التعريف الصحيح لكوردستان قوية

Kurd24

في حديث مختصر بيني وبين مواطن اماراتي التقيته بدبي، سالني: ما الذي تجنيه الحكومة العراقية من المشاكل مع اقليم كوردستان؟ هي تقطع مستحقات الاقليم المالية، وهي تعرقل عمل شركة كورك للاتصالات والتي كنا نتواصل مع ارقام هذه الشركة بكل سهولة وسلاسة، وهي تسكت عن الفصائل التي تستهدف امن الاقليم، هل تخاف الحكومة من كوردستان قوية؟ هل يجب ان اقلق لاية تطورات من الممكن ان تشهدها ابو ظبي او الشارقة او اية امارة اخرى؟

اثار هذا الكلام اهتمامي فعلا لانني سمعت ايضا تصريحا لسياسي ورجل قانون عراقي مخضرم وهو يقول وبكل صراحة بان بقاء الاقليم قويا سيكون سببا في ضعف بغداد لذلك علينا محاربة الاقليم عن طريق المحكمة الاتحادية، وهذا مايبين الفرق الواسع والكبير بين من يثق بدولته وقوتها واسسها ومن يقف على اساس هش خائفا من اي تطور، باختصار..يظهر الفرق بين رجال الدولة والطارئين على عموم العملية السياسية.

وفي خضم هذه المعمعة ومع استمرار التهديد والوعيد المباشر والغير مباشر لاقليم كوردستان سياسيا واقتصاديا واستخدام الورقة الاقتصادية والامنية للضغط على الاقليم، كان لرئيس حكومة اقليم كوردستان كلام واضح وضع من خلاله النقاط على الحروف حول الفهم الحقيقي لكوردستان قوية والتعريف الواضح لما تعنيه قوة اقليم كوردستان.

لقد بين مسرور بارزاني بان قوة الاقليم تكمن في اكثر من جانب واتجاه، اقتصاديا استطاعت الكابينة الحكومية التي تراسها بارزاني ان تبطل كل الحجج امام الطابور الخامس الذي اثر على نفسية الفلاحين والمزارعين وان يجعل للمنتجات الكوردستانية موطيء قدم في الاسواق العالمية، كما تمكنت الحكومة من تحريك النظام المصرفي وتحويله الى النظام الرقمي والذي سيساهم بدوره في تسهيل كافة التعاملات والاجراءات وتقليل الروتين الذي مازال يعتبر عقبة كبيرة امام تسيير امور المواطنين في الاقليم، ومع ان العمل مازال مستمرا في البنية التحتية الاقتصادية، لكننا لو قارنا هذه الخطوات بما نراه لدى مؤسسات الحكومة الاتحادية، ستكون المقارنة غير منصفة في ظل وجود فساد تتجاوز المليار دولار يوميا في مؤسسات الدولة العراقية والقطاع الخاص.

اما سياسيا وبرغم كل الضغوط التي واجهت الاقليم، الا ان الكابينة التاسعة صمدت وقاومت جميع اشكال المقاطعة السياسية الداخلية والتهديد بالاستهداف العسكري وتنفيذ هذا التهديد عن طريق الميليشيات او من قبل ايران مباشرة، الا ان الكابينة التاسعة صمدت واثبتت بان قوة الاقليم تكمن في قوة صموده ومواجتهته لكل الصعوبات والازمات المفتعلة التي من تواجهه ومن الممكن ان تواجهه.

عسكريا وهي النقطة الاهم والتي ركز عليها مسرور بارزاني، فقد شهد الاقليم في فترة الكابينة التاسعة لحكومة الاقليم اكبر واكثر عدد من الاجتماعات مع التحالف الدولي حول مايتعلق باعادة تنظيم وترتيب الالوية التابعة لقوات البيشمركة في ظل اصرار شديد من قبل رئيس الحكومة لانهاء هذا الملف بشكل كامل واعادة تثبيت قوات البيشمركة كقوة وطنية دستورية عراقية بحسب تعريفها الدستوري كحرس للاقليم، في وقت تشهد فيه المنظومة الدفاعية العراقية فسادا لم تشهده حتى في العقود الماضية حيث سيطر تنظيم داعش الارهابي على اسلحة بمليارات الدولارات للجيش العراقي اثناء احتلاله لخمس محافظات عراقية بلمح البصر واليوم تسيطر الميليشيات الغير منتظمة في هذه المنظومة على اسلحة تمنحها الولايات المتحدة الامريكية وقوات التحالف للعراق لتحاربها وبها تستهدف مصالحها، باختصار.. ان مسرور بارزاني لم يعني ان تكون قوة الاقليم العسكرية استغلالا للنفوذ للانقلاب على الشرعية والقانون والدولة.

ان الاقليم اصبح جزءا مهما من الخارطة العالمية للاستثمارات، وله موقع مهم وفعال في سوق البترول والبتروكيمياويات وبما حققه من تطور في العديد من المجالات ساهمت علاقاته بتواجده في اكبر واهم المؤتمرات والمنتديات العالمية كدافوس ودبي وميونيخ وسان بطرسبورغ هذا بالاضافة الى الزيارات المستمرة لرؤوساء ومسؤولي دول العالم الى الاقليم ووجود اكثر من اربعين ممثلية اجنبية لدول العالم ومن ضمنها الدول دائمة العضوية في مجلس الامن والتوازن السياسية والبراغمياتية في التعامل دون ترجيح كفة على اخرى ودون تفضيل مصلحة جهة على اخرى بحجج لايمكن تقبلها على ارض الواقع.

لقد عانى الاقليم كثيرا على مدار العقود الماضية والسبب الحقيقي لهذه المعاناة كان ومازال يكمن في وجود عقلية سياسية ترفض التطور ولاتستوعبه ولاتسمح للاخرين بالتطور، لان انتهاء المشاكل مع اقليم كوردستان ومع الجانب السني ومع الكثير من الاطراف الشيعية الرافضة للسطوة الميليشاوية تعني بان يكون العراق بعيدا عن التدخلات الخارجية ووجود قرار عراقي دستوري خالص بالاستناد الى الدستور كفيصل لكل المشاكل الداخلية والخارجية لهذا البلد، وهذا ما لاتريده العديد من الفصائل المتحكمة بالعمليتين السياسية والعسكرية في العراق.

التجربة اثبتت بان العقود السابقة من حكم العراق ركزت على جهة واحدة وطرف واحد بالسيطرة على بقية المكونات والاتجاهات الاخرى وكانت من اكثر الفترات التي مرت على تاريخ العراق دموية، وبعد سقوط هذا النظام من الواضح بان هناك ارادة قوية لتكرار ذات التجربة ولكن بطريقة اخرى اكثر شمولية وبادارة جماعية في اطر ضيقة تشتمل على من يتفق على مبدا واحد يمحو الباقي ولايسمح لهم الا بما هو يراه مناسبا، كما بينت بان هناك رغبة وارادة مدعومة من خارج الحدود لابقاء العراق متاخرا لايعتمد على ثرواته الطبيعية او البشرية وابقائه في ازمات مستمرة ومعقدة والهاء العراقيين عن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها هذا البلد والتي لايصعب علاجها او حلها لان هناك دستورا يجمع الكل تحت مظلة واحدة.

ان التعريف الحقيقي لكوردستان قوية وفي ضوء مابينه مسرور بارزاني يكمن في قوة سياسية توحد موقف الاقليم وتعتمد على ماجاء في الدستور العراقي من حقوق وواجبات لم يقصر الاقليم في تطبيقها دون الخروج عن الاجماع الوطني المتفق عليه منذ تاسيس الجبهة الكوردستانية التي قادت انتفاضة عام 1991 واسست للعملية السياسية الحالية، هذا بالاضافة الى قوة اقتصادية تركز على تعديد مصادر الدخل وتوسيع رقعة العمل في القطاع الخاص وعدم الاعتماد على القطاع العام وبقاء العمل الحكومي في اطار حاجة الحكومة لتنظيم عملها الذي سيقويها لمواجهة كافة الازمات المفتعلة التي من الممكن ان تخلق من قبل القوى السياسية العراقية، وعسكريا، فالهدف الاساسي من وجود هذه القوة بالاستفادة من التجارب الناجحة لدول العالم واعادة تنظيم قوات البيشمركة في الاطر الدستورية لتنفيذ وتطبيق التعريف الحقيقي لقوات البيشمركة كحرس للاقليم وكجزء من المنظومة الدفاعية العراقية.

لكنني اتفهم جيدا مخاوف كل من حاول تضليل ماتفضل به رئيس الحكومة، لان هذا هو التفكير الحقيقي لهذه الاطراف والتي لاتعترف لا بدولة ولابنظام او قانون او دستور فهي من يسيطر على مقدرات الدولة السياسية والعسكرية وهم المتحكمين في قرارات الدولة وهم من يقرر ما الذي يجب ان تنفذه الحكومة وتعرقله بل هم اكثر من يعرقل تطور الدولة سياسيا وعسكريا وامنيا واقتصاديا بدليل الالاف من المشاريع الوهمية التي مازالت حبرا على ورق والتي ينتظر المواطن العراقي تنفيذها.. باختصار لاتعني كوردستان قوية عراقا ضعيفا ولايجوز ان يتصور المواطن في اقليم كوردستان بان قوة العراق يجب ان تكون على حساب الاقليم لان التنافس الداخلي يجب ان يكون على من يقدم الافضل لا العكس، وهذه هي القوة الحقيقية في نظر الاقليم.