الأوربيون لم يستوعبوا الإسلام الجهادي

الكثير من المحللين السياسيين يرون ان الذي حدث في الآونة الأخيرة في بعض من المدن الأوربية عندما تعرضت لعدة هجمات انتحارية وانفجارات وما ولدته من قتل ورعب

الأوربيون لم يستوعبوا الإسلام الجهادي
الأوربيون لم يستوعبوا الإسلام الجهادي

الكثير من المحللين السياسيين يرون ان الذي حدث في الآونة الأخيرة في بعض من المدن الأوربية عندما تعرضت لعدة هجمات انتحارية وانفجارات وما ولدته من قتل ورعب وخوف وحالة من الطوارئ، هي نتيجة حتمية للديمقراطية والحرية التي تتبناها أوربا، لكن برأيي، تلك المفاهيم والمبادئ القيّمة المتجسّدة في أوربا، ليست السبب الوحيد وراء ظهور ذلك الوضع في أوربا وبقية انحاء العالم، بل ان هناك سبباً آخر يتعلق بسذاجة وإهمال المسؤولين الأوربيين للكثير من الخفايا المبطنة التي يحملها اللاجئ المسلم ذي الآيديولوجية الجهادية معه الى أوربا ولم يستوعبه الأوربيين المستقبلين لهم في ديارهم.

مسألة اندماج وانصهار المسلمين في بوتقة المجتمعات الأوربيه، لربما أخذت الكثير من الأهمية والاهتمام في مراكز الدراسات. هناك في الدول الأوربية الكثير من الجاليات الأجنبية من شعوب وملل مختلفة ومن ديانات متعددة وكلها تستفيد من تلك الحرية والديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان المطبقة في أوربا، رغم انه لايمكن ان تعتبر انها تطبق بشكل مطلق. ثمة مجاميع دينية وفلسفية وسياسية، من كل أرجاء العالم، بسبب عدم توفر الظروف والأوضاع  الملائمة في بلادها وعدم توفر الفرص لممارسة نشاطاتها والتعبير عن افكارها وآراءها، تركت بلدانها وهاجرت بل لجئت الى أحضان ورأفة أوربا وأهلها، حيث استقبلهم الأوربيون بقلوبهم الصافية وبالابتسامات وتقاسموا لقمة خبزهم معهم.

كشاهد عيان ومن خلاصة قرابة 10 سنوات من تواجدي في أوربا كلاجئ، تبيّن لي ان نسبة كبيرة من اللاجئين والجاليات الإسلامية وخاصة من شمال افريقيا والعرب بشكل عام الذين يستلمون مساعدات الضمان الإجتماعي ورواتب العاطلين عن العمل، يحاولون إيجاد كل فرصة كي يجعلوها حجة ومبررا يتهربون من خلالها من العمل الرسمي ويستمرون في تناول رغيف الكسل، رغم ان الكثير منهم يعملون في العمل الغير رسمي والمسمى بالعمل الأسود كي يتهربوا من دفع الضرائب للحكومة التي آوتهم وحمتهم!.

المسلمون وبعكس المجاميع الدينية الأخرى والتي تعيش جنباً الى جنب معهم في أوربا مثل اليهود، السيخ، الهندوسيين، البوذيين والبهائيين وغيرهم، ورغم ان نسبة المسلمين في أوربا اعلى من نسب تلك المجاميع الدينية إلا انهم لم يستطيعوا استيعاب وهضم المفهوم الاوروبي للديمقراطية والحريات، بل وضعوا انفسهم في موقع الضد منها وحتى ان بعضهم يرون ان القيام بأعمال السرقة وبيع المواد المخدرة الممنوعة عمل شرعي بذريعة انها تضعف العدو!.

إن ما جعل الوضع اكثر تشنجا، أن الكثير من الذين يحملون الفكر الداعشي والتنظيمات التكفيريه الأخرى، إستغلوا أمواج الهجرة الأخيرة من بلدان الشرق الاوسط والدول الإسلامية الأخرى مثل باكستان وأفغانستان، وانتهزوها فرصة سانحة لنقل العشرات من حاملي فكرهم الجهادي لبناء خلايا نائمة لهم في أوربا!.

