إعلان الحرب.. كيف تحاول بغداد خنق كوردستان !!

إعلان الحرب.. كيف تحاول بغداد خنق كوردستان !!
إعلان الحرب.. كيف تحاول بغداد خنق كوردستان !!

في ساحة معركة جديدة لا تدوي فيها طلقات الرصاص، لكنها لا تقل شراسة عن سابقاتها، تشن بغداد حرباً اقتصادية شاملة ضد إقليم كوردستان. 
هذه المرة، الأسلحة هي نصوص قانونية وبنود مالية، والضحايا هم ملايين المواطنين الأبرياء. 
إنها معركة وجود تستهدف النموذج الكوردستاني الناشئ، وتُظهر عمق الهوة بين خطاب الوحدة الوطنية وممارسات الهيمنة المركزية.

 

تفاصيل المعادلة المجحفة: 74 بنداً ضد 11 بنداً

تشير الوقائع إلى فجوة صارخة في التعامل المالي بين بغداد وأربيل. 
فبينما تطالب الحكومة الاتحادية إقليم كوردستان بتسليم 50% من عائدات 74 نوعاً من الإيرادات المحلية، نجدها تقتصر على تحصيل 11 نوعاً فقط من المحافظات الأخرى.
 هذه الازدواجية المعيارية تكشف النقاب عن سياسة ممنهجة تهدف إلى:

· حرمان الإقليم من موارده المالية المشروعة· 
تقويض قدرته على تقديم الخدمات الأساسية· 
إضعاف شرعيته الداخلية والدولية· تحويله إلى تابع مالي للمركز.

 

صمت مريب وتواطؤ النخب السياسية

الأمر الأكثر إثارة للاستياء هو الصمت المطبق من قبل القوى السياسية التي تتغنى بالديمقراطية والعدالة. 
فأعضاء البرلمان العراقي من التيار السني، والأحزاب العلمانية، والتيارات المدعية لمحاربة الفساد، يقفون جميعاً متفرجين على هذه الانتهاكات السافرة.
 لقد كشفوا عن حقيقة مؤلمة: أن شعاراتهم البراقة ما هي إلا غطاء لمصالح ضيقة، وأن "الوطنية" المزعومة تتوقف عند حدود مصالحهم الشخصية ومكاسبهم الفئوية.

 

تقصير مذهل في أعلى منصب دستوري

ولعل الصفعة الأقسى تأتي من القيادة التي يفترض أنها تمثل الكورد في أعلى هيئة دستورية. رئيس الجمهورية، الذي ينتمي إلى القومية الكوردية، يقف متفرجاً على انتهاك الحقوق الدستورية للإقليم. الدستور العراقي ينص صراحة في المادة (64) على أن رئيس الجمهورية هو حامي الدستور، وله صلاحيات خاصة لضمان احترامه. لكنه بدلاً من أن يكون درعاً واقياً، أصبح شاهداً صامتاً على:

· قطع رواتب آلاف العائلات الكوردستانية
· التجاوز على الصلاحيات المالية للإقليم· 
عرقلة تنفيذ المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها· 
استمرار التغيير الديموغرافي في كركوك والمناطق الكوردية الأخرى

 

أدوات القمع الاقتصادي المنظم

لم تترك بغداد أي أداة إلا واستخدمتها في حربها الاقتصادية ضد الإقليم:

1. سلاح قطع الرواتب تحول قرار قطع رواتب الموظفين والمتقاعدين إلى عقاب جماعي يستهدف شعباًبأكمله. إنها سياسة "جوعوا حتى يستسلموا" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تنتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي.

2. حرب النفط والثروات تماطل بغداد في الاعتراف بأحقية الإقليم الدستورية في إدارة ثروته النفطية،متجاهلة أن الدستور منح صلاحية إدارة النفط غير المستثمر للأقاليم.

 الهدف واضح: حرمان كوردستان من أهم مصدر لتمويل استقراره وتطوره.

3. إهانة الضحايا وتجاهل الماضي يستمر التماطل في تعويض ضحايا جرائم الإبادة الجماعية مثل الأنفال وحلبجة،في إهانة صارخة للضحايا واستمرار للظلم التاريخي.

 

خيارات المواجهة الاستراتيجية

في مواجهة هذه الحرب الشاملة، لم يعد الصمت خياراً. على الإقليم اعتماد استراتيجيات متعددة:

1. التصعيد السلمي المنظم

· تنظيم إضرابات واحتجاجات مدنية واسعة.
· حملات عصيان مدني سلمي· 
جذب الانتباه الإعلام
 العالمي للقضية.

2. الضغط الاقتصادي المدروس.

·تعليق إرسال الإيرادات  آلية عادلة· 
البحث عن شراكات اقتصادية بديلة· تنويع مصادر الدخل والتمويل.

3. التدويل الكامل للقضية.

·رفع الشكاوى للمحافل الدولية·
 طلب التحكيم الدولي.
·كسب تعاطف الرأي العام العالمي.

4. المقاومة الدستورية والقانونية.

استخدام كل الأدوات القانونية المتاحة.
تحدي القرارات المجحفة أمام المحاكم· 
توثيق كل الانتهاكات بشكل قانوني.

5. إعادة تعريف العلاقة.
6. الدعوة إلى حوار جاد حول إعادة تعريف العلاقة·7.  المطالبة بصلاحيات أوسع في الإدارة الذاتية·

 البحث عن نموذج كونفيدرالي يحفظ الحقوق.

 

الخاتمة: معركة وجود تستحق التضحية

ما تواجهه كوردستان اليوم هو اختبار حقيقي لإرادة شعبها وقيادتها. الخيارات صعبة والمخاطر جسيمة، لكن ثمن الصمت أعظم.
 النموذج الكوردستاني، رغم كل التحديات، يشكل منارة أمل في محيط من الفشل والفساد.
 حمايته ليست ترفاً، بل ضرورة وجودية.
القادة الكورد مدعوون اليوم لاتخاذ قرارات تاريخية تحفظ كرامة شعبهم وتضمن مستقبل أجيالهم.
 الشعب الكوردي، الذي تحمل الكثير، على استعداد لتحمل المزيد دفاعاً عن حقه في الحياة الكريمة والحكم الذاتي.
 المعركة طويلة، لكن الحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع.