
ب. د. فرست مرعي
كاتب وأستاذ جامعي
الجزء التاسع عشر.. بارزان في المصادر البريطانية والروسية

1- كان من المقرر التعامل مع القرى الرئيسية أولاً بعد أن يتم تحذير رجال القبائل من خلال منشورات، وخاصة عبر مكبر الصوت المحمول في طائرة فيكتوريا لإخلاء قراهم، كان على وابيتيس زيارة القرى والتأكد في المقام الأول من أنها كانت فارغة عن طريق إسقاط القنابل، وبعد فترة قصيرة سيتم إسقاط بضع قنابل ضوئية، ولا يتم عادة اتخاذ أي إجراء جوي ضد الأطراف التي تُرى وهي تغادر القرى عندما يتم التأكد من إخلاء القرى، سيتم زيارتها من قبل فيكتوريا ويتم إسقاط بعض القنابل الثقيلة عليها، كان من المقرر أن يتم تطبيق هذه العملية على كل قرية على حدة، وبعد ذلك يتم إبعاد رجال القبائل عن القرى عن طريق إسقاط القنابل من حين لآخر. وأظهرت الأحداث اللاحقة أنه في حالة واحدة فقط أصر الثوار على احتلال قرية بعد التحذير المناسب والقصف الخفيف، كانت هذه قرية (شيروان مةزن) التي سيطر عليها متمردون مسلحون عند معبر روكوجك) في معبر (جامة)، ولم يتم إخراجهم من المنازل المحمية بالصخور إلا بهجوم جوي كثيف، لقد وجد أن القصف كان ضروريا لإبعاد رجال القبائل عن القرى، وكانت القنابل اليدوية فعالة بشكل خاص في هذا الأمر في ذلك اليوم، ثم تم تحذير رجال القبائل من ضرورة إبقاء عائلاتهم وقطعانهم تحت غطاء آمن، لا يوجد نقص في مثل هذا الغطاء، والكهوف متاحة في كل مكان وبعد منح وقت معقول للقيام بذلك، كان من المقرر أن تتم كل الإجراءات بشكل مستعجل الى حد ما، وكان من المقرر أيضًا تنفيذ رحلات ليلية من قبل فيكتوريا بهدف الحصول على معلومات عن حركة الثوار، كما كشفت عنها حرائق المعسكرات ومن أجل الحفاظ على الشعور بعدم الأمان عن طريق القاء القنابل الضوئية على مساحة واسعة.
2- رأيت أنه من الأفضل تحديد منطقة المراقبة الجوية في الوقت الحالي على الجزء الجنوبي الشرقي من منطقة الشيخ أحمد ، كان من المقرر أن يقتصر الأمر في الواقع على تلك القرى التي كانت معروفة بأنها تدعم الشيخ أحمد، وفي هذا الوقت كان من المستحيل الحصول على معلومات حول موقف السكان في القرى الواقعة في وادي ( شنكايل) وفي مناطق (مزوري بالا) شمال شرق وادي سيلكي)، أما المناطق التي يقتصر عليها التحكم الجوي في الوقت الحالي فهي كما تظهر في الخريطة المرفقة بهذا التقرير. ولسهولة الاطلاع تم تقسيم المنطقة إلى ثلاث مناطق فرعية على النحو التالي:
المنطقة الأولى: كانى بوتى، أعالي وادي شنكايل [شنكيل].
المنطقة الثانية: شيروان مه زن ووادي هوبا.
المنطقة الثالثة: مجموعة من قرى كوري سيلكي وستوب.
من المفترض أنه عندما يتم الحصول على معلومات حول موقف القرى خارج هذه المنطقة، يمكن اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان يتطلب توسيع نطاق العمل الجوي لتغطيتها.
3- كانت الصعوبة الرئيسية التي يمكن توقعها في هذا الوقت هي أن رجال القبائل في منطقة (مزوري بالا) سوف يمنعون من قبل الشيخ أحمد (الدخالات) (الاستسلام)، لقد فرض نوعا من الحصار على منطقته من خلال السيطرة على الممر الجبلي (وادي سولي) وفي (معبر جامه)، وهو متأكد من أن رجال قبيلته لن يذهبوا إلى تلك المناطق التي يحتلها الجيش العراقي، لذلك كان من الضروري إن أمكن محاولة رفع هذا الحصار قبل بدء المراقبة الجوية، وبالتالي توجيه العمليات في التاسع والعشرين لهذه الغاية فقط. علاوة على ذلك لم أرغب في فرض مراقبة جوية طالما بقي هناك أي أمل في إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الشيخ أحمد، ويبدو أنه لا يزال هناك احتمال عادل لاستئناف المفاوضات، وبناءً على ذلك اقتصر القصف في هذا اليوم على الثوار الذين يسيطرون على ممر مضيق (سولي) وأولئك الذين يسيطرون على معبر (روكوجك).
