مسرور بارزاني.. حكومة أقوال وأفعال

حكومة كوردستان "التشكيلة التاسعة" تؤمن بالحوار والتناظر ثم الاتفاق على تشريع ما يتطلبه تأسيس نظام تماسك اجتماعي قائم على المساواة بين جميع مكوناته العرقية والدينية والمذهبية والثقافية

أربيل (كوردستان24)- (مسرور بارزاني - حكومة أقوال وأفعال) هو عنوان لكتيب يتضمن سلسلة تقارير باللغتين الكوردية والعربية، وهي تقارير نقدية جريئة تشير الى مواطن القوة والصواب أو الاخفاق في أداء حكومة كوردستان بتشكيلتها التاسعة 2019 – 2023، وتنطلق هذه التقارير من مبدأ مفاده "ان الحكومات المنتخبة وفق برامجها المعلنة تكون شرعيتها منقوصة بحجم عدم تطبيق كل أو جزء من فقرات تلك البرامج"، فالناخب الواعي ينتخب لوعود وأقوال أطلقها المرشح ينتظر ويراقب الناخب لتطبيقها.

تكون هذه السلسلة من الكتيبات ضمن إصدارات مؤسسة رؤى للتوثيق والدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، للدكتور رعد قاسم صالح العزاوي، برؤية تحليلية وفق المنهج النظمي والمقارن والاستشرافي، وتقنية التحليل فيها تتجسد في التركيز على أهمية العمل المنظم الهادف كسمة أساسية تميز الاداء في عمل أية منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية وامنية واعلامية وتعليمية وبيئية، فالعمل السليم المفيد للفرد وللجماعة، معيار صحة ومصداقية الاقوال، وهو معيار أشار اليه القران الكريم في قوله تعالى "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".

الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام تعاملوا مع الناس ليس من خلال ما جاؤوا به من رسالات سماوية من نصائح وأوامر وتفاسير ربانية وكلها واقعياً تُعد أقوالاً فحسب، بل ومن خلال العمل الذي كانوا يمارسونه، فقد رفضوا الارتزاق عبر توظيف مكانتهم الاعتبارية الدينية، لان الاقوال بدون الافعال لا تستقطب أي مؤيد أو نصير، فقد كان نبينا محمد عليه الصلاة والسلام يعمل في رعاية الاغنام، ومن قبله نبي الله نوح كان نجاراً، ونبي الله داوود كان حداداً، ونبي الله إدريس كان خياطاً، ونبي الله موسى كان يرعى الغنم، والنبي ابراهيم كان يتاجر بالاقمشة والبناء، ونبي الله عيسى اشتهر بالطب، جميعهم عززوا مكانتهم النظرية والدينية بأفعال وبأعمال تعزز مصداقيتهم ومكانتهم الاعتبارية في قلوب الناس.

القيادة الاستراتيجية

لو عدنا قليلاً لعصر النهضة الاوروبية بعد القرن الخامس عشر الميلادي التي استمدت معظم مفاصل نهضتها من نهضة أمم سبقتها في هذا المضمار في الحضارات الاولى للانسانية قبل عدة آلاف سنة قبل الميلاد، كحضارة وادي الرافدين وحضارة وادي النيل والفينيقيين والاغريق وحضارة الصين ومن بعدهم الحضارة الاسلامية، نجد ان عامل العمل المنظم الهادف الذي سبق التحضير له نقاش عقلي منطقي كان المحرك الاول لنهضة هذه الامم، وتكون النهضة أكثر قوة وتنظيماً اذا ما اقترنت بعامل الارادة القيادية المخلصة لشعبها والوطن، والتي نطلق عليها اليوم "القيادة الاستراتيجية".

هناك الكثير من قادة النهضة الفكرية الذين قدموا تنظيراً علمياً قابل للتطبيق، ومنهم "جون لوك" الفيلسوف الانكليزي رائد المنهج التجريبي العلمي وواضع القواعد الاولى للفلسفة الديمقراطية الليبرالية، واشهر ما قاله لوك بهذا الصدد "نحن لا نحتاج الى مزيد من الكلام، كل ما نحتاجه قليل من المصداقية".

ومن اشهر الساسة الذين يركزون على الافعال قبل الاقوال وكان لهم دور كبير في نهضة الشعوب، الرئيس الامريكي السابق "بنجامين فرانكلين"، والذي يقول في هذا الصدد "تعضنا النملة بعملها دون ان تنبس بكلمة".

وكذلك نستذكر هنا من السياسيين الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن العشرين على الافعال ثم الافعال اولا قبل التاكيد على الاقوال، رئيس وزراء ماليزيا الاسبق "مهاتير محمد"، والذي يقول لكي نخطط للمستقبل علينا أولاً ان ننظر الى الماضي كي نعرف من أين جئنا، واذا لم نفعل ذلك فاننا قد نتراجع الى الوراء، حتى وان كنا نشعر اننا ماضون الى الامام".

