على كرسي انتشلها من الجحيم.. نوجين تستذكر الأصدقاء و"مربع الأعداء" وتوقد شمعة أمل

تحاول نوجين مصطفى وهي فتاة كوردية مراهقة لملمة ذاكرتها الفائضة بمشاهد قاسية ومؤلمة خلال حديثها الذي لم يخل من الابتسامة والحنين الحارق في العودة إلى مسقط رأسها والى مجالسة الكتب التي قالت إنها كانت بمثابة "أصدقاء" لها في أيامها الموحشة.

K24 - اربيل

تحاول نوجين مصطفى وهي فتاة كوردية مراهقة لملمة ذاكرتها الفائضة بمشاهد قاسية ومؤلمة خلال حديثها الذي لم يخل من الابتسامة والحنين الحارق في العودة إلى مسقط رأسها والى مجالسة الكتب التي قالت إنها كانت بمثابة "أصدقاء" لها في أيامها الموحشة.

وأسفر الصراع السوري المحتدم منذ ست سنوات عن مقتل مئات الآلاف وتشريد نصف عدد السكان نحو دول مجاورة وأوروبا. ونوجين كانت بين من حالفهم الحظ في الوصول إلى ألمانيا بعد رحلة شاقة على كرسي متحرك اختزل الأزمة السورية عن قرب.

ونوجين- البالغة من العمر 18 عاما والتي تتحدر من بلدة كوباني عاشت في مدينة منبج ثم في ريف حلب- لا تزال تعاني من شلل دماغي جعلها مقعدة وغير قادرة تحريك ساقيها.

ولم تمنع الإعاقة نوجين من قطع مسافة تقدر بستة آلاف كيلومتر من الشرق إلى الغرب في "رحلة مدهشة" على كرسيها المتحرك بحثا عن الحياة وهربا من ويلات الحرب.

كرسي نوجين المتحرك قد يختزل كامل الازمة السورية وازمة اللاجئين والمهاجرين الباحثين عن الأمان - صورة من الانترنت
كرسي نوجين المتحرك قد يختزل كامل الازمة السورية وازمة اللاجئين والمهاجرين الباحثين عن الأمان - صورة من الانترنت

وتقول نوجين لكوردستان24 متحدثة عبر الهاتف من ألمانيا "عشت طفولة لم تكن عادية لكنها لم تكن تعيسة وكنت اُعتبر طفلة معزولة قليلا بسبب حالة الإعاقة التي أعاني منها ولا استطيع المشي بسببها".

وتضيف "لكني عوضت ذلك الفقدان بحبي للكتب والمطالعة حيث كانت الكتب بمثابة أصدقاء وبقيت حالتي دائما هي الدافع لأن اثبت نفسي وأتميز".

نوجين جازفت بحياتها في سبيل حياة أخرى بعيدة عن حمام الدم
نوجين جازفت بحياتها في سبيل حياة أخرى بعيدة عن حمام الدم

ومثل بقية الكورد تعتز نوجين بهويتها وسردت عما كانت تواجهه في الريفي الحلبي بالقول "عانت عائلتي من عدم تقبلها بشكل مناسب في المجتمع بسبب لغتها ولهجتها عند التحدث بالعربية".

وتابعت "كان هناك إحساس دائم أننا غرباء".

وواجه الكورد السوريون وهم ثاني اكبر مجموعة عرقية بعد العرب في سوريا تمييزا ممنهجا من جانب الدولة حتى تفجرت الانتفاضة عام 2011 قبل أن تتحول إلى صراع دموي.

وتدرك نوجين حجم الاضطهاد الذي يتعرض له أبناء جلدتها وقالت "لدي إيمان راسخ من أننا يجب أن نُقاتل دائما ونُكافح لكي نُحافظ على هويتنا بين الأعداء وخصوصا أننا مُحاطون بمربع من الأعداء".

ويشكل الكورد غالبية في مناطق حدودية على امتداد الحدود مع تركيا وإقليم كوردستان حتى نهر الفرات. ويعيش الكورد كذلك في قطاع منفصل على الحدود الشمالية الغربية في منطقة عفرين.

تتحدث نوجين بلغتها الكوردية وتجيد العربية وباتت تتحدث الالمانية ايضا
تتحدث نوجين بلغتها الكوردية وتجيد العربية وباتت تتحدث الالمانية ايضا

وقالت نوجين متحدثة بحسرة لما آلت إليه الأوضاع في بلدها "اشعر بالحزن بسبب ما جرى لبلدتي التي عشت فيها طفولتي ولم يتبق لي هناك سوى الذكريات".

وتضيف "عندما رحلت عن بلدتي لم التفت إلى الوراء لأودع المكان... كان يغمرني شعور من أننا سنعود يوما ولكن لم يحدث هذا الشيء بعد".

ووصلت نوجين إلى ألمانيا قبل نحو عامين في رحلة كانت محفوفة بالمخاطر بدأت من تركيا حيث فرت إليها بعد احتدام الصراع في سوريا.

واسترجعت نوجين ذاكرتها عن تلك الرحلة قائلة "عبور البحر كان محطة مهمة فإما أن أبدأ من الصفر أو أموت والابتسامة على وجهي إلا أنني كنت مُصرة في الوقت نفسه على خوض التجربة".

لا تزال نوجين تحن الى مسقط رأسها لكن الوضع هناك بالنسبة لها مازال خطرا
لا تزال نوجين تحن الى مسقط رأسها لكن الوضع هناك بالنسبة لها مازال خطرا

لم تكن رحلة اجتياز الحدود سهلة وتضيف "رأينا مشاهد قاسية تفطر القلب لما يتعرض له بعض اللاجئين على الحدود الصربية المجرية ولا يمكن رؤيتها إلا في الكوابيس. كانت الشرطة تقف مثل الرجال الآليين، فكم هو أمر محزن أن تشعر بان هناك من يخاف منك لمجرد أنك ستدخل بلدا جديدا".

غير أن هذه المشاهد السوداوية لم تؤثر على روح الدعابة لنوجين وقالت "كنت اُخبر أختي أننا تناولنا الفطور بمقدونيا والغداء بصربيا، لقد زادت معلوماتنا بالجغرافيا من كثرة الدول التي اجتزنا حدودها وأصبحنا نعرف الكثير عن قوانين أوروبا".

رحلة نوجين ألهمت الكاتبة والصحفية البريطانية الشهيرة كريتسينا لامب لسرد حكايتها في كتاب بعنوان "نوجين.. رحلة مدهشة لفتاة على كرسي متحرك من سوريا التي مزقتها الحرب".

وكريتسينا لامب سبق لها وألفت كتاب "أنا ملالا" لتسلط الضوء فيه على الفتاة الباكستانية التي دافعت عن التعليم وتعرضت لمحاولة اغتيال من قبل حركة طالبان.

ولا تبدو رحلة نوجين مشابهة لقصة ملالا لكنها قد تتطابق في الإصرار على التشبث في الحياة وإيقاد شمعة الأمل في التعلم والمثابرة وربما العودة إلى حيث تنتميان.

من تمر حسين إبراهيم - تحرير مرتضى اليوسف