
محمد سليم مزوري
كاتب كوردي
مصالح ايران الاستراتيجية في العراق الى اين؟

ان لكل دولة مجموعة من الأهداف التي تسعى من خلالها لتحقيق مصالحها وطموحاتها القومية، وهذه الاهداف حتما تتفاوت أهميتها وفقا لأدراك صانع القرار السياسي الخارجي لمدى تأثير كل حدث أومتغير سواء كان إقليمي أم دولي على تحقيق تلك الأهداف. فإن مدركات إيران لمصالحها القومية ولنفوذها الإقليمي أصبح الموجه لسلوكها أتجاه العراق واتجاه دول المنطقة عموما، ودافعة لتحقيق(مشروعها الإقليمي) ومصلحتها الإقليمية التي ترجمت إلى هرمية أهداف سعت الى تحقيقها وأثرت بالتالي في علاقاتها الدولية وسياساتها الخارجية.
من خلال استقراء السياسة الخارجية الايرانية يلحظ انها تركز على المتغيرات والتطورات الإقليمية، إذ إن المشروع الإيراني في حقيقته هو استجابة لتطورات إقليمية خدمت إيران وما زالت تخدمها، لذلك فان إيران تدرك إنه بزوال نتائج هذه التطورات فإن الدور الإيراني قد يتعرض لنوع من الانحسار. وبهذا يتضح مدى ارتباط مصالح إيران القومية بمتغيرات الاحداث الاقليمية، اذ يمكن تفسير ما جرى ويجري من تطورات في الساحة العراقية يأتي في راس هرم حسابات إيران الاستراتيجية، لان العراق لايزال يحتفظ ببعض المقومات المهمة الضرورية، والتي يمكن تؤهله مستقبلا من أن يصبح احدى القوى الفاعلة في الاقليم وعنصراً اساسياً في تقرير التوازنات الاقليمية في المنطقة.
في هذا المجال يرى الخبير الاستراتيجي الأمريكي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط (انتوني کوردسمان) أنه : (لا يمكن أن تتحول إيران إلى دولة إقليمية مهيمنة إلا إذا أضعفت دول الإقليم نفسها إلى درجة أن تصبح تقريبا بلا قوة. والعراق هوالدولة الوحيدة التي لها في الوقت الراهن مثل هذا الضعف التام).
لذا فإن مصلحة إيران القومية تنطلق من إخضاع العراق لهيمنتها كونه يمثل بوابة المشروع الإقليمي الإيراني ومن ثم تنطلق إلى بقية الدول العربية من اجل تحقيق أهداف أخرى، كطرحها مشروع النظام إقليمي في الخليج العربي تحت قيادتها يؤهلها القيام بدور القوة الإقليمية الكبرى والمهيمنة.
المصلحة الايرانية أذن تكمن في منع هذا البلد (أي العراق) من التحول مرة اخرى الى دولة قوية تنافسها وتحد من قدرتها على مد نفوذها وتحقيق اهدافها في الاقليم العربي، وذلك هو أبرز ما تعلمته إيران واستنبطته من الحرب العراقية الايرانية. تتضح أهمية هذه المصلحة من كونها تعزز من مكانة إيران الاقليمية وتجعلها في قمة الهرم الاقليمي، لاسيما وأن لإيران طموح في أن تكون القوة الإقليمية التي لايمكن إنكارها، وبدونها لا يمكن معالجة أية قضية إ قليمية مهما كانت أهميتها، وتمسكها بالقيام بهذا الدور المهيمن يأتي من رؤية القيادة الإيرانية للمصلحة القومية بكونها تمتلك مقومات الدولة القائدة في المعادلة الإقليمية التي تسعى إلى حمل الأخرين على القبول بها كقوة إقليمية متفوقة ومفتاح الحل لكل المشكلات وهذا ما أكده وزير الدفاع الإيراني(علي شمخاني) قائلا: (تسير إيران في طريق يهدف إلى حمل الآخرين، رغما عن أرادتهم، على قبول إيران كقوة إقليمية).
كما إن طموحات ايران ومصالحها القومية تتسع إلى أبعد المستويات، لاسيما وانها تتطلع لاستعادة ماضيها الامبراطوري الذي يتطلب حراكا ونفوذ كبيرة في مختلف مساحات محيطها الجغرافي، إذ ان ايران تدرك أن تحقيق ذلك الهدف يمكن أن يتم بالتوجه القومي (الفارسي) وكذلك بالتوجه المذهبي(الشيعي)، أي بمركزة الشيعة في (الأمة الإيرانية العتيقة) بمعنى في دولة إيران الحالية، لتحقيق مكانة المركزية الشيعية على المستوى الإقليمي. ومن ثم تحقيق توسع اقليمي ينطلق من الدول المجاورة، وهذا ما أكده (ولي نصر) بقوله "أن الانبعاث الشيعي يمكن أن يكون قد بدأ من العراق ولكن إيران تستفيد منه، ويمكنها أن تؤدي دورا مهما في قيادته وتوجيهه والتعرف به".
بهذا يمكن أن تستفيد إيران من العراق في تحويل حلم (الهلال الشيعي) إلى حقيقة واقعية عندما تدعم دوره الاقليمي، وتدفعه للتحرك تجاه الجوار الاقليمي العربي، لان إيران تدرك بأنه من الصعوبة التحرك بمفردها إلى داخل النطاق العربي، لذلك فانه من الممكن أن تعزز مرکزها ومكانتها الإقليمية إذا مانجحت في دعم تحرك العراق نحو دول الخليج العربية.
أي إن إيران بحاجة إلى توسيع نطاق شركائها الاستراتيجيين من أجل الاعتماد عليهم في دعم أدوارها وتحركاتها الإقليمية، (فبصفتها دولة(شيعية) غير عربية فهي تفتقر إلى التوحد الطبيعي مع محيطها، إقليمية وفي العام الإسلامي الأوسع على حد سواء.
غير أن تحقيق هذه الأهداف والمصالح الحيوية لإيران يعتمد على القوة الاقتصادية التي هي أساس القدرات الأخرى للدولة سواء العسكرية أو السياسية، ولهذا فإن المصالح الاقتصادية تعد مكملة للأهداف والمصالح السياسية. وإذ أن المتغيير الاقتصادي يعد من أهم العوامل الموجهة للسياسة الخارجية وللعلاقات الدولية الإيرانية لأن المتغيرات الاقتصادية والمصالح الاقتصادية الإيرانية فضلا عن مشكلات الوضع الاقتصادي تشكل مدخلات مهمة في صنع القرار السياسي الخارجي وموجها لمسيرة وتوجهات العلاقات الدولية الإيرانية. لذا فان مشاركة إيران للعراق اقتصادية يعد من أكبر المكاسب التي ستعود بالفوائد الكبيرة ليس في مجال معالجات الازمات الاقتصادية الايرانية فحسب، بل في تحويلا لاقتصاد الايراني إلى أكبر اقتصاد اقليمي في المستقبل.
ومما يؤكد ذلك (الخطة العشرينية) التي وضعتها الحكومة الايرانية والتي تهدف إلى أن تصل إيران عام (2025) إلى المركز الأول اقتصادياً وتقنياً على الصعيد الإقليمي والذي حددته بمنطقة غرب آسيا والدول المجاورة، وبالذات الخليج العربي، أي أن الإيران هدف أعلى يعتمد تحقيقه على كيفية تطوير اقتصادها. وأن فرصة إيران في الوصول إلى قمة الهرم الاقتصادي الاقليمي لحل مشكلاتها الاقتصادية تبدأ من العراق الذي يمتلك احتياطا نفطياً هائلاً ، لاسيما وان المعلومات تشير بأن احتياط النفط الايراني في تراجع وان الاحجام المعلنة من قبل الحكومة الايرانية غير صحيحة. ولهذا فهي تطمع في حقول نفط العراق لحل مشاكل الطاقة ومشاكل اقتصادها .
فضلا عن كل تلك المصالح فإن إيران ترى في العراق خط تماس يؤثر على أمنها القومي، لاسيما مع وجود قوات أمريكية داخل العراق، فضلا عن امكانية حصول (منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة)على موطأ قدم في العراق مما يشكل خطرا مباشرةعلى أمنها القومي.
إن ما يمكن ملاحظته على المصالح القومية الايرانية في العراق أنها متعددة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والامنية، ولهذا تسعى إيران إلى ترجمة تلك المصالح إلى نتائج ملموسة تتجسد في عدد من الأهداف ومنها:
1- تعزيز المنظومة الأمنية الوقائية للنظام الإيراني والتي تتمثل بإنشاء خطوط دفاع متعدد خارج الدولة الإيرانية وتتجسد بدول وحرکات موالية لها ويمكن استخدامها كوسائل ردع أو كروت تفاوض أو کرافعة إستراتيجية لأي صفقة ممكنة.
2- تحقيق التمدد الإقليمي الجيو-استراتجي للنفوذ الإيراني الذي يمثل "الهلال الشيعي- الإيراني" والذي يعتبر ركيزة أساسية في الفكر السياسي والسياسة الخارجية الإيرانية وهدفا إيرانيا تاريخيا لا يتغير بتغير الأنظمة هناك، وإنما تتغير وتتبدل الوسائل التي يتم تحقيقها به فقط.
3- المساومة ليس على دور إيران في العراق أونفوذها به وإنما على العراق في سبيل ملفات أخرى دون يعني ذلك التنازل عنه. بمعنى آخر، استخدامه رهينة للتفاوض عليه واكتساب المغانم.
4- منع عودة أو قيام عراق عربي قوي ومستقر ومستقل لان ذلك يعد أكبر عدو للاستراتيجية الإيرانية وللنظام الإيراني وللنفوذ الإيراني في المنطقة.
المحور الثاني: المقتربات الايجابية لتفاعل إيران مع دور العراق الاقليمي
أن الرؤية الايرانية العراقية ما بعد عام ۲۰۰۲، قد اختلفت حتما عن سابق عهدها الذي كان فيه العراقي مثل العدو والمنافس الاقليمي لإيران، لاسيما وإن ماجرى بعد عام ۳۰۰۲ عده البعض انتصاراً لإيران قبل غيرها من القوى سواء الاقليمية أم الدولية. فمن المؤكد أن إيران يربطها بالعراق العديد من الملفات والقضايا المشتركة التي لا ينحصر نطاق تأثيرها زمانا في حقبة زمنية محددة، ومكانة في أطارجغرافي محدد، بل نطاق تأثيرها يمتد لسنوات وحتى لقرون عديدة، وكذلك في حدود منطقة اقليمية تشهد تحولات مستمرة بسبب أهميتها لأطماع ومصالح قوی دولية متعددة. ومن هنا يثار تساؤل ماهي الملفات أو القضايا التي يمكن تؤثر في دفع إيران نحو دعم دور العراق الاقليمي في المستقبل؟