ونشير كذلك الى الدور القيادي المتميز للرئيس الاول لجمهورية التشيك البرلمانية الديمقراطية "فاتسلاف هافيل"، ومن أشهر أقواله في العمل المنظم الهادف "ان إمكانية الثورة الوجودية هي في حقيقة الامر من حيث نتائجها عبارة عن إمكانية إعادة هيكلة المجتمع أخلاقياً، وتجديد الارتباط بالعالم، والالتزام المتجدد بالمسؤولية العليا، والتضامن مع المجتمع، هذا هو المسار الذي يجب أن نسير عليه".

معيار الدراسة

المقدمة الانفة الذكر استخدمها الكاتب كمعيار في دراسة وتحليل حالة حكومة كوردستان "التشكيلة التاسعة" وفق ما تعهد به المكلف برئاسة الحكومة مسرور بارزاني في برنامجه الانتخابي عام 2019، وهي تشكيلة تستكمل وتطور ما تم بنائه من مؤسسات، ودوائر لتقديم الخدمات العامة للمواطنين في عهد الرئيس مسعود بارزاني الذي تسلم رئاسة الاقليم للفترة 2005 – 2017، فلم تعرف محافظات كوردستان قبل عام 2005 دوائر مؤسسة على اسس تشريعية وادارية حديثة تقدم الخدمات وقابلة للمراقبة والتقييم والتطوير.

وقبل عهد الرئيس مسعود بارزاني كانت مناطق كوردستان ساحة لحروب محلية، وتدخلات إقليمية ودولية، ناهيك عن تداعيات التغيير الديموغرافي الذي مارسه النظام العراقي السابق في المدن والقرى المتاخمة لحدود ايران وتركيا وسوريا، وطالت التداعيات الخطيرة مواطنين من جميع مكونات كوردستان.

اجتهد رئيس حكومة كوردستان السابق نيجيرفان بارزاني في تطوير كوردستان نحو الافضل، ومن بعده أمعن رئيس حكومة كوردستان الحالي مسرور بارزاني في جعل أفعال الحكومة- لاداء مهامها- أكثر مأسسة وأكثر منهجية وأكثر حداثة وحوكمة وفاعلية.

ذكر رئيس حكومة كوردستان في خطاب التكليف بعد أداء اليمين الدستوري في برلمان كوردستان بشكل دقيق العلاقة العضوية ما بين إرادة الناخبين كممثلين عن ارادة الشعب وكوسيلة أدت الى تشكيل الحكومة، والاهداف الواجب القيام بها من قبل الحكومة لخدمتهم.

أول ملاحظة لرئيس الحكومة حول موضوع الافعال أهم من الاقوال، قوله "ان معظم القوى السياسية والاطراف المشاركة في الحكومة، أطلقت شعارات وتصريحات خلال الاوقات السابقة وتعهدوا بتقديم الخدمات للمواطنين وتحسين أحوالهم، وامل ان تحول هذه الشعارات والوعود الى أفعال ووقائع، لان خدمة المواطنين هي من أولويات هذه الحكومة".

نظام التعايش السلمي

تطرق الكاتب في تحليله لاداء الحكومة الى الفقرات المحورية كما وردت في برنامج الحكومة الذي أعلنه رئيسها مسرور بارزاني تحت عنوان "الحريات والديمقراطية والتعايش السلمي" مع الاشارة لطبيعة فلسفتها الفكرية، وفلسفته الشخصية في ادارة التنوع الاجتماعي الذي يعد جوهر هذا المحور.

رؤية حكومة كوردستان في سياستها تجاه الاقليات تنطلق في بناء نظام تماسك اجتماعي للمكونات الدينية والعرقية من فلسفتها الخاصة بهذا الصدد، والتي يمكن اختزالها بهذه الكلمات "لن يكون هناك سلام بين الدولة والامم، وبين مكونات الشعب الواحد في أي دولة أو إقليم ما لم يكن هناك سلام بين الاعراق والاديان والمذاهب" كما وصفها الكاتب.

حكومة كوردستان "التشكيلة التاسعة" تؤمن بالحوار والتناظر ثم الاتفاق على تشريع ما يتطلبه تأسيس نظام تماسك اجتماعي قائم على المساواة بين جميع مكوناته العرقية والدينية والمذهبية والثقافية، وهذه الفلسفة لا تغفل ما طرحه رموز الثورة الكوردية مع بداية القرن العشرين، فجهود الشيخ أحمد بارزاني في حرصه على استمرار التحاور والتعاون بين اتباع جميع الديانات والاعراق في الجغرافية السكانية الكوردية دليل على ذلك، ونشير هنا الى مقولة مشهورة للبارزاني الخالد ملا مصطفى بارزاني بعد ثورة أيلول حين قال "نطالب بالديمقراطية للشعب العراقي بكل مكوناته، وللكورد بحقهم في تقرير مصيرهم"، وبالعودة الى انتفاضة 1991 للشعب الكوردي، نجد ان الرئيس مسعود بارزاني كان يرعى ضيافة جميع القوى السياسية الشيعية والسنية والعلمانية والشيوعية، واشرف بنفسه على استضافة جميع العراقيين الهاربين من الحرب الطائفية في 2006 – 2009، والهاربين من بطش المنظمات الارهابية في 2014 – 2018.

