
جهان كور نعسان
أديبة وشاعرة كوردية
رؤية في رواية حكاية شام

ما تزال الرواية تتربع على عرش الأجناس الأدبية استفزازاً لتناولها و التعاطي معها اهتماماً و شغفاً رغم استنزافها المهتمين وقتاً و جهداً . و كأن في تصدرها هذا قصاصاً و إنصافاً للمجهود الضخم الذي يبذله الكاتب لهذا الفن الأكثر جماهيرية ... و كلما تفرد كاتب الرواية في تمكنه من ربطه أبطال وأحداث و زمان و مكان روايته بروح العصر و أوجاعه و آماله كلما ارتفع استحقاق العمل الروائي ؛و إلا سيكون العمل تاريخياً و إنه لأمر محمود دون شك و لكنه بات ليس بالمرغوب ... أو أن يكون العمل خيالياً صرفاً و هو كذلك لا يمكن أن يلامس القارئ الذي يتفوق اليوم على الكاتب أحياناً لكثرة المخزون المنوع لدى البعض بما يضاهي أكبر الذواكر الرقمية لمكتبات تضم عدد هائل من الروايات ... لذا لم يعد من السهل جذب القارئ لمتابعة قراءة الرواية بذات التشويق الذي كثيراً ما يتصاعد مع الصفحات الأولى ...
و هنا تبرز حرفية الكاتب و إمساكه بأدوات روايته ببراعة ؛ فكلما حافظ على عنصر التشويق حتى الصفحات الأخيرة كلما حُقّ علينا الاعتراف له بالإبداع و النجاح ... وهنا لا نقصد بعنصر التشويق مجرد الجذب و الإثارة و هي أساس دون شك لكن تغليفهما بما ينفع و يفيد و يرتقي بالقارئ و يقدم له رسالة مجتمعية فردية فكرية علمية تاريخية صحية .... إلخ . أياً كانت فكيف إن تتناول أو تتكاتف هذه كلها ملفوفة بالتشويق و التطلع إلى غرف المزيد بالقراءة و المعرفة من الرواية ...
كانت هذه كلها المقدمة ؛ فروايتنا (حكاية شام ) لمؤلفها الدكتور: علاء الدين آل رشي ، و التي بلا مغالاة استطاع من خلالها الإتيان بكل هذه المعطيات و بدون تكلف أو تنبيه القارئ إلى أنه يقصد فعل كل هذه الأشياء في آن معاً ، و إنما ببساطة تجعلك تنسى أحياناً أن الكاتب من خلال مراميه البعيدة القريبة الغامضة الواضحة المعقدة البسيطة الإشكالية الجدلية البدهية الحتمية استطاع فعلاً أن تتفاعل معه و تدخل بمنتهى الحماس مع الأحداث وكأنك أحد أو صديق لتلك الشخصيات ... نعم من يقرأ رواية (حكاية شام ) للدكتور علاء ستسكنه لا محالة و سيستذكر الكثير من العبارات الوقادة على لسان شخصياتها في الكثير من تقاطعاته الحياتية . كما إن مشاهدها التي يصورها بدقة متناهية ستظل تمر في مخيلته و كأنه عايشها أو شاهدها كدراما أكثر تأثيراً مما شاهده فعلاً في عمل تمثيلي ... و لنبدأ من العنوان الذي حمَّلهُ بدايةً كلمة حكاية بما لها كمفردة من مدلول نرتبط به تراثاً و تاريخاً ... فمن منا لا ترتبط تربيته و شخصيته التي هوعليها بعالم الحكايات بما فيها من دفء أسري و حنين للماضي و الجدود و كذا معرفة الحاضر من خلال القص الحكائي ... أما شام فهي التاريخ بأمجاده . المستقبل بآفاقه ؛ و كيف و الرواية رأت النور إبان التحرير بعام في وقت أيس الكثيرون من بارق فجر يتنفس فيه الحر ... ثم إن للاسم ارتباط بشخصية تبرز في الفصل الأول للرواية و هي تحمل الاسم نفسه .... ليبدأ القارئ بالاستفسار من خلال مسارعته في قراءة صفحات الرواية و هو تارة يجعل الحكاية هي حكاية المدينة و المنطقة برمتها و تارة يجعلها حكاية الصبية الثورية ليميل مع الكاتب و يتفق معه أنهما المدينة و الفتاة عين الحكاية معاً و لا يمكن له إلا أن يفهم حكاية كل منهما من الآخر ...
بعد تجاوزنا العنوان سنعمد إلى تفكيك هذه الكتلة الأشبه بمادة متجانسة من الصعب أن نفصل بين ذراتها ... لكننا سنفعل ما استطعنا و لعلنا من المقدمة العامة و التدرج منها إلى العنوان جئنا على مفاتيح تمييز مكتنزات هذا العمل ...
ملخص الرواية : تقع الرواية في عشرة فصول متناسقة بالطول و فصل ختامي قصير موزعة كلها على ثلاثمئة وأربعين صفحة و لنا أن نختزل جوهر الرواية بِتحضُّر المكان و الزمان و الشخوص لتبدل كبير يتمثل بالثورة السورية فور اندلاعها لتنتقل بعدها هذه العناصر مجتمعة بسرعة إلى دروب الهجرة و اللجوء لدى الغرب الأوربي ثم لتتمثل كل سلبيات و إيجابيات هذه الحياة الجديدة و البديلة في طرح يتداخل فيه البعد التاريخي والحاضر المعاصر و المستقبل المأمول و كل هذا من خلال إتيان الكاتب لشخصية عمر بن الخطاب الخليفة الراشدي و الصحابي القريب الجليل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فيجعله لاجئاً و يبني على هذا التواجد ارتباطاً و تحليلاً و حلولاً و طروحاً شتى في كبرى الإشكاليات التي تسببت في تنحية الفكر الإسلامي أنموذجاً سليماً بل بديلاً لما عليه الحال في شتى الأنظمة و القوانين ... كل ذلك من خلال إقامة حجج قوية مدعومة بأدلة مرجعية من الآي الكريم وبتجارب فعلية تارة من القديم و تارة بإثبات زيف و ضرر المستعاض عنها تحت مسميات مناقضة لِلَمعان الاصطلاح الحديث ... ثم ليعود كما ابتدأ بتقديمه التطورات الحقيقية لشخصيته بطل روايته نور الدين المتيم بشام المدينة تاريخاً و جغرافية و هوىً و ألماً لحالها و تأملاً و تمنياً لحريتها و مسهماً فاعلاً في ثورتها و في طيات ذلك كله عاشقاً لشام الفتاة التي يُحمِّلها كل تلك المعاني و القضايا و الأحلام و هي كذلك و هما يتقاسمان كل ما هي فيه الشام المدينة ليتركهما في عباب البحر و يقدم وجهاً آخر لكل عناصر القصة ليعود أخيراً في لحظة يصحو نور الدين من غيبوبته و قد استعاد عافيته و هو يتأمل أن يجد شامه التي تمثل الحب كأنثى و الوطن في المنفى و النصر في الثورة المباركة التي دفعا معاً ثمنها ... ليترك النهاية مفتوحة للقارئ الذي سيميل دون شك إلى أن تظل شام الحب و الوطن و النصر و الحضن و الأمان و السلام و المجد و العز نابضة بكل ذلك ضامة نور الدين و الشام معاً ... هذه هي حكاية شام .
