رسائل من تأبين كوباني لشهداء حلبجة

رسائل من تأبين كوباني لشهداء حلبجة
رسائل من تأبين كوباني لشهداء حلبجة

لا يمكن وصف ما يعيشه الشعب السوري من مآس ودمار في هذه الأيام ، ولم نكد نلتقط أنفاسنا من هول المجازر التي اجتاحت الساحل السوري ، وأودت بحياة المئات من الأبرياء ، حتى دخلنا في متابعة حلقات جديدة من مسلسلات عنف تتواصل على درعا والمناطق الجنوبية وتستهدف المدنيين دون تمييز ، حتى الذين لجأوا إلى المساجد للتضرع والصلاة ، ولم تسلم مدن المنطقة الوسطى هي الأخرى كحماه وحمص من الانتهاكات والجرائم التي لا تكاد تتوقف حتى تبدأ من جديد ، ورغم هذا الاحتقان السائد والواقع المرير الذي يعم البلاد ، كانت قوافل المساعدات والإغاثة التي انطلقت من أهالي الشمال والشرق شاهداً حياً على التضامن الشعبي والتماسك الوطني ، ورسالة أمل تدفع السوريين للاستمرار في مواجهة الظروف القاسية والتكاتف في هذه الأوقات العصيبة .

على الرغم من تسارع الأحداث التي تعيشها سوريا ، لم يمنع ذلك الكورد السوريين من أن يتضامنوا مع أقرانهم الكورد في كل مكان مستذكرين شهداء مجزرة حلبجة التي تعد واحدة من أبشع المجازر في العصر الحديث .

في خضم هذا الوضع الصعب ، شاء القدر أن تطال يد الإرهاب المجرم عائلة بسيطة في كوباني ، وتقضي على معظم أفرادها ، وجلهم أطفال أبرياء ، تاركة وراءها جرحاً عميقاً في قلب كوباني ، وأعني نارين ورويندا ، الطفلتين المسكينتين اللتين فقدتا أبويهما وسبعة من إخوتهما وأخواتهما الأطفال ، ولا تزال جراحاتهما تنزف لترتجف معها قلوب السوريين جميعاً على هذا المصاب الأليم والمجزرة المروعة . 

طغت مجزرة كوباني الرهيبة على جميع الوقفات الصامتة والفعاليات التي نُظِمت هنا وهناك لاستذكار مجزرة حلبجة ، وأعلنت عن تأبين خاص وحزين لشهداء حلبجة بطريقتها الخاصة .

بالعودة للرسائل أقول بأن هذه المجزرة الفظيعة مثل غيرها من المجازر والأحداث والجرائم التي ترسل لنا رسائل سياسية كثيرة في هذا الوقت الحساس ، وأعتقد أن دوافع الإرهاب وغاياته أبعد وأكبر من قتل أطفال أبرياء وترويع مدنيين آمنين في مزارعهم وقراهم .

أول الرسائل برأيي كانت رفض الإرهاب للأخبار التي نسمعها عن شبه توافق كردي في وجهات النظر سواء في آربيل أو في القامشلي ، والتقارب الكبير الذي قد يسفر عن اتفاقات كردية إيجابية مثل تشكيل الحكومة في إقليم كردستان ، وما له من انعكاسات هامة على العراق والمنطقة ، والحوار والاتفاق الكردي في القامشلي والذي دعونا له كثيراً بسبب دوره في تحسين الموقف الكردي من جهة والدفع بعجلة التفاوض والحوارات مع باقي المكونات في شرق الفرات وفي سوريا بشكل عام .

الرسالة الثانية أرى أنها تهديد مبطن لعملية السلام في تركيا التي استبشرنا بقدرتها على إيجاد حل عادل للقضية الكردية يساهم أيضاً بتحقيق الاستقرار في المنطقة كلها ، وليس في تركيا فقط .

آخر الرسائل المباشرة والمعقدة كسابقاتها من وجهة نظري هي محاولة نسف الاتفاق الموقع بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية ، وما سيترتب على نسفه من توتر وعودة لنقطة الصفر .

نحن السوريون ، عرباً وكورداً ، مسلمين ومسيحيين ، سنة وعلويين ، دروزاً واسماعيليين وإيزيديين ، ومن كافة الأعراق والإثنيات ، سئمنا وتعبنا كثيراً من عقد ونصف من المعاناة التي عشنا خلالها كل أنواع العذابات والقتل والتشرد والتهجير .

نبحث اليوم عن سلام منشود وراحة مفقودة ، وعن حرية وكرامة طالبنا بها ودفعنا من أجلها أثماناً باهظة ، ولا نريد سوى العيش في أمان واستقرار ، والحق في أن نحلم بمستقبل جميل يحمل الأمل لأطفالنا بعيداً عن الإرهاب ، وما تفرضه المصالح الدولية والأجندات الإقليمية .

لقد اعتدنا كسوريين تبادل الزيارات فيما بيننا ، وتقديم واجبات التهنئة والعزاء ، ولكننا اليوم لم نعد نملك القدرة والطاقة على تلبية نداء هذه الواجبات ، أو حتى التخفيف عن بعضنا البعض في ظل هذه المجازر المتلاحقة هنا وهناك ، والانتهاكات المستمرة بسبب التجاذبات السياسية التي تفرض علينا البقاء لفترة أطول في هذا النفق المظلم .