وتطرق الكاتب في تحليله حول رؤية الحكومة مقولة لرئيس حكومة كوردستان مسرور بارزاني في إحدى خطاباته التي ألقاها في مؤتمر "كوردستان مهد التعايش السلمي" الذي انعقد في أربيل بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية، حيث اشار رئيس الحكومة الى ان كوردستان ماضية نحو ترسيخ ثقافة التعايش التي يتميز بها، فقال "أنا شخصياً انتمي الى منطقة تحتضن المسجد والكنيسة والكنيس، وكلها تقع في نفس القرية، وسأظل افتخر واعتز دائماً بهذه الثقافة، وسأبذل قصارى جهدي للحفاظ على هذه الثقافة الرائعة وترسيخها".

أهم أفعال التشكيلة الحكومية التاسعة في مجال التعايش السلمي

تطرق الكاتب في تحليله أيضاً الى أهم الافعال التي قامت بها حكومة كوردستان "ألتشكيلة التاسعة" في مجال التعايش السلمي، حيث تطرق الى عدة نقاط منها:

عمدت حكومة كوردستان على تفعيل قانون رقم 5 لسنة 2015 في تمتين وتعميق العلاقات بين اتباع الديانات الثمانية في كوردستان

إصدار القرار رقم 83 سنة 2020 القاضي بمعالجة أضرار جميع التجاوزات التي حصلت على أراضي المسيحيين

إصدار قرار رقم 155 سنة 2022 القاضي بتشكيل لجنة من ستة اعضاء يمثلون ستة وزارات ذات الصلة بالشؤون الادارية والمالية والقانونية والاجتماعية لتعويض الاضرار التي تعرض جميع المهاجرين من مدن كوردستان أيام حكم النظام العراقي السابق

إنشاء وزارة باسم وزارة الاقليم لشؤون المكونات من أجل تسريع وسلامة تطبيق الاجراءات والتدابير في تعويض الاضرار التي أصابت اتباع المكون المسيحي

وضع حجر الاساس لمشاريع خدمية عديدة في قضاء عينكاوا ذات الاغلبية المسيحية باشراف مباشر من رئيس حكومة كوردستان مسرور بارزاني

رعاية واحتضان جميع النازحين لمدن كوردستان من العرب والذين بلغت اعدادهم بحدود مليونين ونصف المليون وفق إحصائية منظمة الهجرة الدولية للفترة 2014 – 2019.

وتطرق الكاتب في تحليله أيضاً الى جدية حكومة كوردستان في مجال التعايش السلمي لضمان تحقيق ما يلي:

حرية تعليم الدين أو المعتقد في مكان مناسب لهذا الغرض لجميع المواطنين في حكومة كوردستان

حرية كتابة إصدار وتوزيع منشورات ذات صلة بهذه الحرية

حرية الاحتفال بأيام العطل والاعياد والمناسبات وفقاً لمبادئ الدين أو المعتقد

حرية اعتناق دين أو معتقد أو تغييرهما

التحرر من الاكراه الديني أو المذهبي الذي تمارسه بعض المعتقدات ضد غيرها من المعتقدات

الحق في حرية إظهار الدين أو المعتقد دون الاضرار بحريات المعتقدات الاخرى

الحق في بناء دور العبادة وحرية العبادة فيها

الحق في تبني الرموز الدينية

حرية الاحتفال بالاجازات وايام الراحة كما حددتها المعتقدات الدينية

حرية تعيين رجال الدين دون تدخل سلطات الدولة

حق الوالدين في ضمان التربية الدينية والاخلاقية لاولادهما وفق معتقداتهم الدينية

حق التواصل مع الافراد والمجتمعات في الامور الدينية على المستوى الوطني والدولي

انشاء مؤسسات خيرية وانسانية والحفاظ عليها بالايصال وتلقي التمويل

حرية التعبير بما في ذلك الاسئلة المتعلقة بالصراعات الدينية والتعصب الديني والتطرف

نشر ثقافة التسامح ومكافحة التمييز القائم على اساس الدين والمعتقد أو التمييز بين الاديان

هذه الحقوق ان تم ضمانها سوف تقضي على جميع الاضطرابات والصراعات والمتنافرات بين مكونات المجتمع التي تحول دون نجاح أي جهد مهما كان حجم سلامته، وبذلك يكون بناء نظام تماسك اجتماعي متين بمثابة شرط اساسي لانجاح الافعال التي تسعى الحكومات لتطبيقها في أي قضية، أو مسألة تهم حياة الشعب بكل مكوناته.

من هنا تبرز أهمية تأكيد حكومة كوردستان برئاسة مسرور بارزاني في توطيد مبادئ التعايش السلمي بين مركبات المجتمع في كوردستان، أي دورها في إدارة التنوع العرقي والمذهبي والثقافي في كوردستان بما يفضي الى بناء نظام تماسك اجتماعي يرتب النهوض الزراعي والصناعي والتجاري والسياحي والتعليمي والصحي والعمراني والامني.