تواطؤ مع الإرهاب: "ضمانات" مسرحية وكشف حساب الميليشيات في العراق

لم يكن البيان الأخير الصادر عن المستشار الأمني الوطني العراقي سوى حلقة جديدة في مسلسل إضفاء الشرعية على الميليشيات الإرهابية التي باتت تُدير دفة الأمن في بغداد. فبعد أيام من الهجمات المتكررة على منشآت نفطية حيوية في إقليم كوردستان، خرجت الحكومة العراقية بتصريحٍ مثير للسخرية: "تم أخذ ضمانات بعدم تكرار الهجمات"! هذه العبارة ليست سوى اعترافٌ صريح بأن بغداد تعرف هوية هذه الجماعات الإرهابية، بل وتجلس معها على طاولة المفاوضات. فكيف لحكومة تدعي السيادة أن تتفاوض مع جهات إرهابية بدلاً من ملاحقتها وتفكيكها؟ الجواب بسيط: لأن هذه الميليشيات أصبحت جزءاً من النظام السياسي في بغداد، بل وأحد أدواته للضغط على إقليم كوردستان.
الهجمات التي كشفت المستور
· في 14 تموز/يوليو: هجوم على حقل خورمالو النفطي في أربيل.
· في 15 تموز/يوليو: هجوم على حقل سارسنج النفطي في دهوك.
· في 16 تموز/يوليو: 3 هجمات منفصلة على حقول نفطية في زاخو ودهوك.
كل هذه الهجمات نُفذت بطائرات مسيرة، وبطريقة متطابقة، مما يؤكد أنها جزء من استراتيجية موحدة وليست أعمالاً عشوائية. هذه الهجمات لم تؤثر فقط على الاقتصاد المحلي، بل أرسلت رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب، مما يعزز فكرة أن العراق بأسره منطقة غير مستقرة.
لماذا التستر؟
السبب واضح: هذه الميليشيات ترتبط بتحالفات إقليمية ودولية تعمل ضمن أجندة تهدف إلى:
- زعزعة استقرار إقليم كوردستان اقتصادياً وأمنياً.
2. إفشال أي محاولة لبناء اقتصاد مستقل للإقليم.
3. إرسال رسالة للمستثمرين الأجانب مفادها أن العراق بأسره منطقة خطرة.
4. الضغط على الإقليم سياسياً عبر استخدام ورقة العنف.
بغداد تمارس الإرهاب ضد كوردستان: "ضمانات" وهمية واقتصاد تحت التدمير المنظم
لم تعد مسرحية "الضمانات الأمنية" التي تروجها الحكومة العراقية قادرة على خداع أحد. فبينما تعلن بغداد عن "اتفاقيات" مع جهات إرهابية، تواصل هذه الميليشيات تدمير اقتصاد إقليم كوردستان بدعم صامت من المركز. هذه حقيقة تؤكدها الوقائع: هجمات مسيرة متكررة، قطع لرواتب الإقليم، ورفض دائم لحل الملف النفطي. أدوات بغداد لخنق كوردستان اقتصادياً وسياسياً.
الهجمات المسيرة جزء من استراتيجية منهجية. نُفذت جميعها بطائرات مسيرة متطورة وبتوقيت متقن، مما يؤكد تورط جهات تمتلك إمكانيات لوجستية متطورة. الغريب أن بغداد لم تُطِل قنبلة واحدة على مقرات هذه الميليشيات، بل سارعت إلى عقد "اتفاقات" معها!
ليست الهجمات المسيرة هي السلاح الوحيد. تمارس بغداد إرهاباً اقتصادياً عبر قطع رواتب موظفي الإقليم بشكل متكرر، التهرب من تنفيذ اتفاقيات الميزانية، وتأخير تحويل الأموال بشكل متعمد. هذه الإجراءات جزء من استراتيجية ممنهجة لإجبار الإقليم على الخضوع السياسي.
بغداد ترفض بشكل منهجي حل الخلافات النفطية مع الإقليم، وتستخدم هذا الملف كفزاعة للضغط سياسياً. ترفض تصدير النفط عبر الإقليم بشكل مستقل، تصادر عوائد النفط التابعة للإقليم، وتعطل مفاوضات تقسيم الثروة بهدف إبقاء الإقليم رهيناً لإرادة المركز. الهدف واضح: منع كوردستان من بناء اقتصاد مستقل.
السؤال الأكبر: لماذا ترفض بغداد نشر أسماء الجهات المتورطة في الهجمات؟ الإجابة محرجة: الجهات هي أذرع لميليشيات تدعمها أحزاب مشاركة في الحكومة. لأن كشفها سيفضح ارتباطات إقليمية خطيرة تعمل على زعزعة استقرار العراق. لأن بغداد تريد إبقاء هذه الميليشيات كورقة ضغط ضد الإقليم والدول الغربية. "الضمانات" مجرد غطاء لاستمرار عملها.
الثقة بين الإقليم والمركز ميتة. بغداد تنقض اتفاقياتها مع الإقليم بشكل منتظم، ترفض ملاحقة الميليشيات المهاجمة، وتمارس حرباً اقتصادياً عبر قطع الرواتب. لم يعد هناك مجال للكلام المعسول.
الطريق إلى الأمام
- رفع ملف الهجمات إلى الأمم المتحدة: يجب على حكومة الإقليم تقديم كل الأدلة إلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية.
2. مطالبة واشنطن بإدراج هذه الميليشيات في قوائم الإرهاب: خاصة أن الهجمات استهدفت مصالح أمريكية مباشرة.
3. إشراك الشركات النفطية الدولية في الضغط: هذه الشركات تمتلك تأثيراً اقتصادياً وسياسياً يمكن استخدامه.
4. مراجعة جميع الاتفاقيات الأمنية مع بغداد: الثمة حاجة إلى إعادة تعريف العلاقة مع المركز على أسس جديدة.
5. مقاضاة بغداد دولياً بتهمة دعم الإرهاب، وإشراك الشركات النفطية العالمية في فضح الأساليب العراقية، والبحث عن منافذ بديلة متجاوزين بغداد.
خاتمة
البيان الأخير لبغداد ليس سوى محاولة يائسة لإخفاء حقيقة مفادها: أن الحكومة العراقية إما عاجزة عن مواجهة الميليشيات، أو متواطئة معها. في كلتا الحالتين، لم يعد هناك مجال للثقة ببغداد في حماية أمن واستقرار الإقليم. بغداد لم تعد شريكاً يمكن الوثوق به. تمارس الإرهاب بأساليب متعددة: مسيرات مفخخة، حصار اقتصادي، وخرق للاتفاقيات. الشعب الكوردستاني يدفع الثمن. كفى وعوداً كاذبة؛ حان الوقت لمواجهة هذه السياسات دولياً. الإرهاب لا يُقاتل بـ"ضمانات"، بل بإرادة سياسية حقيقية. وهذه الإرادة غائبة عن بغداد.