خلال سنوات بقائي بأوربا، مرت علي العديد من الظواهر التي كانت تحمل في كنهها ملامح ما يحدث الان في أوربا، هنا فقط ساشير الى ظاهرتين مما رأيت:

أولا: في سنة 2002، كنت زائراً في لندن ، زرت مع صديق لي حديقة الهايد بارك Hyde Park  حيث يوجد هناك منطقة تسمى ركن او زاوية المتحدثين Speakers Corner يتحدث فيه في ايام الآحاد من أراد وبكل حرية يقدر بمجرد إعتلائه صندوقا او كورسيا التعبير عن أفكاره. هناك رأيت إسلاميا ذا لحية طويلة مشعثه، استطيع ان اجزم انه كان ينتمي الى تنظيم القاعدة الإرهابي، يتحدث بانجليزية سلسة بكل ما أوتي من تعابير تشير الى فكره الجهادي. من الجمل والكلمات التي اتذكرها الى الان: " سوف نغير وجهة هذه البلاد الكافرة بقوة السيف الى طريق الحق" ، " سوف نرفع على الويست منستر West Minster  راية الإسلام!" ، ...الخ من مثل هذه التعابير والجمل التشددية والتي يرفعها الداعوون الى الفكر الجهادي اينما وجدوا لأنفسهم فسحة و موطئ قدم.

هذه الجمل الدعويه وغيرها كانت تطلق بين الناس وبشكل يومي وعلني وبكل حرية أمام انظار السلطات الأوربية دون ان تحرك هذه السلطات ساكناً. فيا ترى ماذا يقول امثال هذا الداعية المتشدد للموالين لفكرهم وراء الكواليس!؟.

ثانيا: في سنة 2005، عندما كان الجيش العراقي والحلفاء وبضمنهم جنود هولندييون يخوضون معركة حامية مع مقاتلي تنظيم القاعدة في مدينة الفلوجة وسط العراق، كنت أعمل في مدينة أوتريخت Utrecht الهولندية. كان عملي في شارع مشهور في تلك المدينة يسمى بكنال ستراتKanal Straat  وهو شارع يضم الكثير من المعارض والمحال التجارية التي تعود للجاليات الشرقية التي تسكن المدينة من عرب وكورد وأتراك وايرانيين وغيرهم بحيث كانت أزقة هذا الشارع مزدحمة بالمسلمين الذين كانوا يأتون الى هناك للتبضع وشراء حاجياتهم اليومية.

كانت واجهات محلات ودكاكين هذا الشارع ملئى بإعلانات النشاطات الإجتماعية و توزع فيه المنشورات والدعايات التجارية والثقافية المتعلقة بالجاليات المسلمة هناك. في يوم من الأيام رأيت رجلين بملابس أفغانية، أحدهم كان يحمل بكلتا يديه جعبة من قماش واللآخر يحمل قطعة من كرتون مقوى مترهل وممزق كتب عليها: " تبرعوا في سبيل الله للمجاهدين في الفلوجة"!.

حينئذ أبلغت الشرطة الهولندية التي كانت تسير بنفس الشارع، لكن العجيب ان افراد الشرطة لم تعر اهتماما لما قلته لهم بشان الرجلين وجمعهم للتبرعات للمتشددين في الفلوجة، رغم اني شرحت لهم غاية الرجلين وكيف انهم يؤيدون الإرهابيين الذين يقاتلون قوات التحالف الدولية وانهم في يوم ما سيكونون مصدر تهديد لهم ايضا!. أفراد الشرطة لم تهتم بالأمر بل انهم أمروني بان لا أتدخل بشانهم بحجة ان كل شخص في هذه البلاد حر بما يحملها من افكار وما يقوم بها من تصرفات!!.

لذا فإني عندما أرى وأسمع يوميا ما يقوم به المتشددون الأسلاميون في مدن أوربا، أعتبر ذلك شيئا متوقعا ولا أراه مفاجأة، ويذكرني دوما بسذاجة وصفاء قلوب الأوربيين.!!