
د. كوفند شيرواني
أستاذ جامعي
قرار قطع الرواتب.. مخالفات دستورية وقانونية

مكررا وللمرة الثالثة (حسبما أحصيت) تقطع الحكومة الاتحادية العراقية رواتب اقليم كوردستان (وتشمل رواتب الموظفين والمتقاعدين وعوائل الشهداء والمشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية. المرة الاولى كانت في العام 2014 والثانية في العام 2020, وكانتا بأوامر من رئاسة الوزراء. المرة الثالثة حصلت في 28 من شهر مايس من العام الحالي (2025) وكانت بخطاب رسمي من وزارة المالية العراقية, وهذه الكرة قطع الرواتب ليس لشهر واحد وإنما للثمانية أشهر المتبقية من العام الحالي 2025.
تذرعت وزارة المالية في قرارها بأن الإقليم إستنفذ حصته من الموازنة ونسبتها 12.6% والتي تحتسب من النفقات الفعلية لثلاث أعوام (2023 و 2024 و 2025 ) المشمولة بقانون الموازنة العامة رقم (13) للعام 2023. ويقصد بهذا القرار أن ما استلمه الاقليم من الرواتب خلال هذه الاعوام يعادل كامل حصته ولا يتبقى له أي استحقاق مالي, كما يوضح القرار.
ووفق تحليلاتنا الشخصية المتواضعة, فإن هذا القرار, والذي يتفق العديد من المتابعين أنه قرار سياسي بامتياز, أرتكبت فيه ثلاث مخالفات دستورية وقانونية وقضائية, نلخصها بالشكل التالي:
المخالفة الدستورية
يتقاطع قرار وزارة المالية مع المادة (14) من الدستور ونصها (العراقيون متساوون أمام القانون ودون تمييز). ومبدأ المساواة الذي تتضمنه هذه المادة الدستورية تم خرقه بشكل واضح, لأن الوزارة سددت رواتب (شهر أيار) لكافة الموظفين في وسط وجنوب البلاد, فيما حجبتها عن موظفي الاقليم.
المخالفة القضائية
يتعارض قرار وزارة المالية كذلك مع قرار المحكمة الاتحادية رقم (224) الصادر في 21 شباط 2024 , وهذا القرار ملزم لجميع السلطات ولا يجوز لأي قانون أو قرار أو وثيقة مخالفته. والبند السادس من هذا القرار نصه كالاتي (لا يجوز أن يكون الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم بشأن تنفيذ مواد قانون الموازنة سببا لعدم صرف الرواتب الشهرية لموظفي الإقليم في وقتها المحدد).
أي أنه قرار المحكمة الاتحادية يلزم بوضوح وزارة المالية بتسديد الرواتب بمعزل عن أي تفسيرات وخلافات حول مواد قانون الموازنة, وأن تسدد هذه الرواتب في وقتها المحدد.
المخالفة القانونية
ينبغي أن يبقى قانون الموازنة العامة رقم (13) لعام 2023 واجراءات وزارة المالية متوافقة ولاتتعارض مع بنود قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019.
حيث تتضمن المادة 1- عاشرا من هذا القانون, ضرورة تقديم الحسابات الختامية لسنة قانون الموازنة بحلول نهاية شهر كانون الثاني من السنة اللاحقة. الا ان تقديم الحسابات الختامية لم يتحقق لعدة سنوات في ظل الكابينات الوزارية المتلاحقة, وهو خرق للقانون تتحمله وزارة المالية وقد تكون وراءه دوافع التعتيم على حالات كثيرة للهدر والفساد المالي في أبواب كثيرة من الانفاق العام المدونة في قانون الموازنة.
كما أن تقديم الحسابات الختامية سيوضح أوجه الصرف والمقادير الحقيقية للانفاق الفعلي وحصة الإقليم المستحقة من هذا الإنفاق. ولا يمكن تحديد النفقات الفعلية الا في نهاية السنة المالية وليس في الشهر الخامس منها, فعليه فان ادعاء وزارة االمالية ان الاقليم استنفذ استحقاقه من الموازنة لا يمكن الفصل فيه الا بعد انقضاء ثمانية اشهر أخرى, وهي الفترة المتبقية من السنة المالية 2025. وبحسب ما ستصرفه الحكومة ومؤسساتها ومحافظاتها في الاشهر الثمانية المتبقية من العام الحالي, سوف يتغير مجموع النفقات الفعلية والاستحقاقات المالية للاقليم ضمنها.
اعتبارات اخلاقية
وبصرف النظر عن كل هذه القوانين والمواد الدستورية فإن قطع الرواتب عن مليون و 200 ألف مستحق من الموظفين و المتقاعدين و ذوي الشهداء والمؤنفلين والمشمولين بشبكة الحماية الآجتماعية, أي قطع أرزاق نحو مليون عائلة قبيل أيام قليلة من حلول عيد الأضحى المبارك يعد تصرفا غير إنساني وغير أخلاقي مهما كانت مسوغات ومبررات القرار.
كان الأحرى بوزارة المالية وعلى أقل تقدير, أن ترسل الرواتب كاملة واعتبارها سلفة ثم اجراء تسوية للمستحقات المالية بين الطرفين (الحكومة الأتحادية والأقليم), ليس للسنة الحالية فقط بل لكل السنوات من 2004-2022 تطبيقا للمادة (11-أولا) من قانون الموازنة.
وحين قطعت الموازنة في العام 2020, وقتها صرح الخبير القانوني المرحوم طارق حرب بأن قطع الرواتب غير جائز لأنه يمثل مصدر معيشة العوائل والأطفال والمسنين ولا يجوز استخدامه وسيلة لمعاقبة الحكومات المحلية في هيئة محافظة أو إقليم. وفي ذات السنة, وبشأن قرار قطع الرواتب, أضاف الدكتور مظهر صالح المستشار المالي (ولايزال) لرئيس الوزراء بأن قطع الرواتب ليس أي أساس قانوني وإنما هو لدوافع سياسية وهو أشبه بالفقاعة التي ستزول وتنفجر وبعدها تحصل تفاهمات وتحل الخلافات بين الأطراف السياسية المختلفة.
يتفق العديد من المحللين والمتابعين للشأن المالي والاقتصادي, أن استخدام ورقة الرواتب كوسيلة لتجويع شعب كامل كإجراء عقابي تمارسه إدارات في الحكومة الاتحادية ازاء الإقليم أو كورقة ضغط سياسي سبقتها أوراق أخرى بدأت وتزايدت ايقاعاتها وستبقى تتفاقم مع اقتراب موسم الانتخابات البرلمانية في شهر نوفمبر القادم.