّد مقارنة بسيطة بين الحادثتين ، فكلّ مايقدم لذوي ضحايا الحمدانية من اموال ومساعدات لا تعوض عن قطرة دم لضحية واحدة ولكن من حيث العوامل النفسية فزيارة رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وكبار المسؤولين لموقع الحادث وتقديم التعازي والتعبير عن الاسى والحزن ربما يساعد على تخفيف حجم المآسي التي حلّت بذويهم واهل البلد والمكون المسيحي الذي عانى ما عاناه زمن عمليات القاعدة وهجمات (داعش) على نينوى ومناطق اخرى في العراق والاقليم .

كان اقليم كوردستان هو المبادر الاول في مراعاة خصوصية المسيحيين والأيزديين والسبّاق لحمايتهم بتشكيل قوات الحماية لهم من ابناء بلداتهم في سهل نينوى وخاصةً للمسيحيين والأيزديين في باشيك لممارسة شعائر هم الدينية في كنائسهم ومعابدهم والمراكز الثقافية والاجتماعية الخاصة بهم اضافةً الى ذلك فكان الاقليم ملاذاً آمنآ لهم كلما ضاقت بهم الاوضاع الامنية وخاصة في اعقاب النزوح الجماعي الكبير لسكان نينوى اثناء غزو ( داعش ) للمحافظة.

فلتكون حادثة الحمدانية ايذاناً للحكومة والجهات المعنية في مراجعة حساباتهم الامنية للاجرائات الاحتياطية والاحترازية للحماية والنجدة وسبل المعالجة وخطواتها لكل حالة مماثلة مستقبلاً لاسامح الله بمهنية مؤسساتية وانسيابية دون تخبط او تلكؤ. رحم الله ضحايا حادثتي الحمدانية وعامودا ودامت الانسانية بالأمن والأمان والاستقرار والحياة الكريمة.