
علي عدنان محمد
كاتب
حين يحضر التاريخ بشخصه ...

في زمنٍ تتكاثر فيه الرموز وتقل فيه المواقف، يطلّ علينا الرئيس مسعود البارزاني، لا كزعيم سياسي فحسب، بل كحارسٍ لذاكرة شعبٍ وكرامة قضية. زيارته الأخيرة إلى فرنسا، رغم تقدمه في العمر، لم تكن مجرد مشاركة بروتوكولية، بل كانت تجسيدًا حيًّا لسمو القضية الكردية، ووفاءً لتضحيات البيشمركة تلك الكلمة التي ما فتِئ الرئيس يفتخر بها وينهل من معينها الصافي منذ نعومة اظفاره الرجال الشجعان الابطال الذين كتبوا بدمائهم فصولًا من البطولة والنبل
إن افتتاح حديقة البيشمركة تكريمٌ يتجاوز الجغرافيا في قلب باريس، تلك المدينة التي تحتفي بالحرية والجمال، حيث وقف الرئيس البارزاني إلى جانب رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو، ليزيح الستار عن لوحة تحمل اسم "البيشمركة" في متنزه أوندري سيتورين. لم يكن الحدث مجرد تسمية شارع، بل كان اعترافًا عالميًا بدور هذه القوات في مواجهة الإرهاب، وتقديرًا لتاريخ طويل من النضال الكردي من أجل الكرامة والحرية والحق.
إن حضور البارزاني بنفسه رغم تقدمه في العمر رسالة لا تُنسى وهو في الثمانين من عمره، إلى هذا التكريم، لهو موقفٌ يعلو فوق الحسابات السياسية. إنها رسالة إلى الأجيال، بأن القضايا العادلة لا تُترك في منتصف الطريق، وأن من حمل السلاح دفاعًا عن شعبه لا يتخلى عن رموزه في لحظة الاحتفاء. لقد أهدى تمثالًا للبيشمركة، وكتابًا يوثق بطولاتهم، وعسلًا من جبال كردستان، وكأنّه يقول: "أنا هنا، أحمل عبق الأرض، وأروي قصة شعبٍ لا يُنسى". سمو القضية من الجبال إلى العواصم
فالقضية الكردية، التي لطالما نُظر إليها من زوايا ضيقة، ترتقي اليوم إلى مصاف القضايا الإنسانية الكبرى. حين تُخلّد تضحيات البيشمركة في باريس، فإن ذلك يعني أن نضالهم لم يكن محليًا، بل عالميًا. لقد قاتلوا ضد داعش نيابة عن العالم، وها هو العالم يردّ الجميل، ولو رمزيًا، في حديقةٍ تحمل اسمهم.
وختاماً حين يكون الحضور موقفًا
ففي حضور الرئيس بارزاني، رأينا كيف يمكن للرمز أن يتجاوز الجسد، وكيف يمكن للشيخوخة أن تكون وقارًا لا عذرًا. لقد حضر ليقول: "القضية لا تشيخ، والكرامة لا تُؤجّل". وبين أروقة باريس، ارتفعت راية البيشمركة، لا لتُزيّن شارعًا، بل لتُذكّر العالم بأن هناك شعبًا لا يزال يقاتل من أجل أن يُرى، ويُحترم، ويُحتفى به ويكون له وطنُ يحتضنه وبيتاً يأويه. وليقول للعالم بأسره سأناضل ما حيًيت واجتهد ما بقيت واسقي الاجيال القادمة رحيق ازهار الجبال واغذي فيهم شموخ الجبال واشحذ فيهم الهمم ليكافحوا من اجل قضيتهم العادلة لينالوا ولو بعد حين حقهم في وطنٍ يجمعهم وحدودٍ يلم شملهم بعد شتات .