الزمان و المكان و الشخصيات و الأحداث و الربط فيما بينهم (الأسلوب):الربط الوطيد بين عناصر الرواية (الأدوات التعبيرية) : سبق أن بينت أنه من الصعب تفكيك رواية آل رشي تماماً ؛ فهي أشبه بمادة كهرلية كالسكر الذي يذوب في الماء دون تحوله إلى أيونات و كذا حكاية شام تذوب في فكر القارئ دون أن تتحول إلى شكل واقعي تماماً أو خيالي بالمطلق أو تاريخي بالمنظور و إن اجتمعت كل هؤلاء... كما أنك كمتلقي لا تجدها صرف سياسة مع ما فيها من تداخل الظروف السياسية و الإقليمية الحقيقية أو صرف ثقافة إسلامية محضة رغم كل ما فيها من ملامح صارخة و ذلك لِما فيها بالمقابل كذلك من انبهار واضح و ثناء منصف مائل إلى الانحياز بالحضارة الغربية في جوانب تمس احترام الكرامة و صون حقوق حتى المُعادين لهم . و المظاهر الكثيرة التي تجعلنا جميعاً نتغنى ببهائها و رقيها في شتى المناحي عدا تلك التي وضعها المؤلف على الطاولة بل تحت المجهر وراح يبين مخادعتها الناس شعوباً و أفراداً ... لكننا لا يمكن أن نراه إلا صرف الالتفاف إلى الإسلام حلاً يتناسب و كل مكان و زمان بما يقدمه مغلفاً بشريط من حداثة الغرب لكنه مترفع عن الدعوات ذات الصوت المرتفع اليوم بما تعافه الفطرة بحجة الحرية الطفرة ... و هنا لا بد أن يقيم ما أمكنه من حجج ليقنع قرّاءه بما هو مؤمن به دون تعصب أو غلو و إنما بتفنيد ما روجه المغرضون حول إثارة اللغط في بعض القضايا التي تؤخذ على الدين الحنيف و ما هي في الحقيقة سوى جزء عظيم لتقديم الحلول لأمراض المجتمعات في كل زمان ومكان ، و مع تباين الطبيعة البشرية و ميولها ، و أمر سريعاً على بعضها : (الرق ، العبودية ، ما ملكت اليمين ، تحريم : "الربا ، الزنا ، اللهو، المجون ، الشذوذ" ، ثم حقيقة كل من : الجهاد ، القتال ، السبي ، الغنائم ، الذمم، الكتابيين ... ) و هو في كل ذلك - وثمة كثيرلم نذكره - يصر على الاستشهاد بآيات عظيمة من القرآن الكريم وتمنيت لو حدد أرقام الآيات و غزاها لسورها من باب فائدة أجلى لكنه ربما آثر مواطن الاستشهاد فحسب بغض النظر فكله قرآن عظيم . وهو في استشهاده هذا يقيم حجته في ذكره ... نجده يعمل على ازدواجية تفنيد الخطأ و وضع الحل البديل ... الاستفادة من حضارة الغرب بتطبيق شريعة السلام و الحب دون غلو و كأنها دعوة خالصة لتظافر الشعوب للعيش المشترك على أسس التساوي و التراحم و التعاون و التعايش السلمي و الأهلي الذي استطاع أن يسقطه على مجتمع اللاجئين في الكمب الذي تتحرك الشخصيات في إطاره غالباً و هو لا يوفر في مزج كل ذلك بشتى الأساليب الإبداعية بأسلوب بسيط رغم حذاقة لغته و خطورة رسالته و عمق شخصياته و خصوصية أفكاره ... فالمكان و الزمان : يتواءمان في دمشق بخمس سنوات قبل الثورة السورية ليصف العاصمة المحكومة بقبضة أمنية مطبقة على أنفاس المثقفين و الحالمين و المساكين حتى بأتفه ما يدين أحدهم و هي مساحة تعبير البطلة شام عبر موقع الكتروني ! يُحمِّله كذلك ذات المنحى الإيحائي من كونه لعشاق الشام و محبيها . و في حين تتحرك شام الفتاة التي يرسمها الكاتب بنظرته لفتيات مدينته التي تربى فيها ؛ فيجعلها على جانب كبير من الحياء و الحشمة مع الجمال و الرقة و القوة و الجرأة و لا أظن أن علي أن أذكر إلى رمزية شام هذه التي هي فردوس الوطن الذي يفتقده الكاتب في مقامه في الاغتراب كما أننا لا نتجاهل اسم البطل المتداخل باسم الكاتب الحقيقي فالبطل نور الدين و الكاتب علاء الدين و كلاهما لدى العودة إلى منشأ الكاتب من أحياء دمشق التاريخ و المهد للتدين الهادئ اللطيف المحبب المعتدل الحاني نجد نور الدين الابن البار التقي النقي الملتزم المثقف ، و نتوقف عند تأسي البطل لحال الشام المدينة التي شاخت و أنهكت بفعل الظلم و الاستبداد و القمع . ولا يغفل الكاتب مشكوراً إلى التنبيه إلى لحمة المجتمع السوري لولا نظام الحكم الفاسد الذي أثار نعرة القوميات لا سيما العربية و الكردية التي يبدو أن الكاتب لامحالة عايشها واقعاً مؤلماً لكردية نسبه و عربية ثقافته و لسانه و إن كان بإشارة غير مباشرة فمثلاً ها هو نور الدين يجيب صديقه ناصر الذي يجد العروبة الحل الأمثل ليرد مستنكراً :" لكن ماذا لو رغبت الأقليات بالحفاظ على هويتها هل نجبرهم أم نرحلهم "… ثم إنه تقصد في استخدام أسماء لشخصيات كردية الأمر الذي يمثل نهجه في مد جسور الاتفاق بين كافة المكونات السورية و لم يتوانَ في تقديم ما يمثل الجغرافية السورية بل العربية و العالمية كذلك من خلال شخصيات كثيرة ... إذن الزمان : وضحنا يمتد قبل الثورة بسنوات خمس ثم ينتهي عنده في العام المنصرم عام صدور الرواية . لكنه كذلك يسافر في أغوارالتاريخ الشتى من خلال الشخصية المحورية في الخيال و المستحوذة على غالبية الفصول و أحياناً من خلال سرد أحداث و معارك و وقائع وقصص مستقاة من الفكر الإسلامي غالباً أما المكان : فبعد الشام و المرور بالشمال سريعاً للعبور تهريباً للوصول إلى البحر الذي يتركنا الكاتب في لجيته و ليلته التي يجعلنا نتفكر حتى آخر الرواية و نحن نبحث عن مصير نور الدين و شام التي التقاها و أمها في ذات الدرب الشاق و الصعب و المتطلع إلى النجاة و الحياة ... ثم ليتبدل المكان مع تبدل الشخوص بكثير من الغرابة ! حين يصبح المكان (فيينا) و تتصاعد الأحداث في تقديم شخصية عمر التي تجعل القارئ في كل منعطف يظن الآن ستتجلى الحقيقة و هكذا حتى فصلها الختامي الأخير القصير ... و هنا لا بد من التوقف لدى الشخصيات : و إن كنا قد أتينا على جانب تفصيلي لأبرزها في حديثنا الزمان و المكان و وضحنا تلاحم العناصر كلها و تجلى أهمها نور الدين و شام و قد فصلنا فيهما ، ثم لتناول قليلاً عمر بن الخطاب الذي يسيطر على معظم فصول الرواية ولعلنا ننتقد للوهلة الأولى أن يجعل من شخصية اعتبارية كعمر رضي الله عنه شخصية أشبه بالفارس في زمن لا يتناسب و فروسيته و زيه و سيفه غيرةً ، و لا نظن كاتبنا أقل غيرة منا فهو لولا حبه و إعجابه الشديدين بشخصية عمر الصحابي لما اختاره و قد قدم له بنهاية الفصل الأول كضرورة ملحة بقوله : "انهض عمر البشرية تحتاجك " ليكون الفصل الثاني بدء إقحامه هذه الشخصية ذات القيمة الدينية المقدسة في نفوسنا جميعاً ، فيصورها بما يثير الحفيظة في بداية ظهورها كما أسلفنا ، ثم سرعان ما يتولد الشعور بالدهشة لذكاء الكاتب في إثاة الخيال و الفضول و لفت النظر أن امثال عمر ما كانوا ليكونوا عاجزين مثلنا حيال كل ما حولنا ... فيتجلى و إن ظنناه بداية يشبه البطل الأسطورة لكنه ينفي تلك الصورة القديمة عن البطل صاحب الخوارق من خلال إيضاح تكبده أي الشخصية عناء التعلم و الصبر و الجد ثم لتكتمل بما يؤهلها منطقياً ليقدمها كمنقذ و مخلص و كشخص سباق في الاندماج و الغرب مع الحفاظ على الحدود . لنعود في الفصل الختامي و نعي أنه ما أراد سوى إظهار الشرخ بين المتدين المؤمن و كيفية التعاطي و أفكاره وسط الحياة الأوربية بما فيها وذلك بدمجه عمربن الخطاب المعروف بحزمه وعدله و عدم تهاونه و الخطأ ... ليقدم رسالة فحواها أن عمر لو كان حياً ما كان لينأى عن ممارسة دوره الإيجابي في التغيير و التطوير بما يتناسب ... أما لحظة اكتشافنا أن كل الفصول التي تصور عمر و رفاقه و و و ... ما هي إلا أخيلة في ذهن نور الدين الذي عاين غيبوبة بعد البحر، فهي كفيلة لتقبل الشخصية و التي ما هي إلا في تصورات نور الدين و لا عجب لمن هو مُترع بتشرب التاريخ الإسلامي بإيمان و حب ... بل نجده يبني علاقات لعمر و المجتمع المحيط فيتفنن الكاتب برسم شخصيات ثانوية كثيرة مرسومة بعناية و تمثل كل منها طيفاً و اتجاهاً و سلوكاً و نمطاً كما أشرت بدءاً من الاسم إلى كل حرف أو إيماءة يشير إليها الكاتب . و الحقيقة أنه نوّع و كثيراً مشكوراً في الطرح الموفق للشخصيات ... ولا غرابة و هو الإنسان الكثير الأسفار و الأخبار و الزوار هذا التنوع يبدو في أصدقاء نور الدين في الشام ثم في تطور الأحداث في بلد اللجوء و ما تبعه من تطورات وصلت إلى ترشح عمر إلى البرلمان ! و لم يتوان الكاتب من ذكر الشخصيات المعروفة إعلامياً و سياسياً في أوربا ... لكن إذا عدنا قليلاً إلى تبلور شخصية نور الدين سنجده رسم صورة الأب السوري بالعموم الشامي بالمقام الصوفي بالسلوك الإنساني بالولاء و الانتماء و كذا حين أتى سريعاً على أنسه بأختيه إشارة و أمه حناناً مما يرسخ في الأذهان شخصية الرجل بفطرته البكر الذي لا يرجو من الأنثى سوى أن تكون يداً حانية و ابتسامة تجلب المسرة و كفى ... حتى شام صورها بريشة والدة نور الدين و أختيه فهي فقط تنصت له و تبتسم و تستحي و تمارس نشاطها بمنتهى الاتزان ولا تطالب الحبيب بأي مسؤولية تجاهها ! و لنكون منصفين أكثر ها هو يقدمها مبادرة و فاعلة إلى حد يجعلها معتقلة و مع ذلك لا تتزعزع مكانتها بل تزداد رغم الخوف عليها و الشك من يد دنست بهاءها ... و إنه لمن الطرافة أن نذكر أن الكاتب في الواقع كنى ابنة له بالاسم شام و الحقيقة أنه اسم كثير كثير الانتشار بين السوريين من كل المشارب و كأنهم جميعاً يتفقون على حبها بغض النظر عن اختلافاتهم الإثنية أو السياسية . و لا بد من ذكر شخصية الأستاذ أو المعلم أو المرشد التي تمثل شخصية نمطية كلاسيكية نجدها في معظم الروايات العربية ذات الطابع الثوري .
و لا بد من الإشارة بالعودة بتفصيل موجز في الأساليب الأدبية : وقد أمسك الأديب بمفاصل أدواتها فنوّع سرداً . وصفاً . حواراً . شعراً . تحليلاً . رمزاً . خيالاً. حبكة . ذروة . أدبية . فنية . و لعلي أتوقف قليلاً بين كل هذه العناصر عند الراوي للرواية ، و التي هي عينها الحكاية لنجده حاضراً غائباً تماماً كالحكواتي الذي يجثم أمامنا لكنّا لا نراه و إنما نتجسد سرده في أخيلتنا بعيداً عن التنبه لوجوده ... و أحيانا نكاد نتأكد أن الرواي هو البطل المجهول الأقوى ألا وهو الكاتب ذاته و الذي يدون لنا هذه الحكاية بمشاهدها الماثلة في ذهنه كشاهد حي على كل ما جرى ! الأمر الآخر ولعله يؤخذ قليلاً على الكاتب لولا يجد القارئ تبريرات ملزمة له على هذا النحو ... و هو طول الحوار لا سيما عندما يكون المتحدث عمر ... و هذا و إن كان يتوافق مع طبيعة العرب كشعب خطابة و بلاغة لكنه ربما بظن المتلقي أنه كان بالإمكان أن يختزل أكثر لولا حرص المؤلف على شرح فكرته عن طريق شخصيته المحورية تلك ؛ فكيف و الحديث عن كبرى القضايا التي ألف فيها الكثيرون مجلدات بكل واحدة منها ، و في ذلك ما يجعلنا نتغاضى عن اعتبار الحوار مملاً بل نحتاجه كما هو لنفهم ... و لعل منطقية الطرح في تحاور الشخصيات من جهة و إلى أن غالباً ما يكون عمر خطيباً يطلب منه أن يخطب في الناس و قد نظم هؤلاء الوقت المخصص له ، و هنا يجعلنا نعي واقعية الحوار بل توظيفه السليم كذلك . انتهى .
رواية علاء الدين آل رشي حكاية شام تختزل حكاية أمة بل حكاية حضارة متجددة رغم تقادم التاريخ و تناولها حديثاً بالتجريح و التمحيص لرميها بألف تهمة يسعى الكاتب بعلمه و ثراء فكره و دقة معلوماته و منطقية محاججته و غيرته على الإنسانية ودينه أن يقدم رسالته في تفنيد كل باطل مع الإشارة إلى أن الباطل المنبثق عن جهل أمره يمكن أن يُحل . لكن الباطل المتولد عن تكبر وغل هيهات هيهات أن يكلّ عن رفض كل نقاش في الوصول إلى الحل . و هي فكرة كثيراً ما يقدمها الكاتب و التي يدفع ثمنها قتل أحد هؤلاء عمر الشخصية لتكون لحظة الغدر به وقتله لحظة استعادة نور الدين لوعيه و الصحو من غيبوبته ولا بد من الإشادة بجمال النهاية كما جمال البداية ... حكاية شام حكاية كل سوري و من كل الجغرافية السورية و البيئة التي تمثل الغالبية فلا هي للصفوة و الذوات ولا هي للجهلة و الجناة ... هي لكل هؤلاء لكن قبلهم كلهم هي درب هداية لكل ضال يبحث عن الحقيقة بصدق الوصول لا بالتمرغ في الوحول.
كما أنها مرجع مبسط لتفنيد كبرى القضايا العالقة و فيها من منطقية الطرح ما يجعلنا نلامس الحل يقيناً لا حلماً لو تأتى ترجمتها نهجاً . بين دفتي هذي الرواية عشرات الروايات إن لم يكن أكثر فكل موقف يسترعي رواية أخرى و كل مشهد لو أسهب الكاتب و هو متمكن في الاسترسال لتحول إلى رواية أخرى و هكذا ...
سعيدة أن قرأت رواية الدكتور علاء الدين آل رشي و الشام تتعافى فلكأني أرى نور الدين و شام يكملان درب الأحلام في بناء الشام الوطن الحرية المحبة الحضارة التي يسكنها أبناؤها من المخلصين و الغيورين كالكاتب الذي يتمتع بثقافة إسلامية و شفافية إنسانية تجعله يعي كنه كل فرد مهما كان و لا يرى فيه إلا تمام الصلاح في تقديمه الحلول و مناولته في درب الهداية المفتاح المودي إليها ...
تمت الدراسة التحليلية بمسحة نقدية خفيفة و تقليدية بروح حداثوية بعيداً عن الوقوف على ما باتت أموراً مفروغاً منها في مدحنا نصاعة تعبير و براعة تصوير و حذاقة انتقاء اللفظ و وضعه في نصابه،أو الفكرة ورصفها تلو الفكرة كحبات در مرصوفة بحكمة بالغة ليست ببعيدة عن رجل خمسيني تتلمذ على كبار رجالات الفكر و أدلى بدلوه في فن الرواية يوماً رغم التحفظ المجتمعي بربط العالم بالفقه و العلم فحسب . عدا أن نستذكر أن آل رشي وجه إعلامي كردي ومفكر روائي و ناشط يقدم كل ماهو مفيد في حسب رؤيته ... و إن كان من مصر أبدع الشرقاوي في بث الفكر الإسلامي في محاكماته و رواياته ,؛ فها هي الشام الولادة تتمخض عن آل رشي روائياً بروح تربط الدنيا بالآخرة و تقرن الأمل بالعمل و تنبذ العجز و الكسل ...
كل الشكر والاحترام للكاتب القدير د. علاء و المرجو بأن نرى المزيد مما تجود به قريحته الوهابة بالخصب و النور سواء في تقديمه ما يعمل على إتمامه من مؤلفات في مضمار الفكر و العلم أم في الأدب والرواية ...