4- في ٣٠ أبريل/ نيسان، وبسبب حال الطقس السيئ لم يتم إجراء المزيد من العمليات، وفي المساء كما توقعت في المساء[ ضابط الخدمة الخاصة في بلى] كما توقعت وصل رسول من الشيخ أحمد يطلب إرسال طبيب على الفور ليفحص الطيار (ويلز)، الذي كان كتفه قد اصيب ويسبب له ألما شديدًا.يسبب له ألما شديدًا. الشيخ أحمد يطلب إرسال طبيب على الفور ليعالج ضابط الطيران ( ويلز).
5- خلال اليومين الماضين ا -2 مايو/ مايس [1932م]، مر مندوب بين (بليئ) والشيخ أحمد فيما يتعلق بالترتيبات اللازمة لضمان سلامة الطبيب ورفاقه، أثناء تبادل هذه الرسائل تأخر بدء المراقبة الجوية مرة أخرى واقتصرت العمليات على الجانب الجنوبي من (روكوجك)، حيث كان من المعروف أن ملا مصطفى ومجموعة كبيرة من الثوار مختبئون على سفوح (سيري هيربات). والتلال العالية الأخرى التي تحمي النهر[روكجوك].
6- في 30 ابريل/ نيسان أرسل طلب [من] الشيخ أحمد بإرسال طبيب لمعالجة ضابط الطيران (ويلز) إلى المفوض السامي، وأنا اعتبرها فرصة جيدة لإرسال ممثل بريطاني للاتصال المباشر بالشيخ ومعرفة ما إذا كان لا يزال يقبل المفاوضات ؟ وقرر المندوب السامي إرسال الكابتن- النقيب (ف. هولت) سكرتيره لشؤون الشرق لمقابلة الشيخ أحمد. وأصدر تعليماته إلى الكابتن (هولت) لإقناع الشيخ أحمد بعدم جدوى مقاومة الحكومة العراقية، لا سيما أنها كانت مدعومة بالكامل من قبل الحكومة البريطانية، وكان عليه أن يبذل قصارى جهده لتأمين إطلاق سراح السجناء أو على الأقل ضمان سلامتهم وحسن معاملتهم، كان عليه ان يفهم بأن الشيخ أحمد على علم بالشروط التي عرضتها الحكومة العراقية، وأيضًا إن أمكن معرفة الشروط التي سيكون الشيخ أحمد على استعداد لقبولها، وبشكل عام ما هو موقفه وموقف أتباعه، الكابتن (هولت) يتمتع بثقة الكورد وله نفوذ شخصي كبير بينهم ، كان قد اختتم في مايو ۱۹۳۱م بنجاح كبير مفاوضات استسلام الشيخ محمود، وكان من المأمول أن يلقى نفس النجاح مع الشيخ أحمد.
7- في الثاني من شهر مايو/ مايس سافر الكابتن (هولت) مع قائد السرب (دبليو إي هودجينز)، من الخدمات الطبية بالقوات الجوية الملكية، من (بغداد) إلى (بليئ) ولكن اضطروا إلى الانتظار هناك حتى صباح اليوم التالي، ليصل مندوب من الشيخ أحمد يضمن لهم الأمن والسلامة، انطلقوا على الفور في رحلتهم، مع ثلاثة بغال، وساروا عبر منطقة مضيق (سوليئ)، وبعد رحلة استغرقت أربع ساعات، استقبلهم محمد صديق، شقيق الشيخ أحمد، أسفل (البيديال)[قرية مسيحية تقع في سفح جبل شيرين مطلة على وادي سولى من الجهة الشرقية]، الذي رافقهم ساعتين من مسيرة وادي قرية (كاني بؤت الشيروانية)، وتم إنزال الأسرى إليهم من الكهف العلوي الذي لجأ إليه الشيخ أحمد وأتباعه خوفا من القصف الجوي، قام قائد السرب (هودجينز)، بمساعدة شمعة ومعه مجموعة من متسلقي الجبال الكورد كمساعدين ومتفرجين، بإعطاء الكلوروفورم لضباط الطيران على أرضية أحد الأكواخ ووضع كتفه، الذي ربطه الكورد بأفضل قدراتهم ومعرفتهم في جلد الماعز المسلوخ حديثا، وتبين أن السجناء عوملوا بكل المجاملة والراحة التي سمحت بها الظروف القاسية لرجال القبيلة، وبعد ذلك ظل الطبيب مشغولاً بتلبية احتياجات أهالي القرية.
8- في صباح اليوم التالي الثالث من شهر مايو/ مايس، تم نقل الكابتن (هولت) إلى الكهف حيث استقبله الشيخ أحمد مع إخوانه ملا مصطفى ومحمد صديق. وتمكن من مناقشة الوضع العام معهم وتحذيرهم من مغبة المزيد من المقاومة للحكومة العراقية والبريطانية، وعلى الرغم من أن الشيخ كان قلقا، إلا أنه بدا حريصًا على الاستماع إلى الشروط وتظاهر بعدم معرفته بما تريدها الحكومة العراقية وما هي الشروط التي عرضتها. ووعد الكابتن (هولت) بتقديم آرائه إلى السلطات في بغداد والعودة بالتفاصيل الكاملة لشروط ومقترحات الحكومة العراقية. ولكي تسير المفاوضات في أجواء هادئة، وعد باسم المفوض السامي بهدنة لمدة خمسة أيام في المنطقة الواقعة شمال غرب (روكوجك)، أخيرا نجح في تأمين الإفراج غير المشروط عن السجناء، (ويلز وإيفانز)، من خلال رفضه القاطع المغادرة بدونهم. يعكس هذا الاجراء السعيد والإنساني الفضل الأكبر للكابتن (هولت) وليس أقل من ذلك للشيخ أحمد نفسه.
9- في الخامس من مايو/ مايس، عادت الفرقة الصغيرة والشجاعة مع (ويلز وإيفانز)[ الضابطين البريطانيين التي أسقط الثوار البارزانيون طائرتهم في 26 نيسان 1932م بواسطة بندقية] بأمان إلى معسكر (بليئ) وتوجهت إلى بغداد في نفس المساء.
10- قبل مغادرة (بلئ) إلى (كاني بوت)[ قرية شيروانية] في ٣ مايو/ مايس، أرسل الكابتن (هولت)، بعد مناقشة مع قائد السرب (أومالي)، رسالة لاسلكية إلى المفوض السامي [فرنسيس هنري همفري] يعبر فيها عن آرائه بشأن الشروط التي قد تكون مقبولة للشيخ أحمد، وبالتالي قد تحل مشكلة (بارزان). دون مزيد من الخسائر في الأرواح أو تأخير الوقت. وكانت الشروط المقترحة جديدة في بعض النواحي، وكانت على النحوالتالي: على الشيخ أحمد أن ينسحب من (بارزان) إلى (دهوك) أو أي مكان آخــر مختار في العراق، ويحصل على منزل وبدل قدره ألف وخمسمائة روبية شهريا. أن يصبح إخوته ملا مصطفى ومحمد صديق، بعد خضوعهم للحكومة مسؤولين حكوميين يقومون بواجب حراسة الحدود التركية، والسماح للقادة الآخرين بالعودة إلى قراهم بعد الخضوع للحكومة. وكان من المقرر أن يغادر المندوب السامي بغداد إلى جنيف في السادس من مايو/ مايس، وفي نفس الصباح عاد الملك فيصل إلى بغداد من البصرة، بعد أن زار شاه بلاد فارس[ رضا بهلوي]، توقف قطار الملك بجانب المطار المدني غرب بغداد، وأمضى المندوب السامي نصف ساعة يناقش الشروط المقترحة مع جلالته وحصل على موافقته، وتحرك القطار بينما كان لدى المفوض السامي الوقت الكافي للتوجه إلى طائرة الخطوط الجوية الإمبراطورية قبل أن تغادر الأرض في رحلتها المتجهة غربا إلى أوروبا. (الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني– الحملة العسكرية العراقية – البريطانية على منطقة بارزان (1931 – 1932)-، اعداد وترجمة : شيركو حبيب، ج5، ص74 – 79).
11- يذكر القنصل الروسي في أورمية المستشرق "باسيل نيكيتين" (1895 – 1960م) بأن الشيخ أحمد البارزاني قد صرح للكابتن (ف. هولت) السكرتير الشرقي للمندوب السامي البريطاني على العراق بالقول:" أفضل مائة مرة أن أسلم نفسي للأتراك أعدائي المكشوفين، على أن أسلم نفسي لعبيد الانكليز". ينظر: (الكرد دراسة سوسيولوجية وتاريخية، تقديم لويس ماسينيون، نقله من الفرنسية وعلق عليه: نوري طالباني، ص239).