
د. سامان سوراني
أكاديمي كوردي
باريس تكرم الپێشمەرگە والرئيس بارزاني يجدد عمق العلاقة الكوردستانية–الفرنسية

في مشهد مفعم بالرمزية والتقدير، تفتُتح اليوم في قلب العاصمة الفرنسية باريس شارع وحديقة باسم الـ"پێشمەرگە"، بحضور فخامة الرئيس مسعود بارزاني، في خطوة تعكس عمق العلاقات التاريخية بين فرنسا وإقليم كوردستان، وتؤكد استمرار الدعم الفرنسي لتضحيات الشعب الكوردستاني في مواجهة الإرهاب.
فخامة الرئيس بارزاني، الذي حلّ ضيفاً رسمیاً على باريس، شارك في مراسم الافتتاح التي جرت وسط حضور رسمي وشعبي فرنسي، إلى جانب عدد من الشخصيات السياسية والثقافية الكوردية والفرنسية. الحدث لیس مجرد تدشين لشارع أو حديقة، بل هو بمثابة رسالة سياسية واضحة مفادها "فرنسا لم تنسَ من وقفوا في الخطوط الأمامية لمحاربة داعش."
إنه تكريم غير مسبوق لتاريخ من المقاومة، فشارع الـ"پێشمەرگە" في باريس – مدينة الأنوار والثقافة – هو اعتراف رمزي ومادي ببسالة القوات الكوردية التي واجهت تنظيم داعش الإرهابي في أصعب المراحل، عندما كان الخطر يهدد ليس فقط العراق وسوريا، بل أمن العالم أجمع.
هذا التكريم يحمل دلالة عميقة، لأنه "لا يكرّم فقط قوات الپێشمەرگە، بل يكرّم كل من وقف في وجه الظلام دفاعًا عن القيم الإنسانية والحضارية"، هكذا علّق أحد المسؤولين الفرنسيين خلال الحفل.
قوات الپێشمەرگە كانت في مقدمة الصفوف، ليس فقط في الدفاع عن كوردستان، بل في حماية الأقليات المضطهدة، وصون كرامة الإنسان، والتصدي لواحدة من أعنف الهجمات الإرهابية في التاريخ الحديث.
لطالما كانت فرنسا صوتاً داعماً للكورد في المحافل الدولية. فمنذ أيام الرئيس الراحل فرانسوا ميتران وحتى اليوم، حافظت باريس على خطٍ دبلوماسي يتفهم تطلعات الكورد، ويقدّر نضالهم المشروع.
خلال العقود الأربعة الماضية، لم تبخل فرنسا بدعمها لإقليم كوردستان، إنسانياً، سياسياً، وعسكرياً. وفي حرب التحرير ضد داعش، كانت باريس من أوائل العواصم التي قدمت السلاح والتدريب والمساندة لقوات الپێشمەرگە، ضمن التحالف الدولي.
فخامة الرئيس مسعود بارزاني لم يكن ضيفاً عادياً في باريس، بل ضيفاً يحمل تاريخاً طويلاً من التواصل والدبلوماسية. فمنذ توليه قيادة الحركة التحررية الكوردية، سعى الرئیس مسعود بارزاني إلى مد جسور العلاقات مع العواصم العالمية، وبخاصة باريس التي طالما احتفظت بمكانة خاصة في سياساته الخارجية.
ليس غريباً أن يتم هذا التكريم في حضوره، فهو أحد أبرز من عبّر عن القضية الكوردية بلغة يفهمها العالم: لغة العقل، الشراكة، والسلام. وقد نجح في تقديم كوردستان للعالم كطرف مسؤول، ملتزم بالقيم الدولية، وشريك موثوق في محاربة الإرهاب.
افتتاح طريق وحديقة باسم الـ"پێشمەرگە" في باريس ليس مجرد تقديرٍ للماضي، بل هو أيضاً إشارة إلى المستقبل. إنه تذكير بأن الحرب ضد الإرهاب لم تنتهِ، وأن القيم التي دافعت عنها الپێشمەرگە ما زالت حاجة ملحّة في عالم يعاني من صعود التطرف.
كما أنه يعكس رغبة فرنسية – أوروبية – في استمرار التعاون مع كوردستان، ليس فقط أمنياً، بل أيضًا ثقافياً وإنسانياً وتنمويًاً، ضمن رؤية تؤمن بدور الإقليم كجزء من منظومة الاستقرار الإقليمي.
وختاماً: زيارة فخامة الرئيس مسعود بارزاني إلى باريس، وافتتاح شارع باسم الـ"پێشمەرگە"، هي أكثر من لحظة تكريم، إنها صفحة جديدة في العلاقة التاريخية بين كوردستان وفرنسا. لحظة تُترجم فيها السياسة إلى عرفان، والدبلوماسية إلى احترام متبادل، والتاريخ إلى جسور مستقبلية بين شعبين يجمعهما النضال من أجل الحرية والكرامة.