
شيروان الشميراني
كاتب
أنقرة وتشكيل قوة إقليمية ضدّ قسد

ما أقوله هنا ليس رأياً وإنما تحليل، وليس ميلاً وانما قراءة وتصوير لما يجري على الأرض وتوقع لما يمكن أن يحدث، عن الزيارتين المتزامنتين الى دمشق وبغداد في وقت واحد لأهم مسؤولين خارجيين في الدولة التركية قام بهما كل من هاكان فيدان وزير الخارجية الى بغداد وإبراهيم كالن مدير المخابرات الى دمشق، وكلا الرجلين يحملان ملفاً واحداً ويعملان من أجل غاية واحدة، وهي تشكيل قوة ثلاثية من الدول الثلاث لشن حرب إسئصالية على قوتين "قسد" في سوريا و"pkk" في الأراضي العراقية. تركيا تحاول الربط بين داعش وقوات سوريا الدمقراطية، لكن الجميع يعلم أن الغاية التركية ليست هي داعش بقدر ما هي قوات مظلوم عبدي.
في زيارة السيد فيدان يبدو بأنه لم يحصل على المبتغى، أي أن العراقيين لم يوافقوا على الطلب التركي، لأسباب جيوسياسية إقليمية والتغيرات التي حصلت ولم تتوقف بعد سقوط نظام البعث في سوريا، وكذلك لأسباب داخلية، كالتالي: -
- إن العراق لن يكون عامل مساعد لتقوية تركيا في المنطقة وفرض هيمنتها عليها، ولن يساعدها على ملء الفراغ الذي تركته طهران في سوريا.
- كما أن بغداد مازالت تتصرف تجاه أحمد الشرع من باب الشك والريبة والقلق، والاعلام العراقي للجهات الحاكمة لا يتوانى من كيل الاتهامات اليه والحديث عنه باعتباره أبومحمد الجولاني وليس أحمد الشرع.
- وداخلياً ليس بوارد أن يدخل في حرب هو يعلم أن الملايين من العراقيين لا يرون فيها حربهم التي عليهم خوضها.
- كما أن داعش لا يشكل تهديداً مباشراً للعراق في الفترة الحالية، وفي حال شكل تهديداً فإن التحالف مع قوات قسد أقرب الى العراقيين من التحالف مع قوات دولة تعمل من أجل أن تكون القوة الاولى في الشرق الأوسط.
- إن العديد من الكيانات التي تملك السلطة الآن في العراق، يرى في القوات التركية على الأرض العراقية قوات محتلة، عليها أن تخرج، ويقصفون بين فينة وأخرى قواعدها، فكيف يمكن الاصطفاف معها والقتال الى جانبها؟، قليل من التفكير يردّ حدوث شيء كهذا.
وعن الجانب الكوردي الذي يتخيل بعض من المحللين في أنقرة مشاركته في تلك الحرب، فإنه يبقى في دائر الخيال على الأقل في المدى المعلوم، فالسيد مسعود البارزاني استضاف مظلوم عبدي في مقرّه الخاص في مصيف صلاح الدين ويعمل من أجل توحيد الصف الكوردي، فكيف يمكن تصور الدخول في مواجهة عسكرية مع الرجل؟ خصوصاً أن الشارع الكوردي يرفض مطلقاً الحرب الداخلية الكوردية، وانتحار لكل من ينغمس فيها.
لهذا لم نسمع من السيد فؤاد حسين وزير خارجية العراق أي ذكر في المؤتمر الصحفي مع ضيفه عن حزب العمال الكوردستاني كما سمعنا من السيد فيدان "وكلا الوزيران كرديان"، علماً أن الرئيس التركي في زيارته الى بغداد في 22-4-2024 ولقائه كل المسؤولين العراقيين لم يحصل على مرامه المتعلق بالجانب الأمني، وإلى اللحظة لم تُعرِّف بغداد حزب العمال كحزب إرهابي في العراق، كل ما فعلته أنه ليس مرغوباً به.
وفي دمشق كذلك، فإن إبراهيم كالن التقى بالشرع لذات الغاية، دفعُه وإغرائه للدخول في حرب أهلية، حرب أهلية هو من أكثر من يحتاج الى تجنبه نظراً لوضعه السياسي وظرف بلده الاستثنائي بكل المقاييس، كما أن الرجل يعمل الان من أجل حلّ الخلاف بينه وبين مظلوم عبدي عن طريق الحوار، التقى الرجلان وسيلتقيان قريباً، ثم ما الضامن من عدم تفجير سوريا كلها في حال نشوب مواجهة عسكرية في شرق البلاد وشمالها؟ كما إذا تركيا تريد ذلك، فإن الحلفاء الآخرون للشرع لا يريدونه خاصة من الدول العربية الخليجية، وكذلك مصر، ولا العراق.
إن هذه المحاولات التركية تأتي في ظلّ فراغ سياسي في المنطقة وإستغلاله، وعدم وضوح الرؤية الامريكية في ادارتها الجديدة، هذه المحاولات هي من أجل كسب الشرعية الإقليمية وتصوير سياساتها على انها توافق عليها دول المنطقة المعنية، وذلك من أجل سحب واشنطن لإتخاذ موقف يوافق الهوى التركي، لكن لواشنطن سياستها وماظلت القوات الامريكية موجودة على الأراضي السورية فإن تركيا لن تقدر على فعل شيء على أرض الواقع، ولن تتحرك تركيا إلا بعد ضوء أخضر أمريكي، وعدم ممانعتها، ما يريده الامريكيون هو الذي يحدث، وليس ما تريده أنقرة ولا دمشق ولا بغداد.
وتاريخياً، لو عدنا الى الوراء قرناً كاملاً من الزمان، في كل الدول التي فيها الكورد ونشبت الحروب فيها وفي المقدمة تركيا، نرى أن القوة لم تستطع أن تحلّ الموضوع، منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي والقوات التركية دخلت الأراضي العراقية لملاحقة عناصر حزب العمال، وفي شتاء 2006 وقبلها وبعدها شنت العديد من الهجمات تحت مختلف العناوين، لكن مالذي حصل؟ ها نحن نرى محاولات تركيا أو إستنجادها بالدول الأخرى لمساعدتها على الأقل سياسياً ودبلوماسياً للدخول في أتون مواجهة جديدة، إن هذه المحاولات هي دليل على أن القوة لم ولن تحلّ المشكلات والخلافات الداخلية المجتمعية، والعراق خير شاهد على هذا، فلو عدنا بما يعيشه العراق وما مرّ به الى الوراء، وبحثنا عن الجذر، لا نجد غير القضية الكوردية التي نبشت في جسم الدولة نتيجة استبدادها ونكرانها للحق، وعمل القوى الدولية المتربصة عليها وتوظيفها، أي ربط المصلحة الكوردية معها بعد تعنت الأهل والأقارب..